أود أن أوضّح في البداية بأنّني لست اخوانيا ولا اخوانجيا، لذلك فأنا هنا أعبّر عن وجهة نظري كمواطن عادي، مع الاعتراف مسبقا بأنّ وجهة النظر هذه ليس شرطا أن تكون هي الحقيقة، فلا أحد يستطيع الإدعاء أنّه يملك الحقيقة المطلقة غير القابلة للنقض بحقائق مغايرة، والتعبير الدقيق عن هذه الحالة هو القول المنسوب للإمام الشافعي، وقد ورد بصيغ عديدة منها ( ما قلته أنا صواب يحتمل الخطأ، وما قلته أنت خطأ يحتمل الصواب). انطلاقا من ذلك أرى أنّه من الصعب وربما المستحيل فض هذه الاعتصامات لجماعة الإخوان المسلمين في ميادين مصر خاصة ميداني النهضة مقابل جامعة القاهرة و رابعة العدوية في مدينة نصر، وذلك لمجموعة أسباب وحيثيات يعيشها الشارع المصري ومنها:

 

1 . إصرار الجماعة على شرعية الرئيس مرسي وضرورة عودته

لا يمكن تصور إصرار الجماعة وأعضائها وشبابها على هذا المطلب  الذي هو مطلبهم وهدفهم الوحيد إلا عندما تختلط بهم وتناقشهم ميدانيا في ميداني رابعة العدوية و النهضة، فهو إصرار يرقى لحد طلب الإستشهاد من أجله، وهذا ما يفسر اقتراب هذين الاعتصامين من دخول شهرهما الثاني، حيث تحول خاصة ميدان رابعة العدوية إلى ما يشبه إلى مجتمع متكامل حيث تقام فيه كل الفعاليات السياسية والاجتماعية بما فيها حفلات عقود الزواج بين شبان وشابات معتصمين في الميدان. النقطة الرئيسية التي يعتمد عليها المعتصمون تدليلا على شرعية اعتصامهم ومطالبهم هي وجهة نظر تدعمها آليات الديمقراطية كما تعرفها وتمارسها الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية العريقة في ممارستها للديمقراطية وتداول السلطة. ومبدئيا فإنّ الرئيس محمد مرسي ليس إلها بل هو مواطن مصري انتخبه الشعب، وهو كمواطن رئيس معرّض لأن يتخذ قرارات مصيبة وقرارات خاطئة، وكما صرّح ابنه (والدي أخطأ ولكنّه لم يجرم). ونستطيع طرح السؤال التالي الذي يعزّز وجهة النظر هذه وهو: هل انقلب أي جيش أوربي أو أمريكي على رئيس البلاد وخلعه؟ أم أن الحكم كان وما يزال دوما لصندوق الانتخابات، فبعد أن يكمل الرئيس ولايته من أربعة سنوات، إما أن يجدّد الشعب له الثقة أو يسحبها منه. وقد حدث هذا مع الكثير من الرؤساء الأوربيين والأمريكيين. فهل هناك في نظر الشعب الأمريكي أكبر من خطأ تدخل الرئيس جورج بوش الإبن في أفغانستان والعراق؟ فهل تحرك وزير الدفاع الأمريكي وانقلب على بوش عازلا له من رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية؟. وهذه الحيثية هي التي دعت السيناتور الأمريكي “جون ماكين” للتصريح علانية وبوضوح بوصف ما حدث في الثالث من يوليو بأنّه انقلاب داعيا إلى اطلاق كافة المعتقلين السياسيين.

 لذلك فمهما احتج مناوئو الإخوان بمظاهرات الثلاثين من يونيو سببا لتدخل وزير الدفاع المصري في العملية السياسية وعزله للرئيس مرسي، فهي حجة ضعيفة لأنّها تتناسى أو تتغاضى في المقابل عن مظاهرات الإخوان المطالبة ببقاء الرئيس المنتخب من الشعب المصري. فهل ( مظاهرات عن مظاهرات بيتفرق )؟.  لماذا المظاهرات المطالبة بعزل الرئيس مرسي شرعية يجب استماع وزير الدفاع لها ومظاهرات أنصار مرسي غير شرعية يجب تجاهلها؟ رغم عدم صحة رأي أي طرف في تعداده لملايين أية مظاهرة من هذه المظاهرات، طالما أنّ كافة امكانيات (جوجول إيرث) التقنية غير قادرة على ذلك، فقد أعلن الموقع عن عدم توفر أية امكانيات تقنية لتعداد أية مظاهرة تعدادا رقميا صحيحا.

 

2 . من سيتحمل مسؤولية ألاف الضحايا المتوقعة عند فض الاعتصامات بالقوة؟

تكررت في الأيام القليلة الماضية تصريحات وزير الدفاع الفريق أول السيسي والرئيس المؤقت الذي عينّه السيسي عدلي منصور ووزير داخليته اللواء محمد إبراهيم عن فشل الوساطات العربية والدولية واقتراب انتهاء المهلة المعطاة لمعتصمي رابعة العدوية والنهضة بفض اعتصامهم طوعيا وإلا!!! وإلا هذه لا تحمل أي معنى سوى التدخل بالقوة العسكرية لفض هذه الاعتصامات وأمام إصرار جماعة الإخوان على رفض هذا حتى لو كانت النتيجة موتهم (استشهادهم حسب لغتهم)، فإنّ النتيجة لن تكون سوى ألاف القتلى والضحايا والمصابين والجرحى ، فمن سيتحمل مسؤولية هؤلاء أمام الشعب المصري والعالم أجمع، حيث بدأت عدة دول أوربية مهمة مثل ألمانيا تحذّر من احتمال هذه النتيجة المصيبة الكارثية.

 

3 . انقسام المجتمع والشعب المصري بشكل واضح،

وهذا الانقسام يشمل أيضا النخبة السياسية والرئاسة المؤقتة، خاصة بعد تصريح الدكتور محمد البرادعي نائب الرئيس المؤقت للشؤون الدولية حول ضرورة إطلاق سراح الرئيس مرسي وإجراء حوار مع جماعة الإخوان المسلمين وصولا لصفقة معهم. وقد كان مهاجمو دعوة البرادعي هذه أكثر بكثير من مؤيديها. وبالتالي يصبح السؤال المنطقي: من هو الشرعي في ظل هذا الانقسام حيث يدّعي كل فريق أنّ غالبية الشعب معه وتؤيد خطواته وممارساته وما سيتبعها؟

 

لذلك فتوقعاتي أنّه رغم التهديدات العلنية،

فلن يجرؤ وزير الدفاع والرئيس المؤقت و وزير داخليته على اتخاذ قرار فض الاعتصامات بالقوة المسلحة، مما يعني استمرار الأزمة مع استمرار تدهور الاقتصاد المصري وصولا إلى إفلاس الدولة، خاصة أنّ حجم الاقتراض من البنوك المحلية وصل حدا خياليا فاق عشرات المليارات خلال الشهر الذي أعقب الإطاحة بالرئيس مرسي، دون أن يعني هذا أنّ الاقتصادي المصري في عهد مرسي كان في أوج تقدمه وازدهاره، بل كان في بداية طريق الانهيار الحالي مما دعا الرئيس مرسي لطلب المعونة من الشعب حيث فتحت حكومته حسابا في كافة البنوك المصرية تحت اسم ( دعم مصر ) أي أنّ الحكومة تشحذ من الشعب الذي غالبيته بالكاد يجد الحد الأدنى من متطلبات حياته. لذلك فغالبية الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية تحذرّ من المصائب القادمة، ناصحة بأن الديمقراطية هي الحل، وهنا الصعوبة المستحيلة فكل فريق وجماعة مصرية تعتقد أنّ ممارساتها ومواقفها هي الديمقراطية. لذلك فالقادم صعب وعظيم في مآسيه، ونأمل أن لا تصحّ هذه التوقعات ويخرج الشعب المصري من هذه الأزمة بسلام وأمن، لكن الأماني والأحلام غير الواقع والممارسات السائدة.