كالعادة إنشغل العراقيون في تفاصيل صغيرة لا تعنينهم، وهي فقرات الموازنة، أكثر من إنشغالهم بالعنوان العام وهو إقرار الموازنة لثلاث سنوات لأول مرة، وهو أمر مهم فيه كثير من الجوانب الإيجابية، مما يؤكد نضوج التجربة السياسية العراقية.
لم تكن هناك نقاط خلافية كبيرة بين ما أعدته الحكومة وما أقره البرلمان عدا المادة 14 التي إنتصرت فيها إرادة البرلمان على رغبات الحزب الديمقراطي الكردستاني، وما تم مناقلته من أبواب الصرف كان فيه مرونة من الحكومة الإتحادية عند إعداد الموازنة، مما يؤكد الجهد الكبير الذي بذلته الحكومة في إعدادها، وإنها كانت ملائمة لرغبات أغلب الكتل السياسية.
رغم العجز الكبير في الموازنة الإتحادية العراقية، وخوفنا أن يحصل مع العراق، مثل ما حصل مع مصر ولبنان وتركيا من إنهيار إقتصادي،بسبب الديون المتراكمة وحجم الصرف الكبير الذي يفوق حجم الايرادات، لكننا على ثقة أن المرحلة القادمة ستشهد نموا إقتصاديا وخدميا كبيرا، كون العراق من الدول المنتجة للنفط، وقريبا سيدخل سوق الغاز الطبيعي، بالاضافة الى إمكانية فتح منافذ إقتصادية أخرى، تمكنه من الوصول الى مصاف الدول المتقدمة إقتصاديا.
إقرار الموازنة جاء نتيجة تضافر جميع الجهود الحكومية والبرلمانية، وهي حصيلة مباحاثات ماراثونية إستغرقت أشهرا طويلة، رغم محاولات بعض الكتل والسياسيين تسويق أنفسهم من خلال المطالبة ببعض الفقرات، لكن الأكثر جهدا في إقرارها هم الذين إبتعدوا عن التصريحات الإعلامية، كونهم كانوا منشغلين بالنتيجة النهائية وليس البروز الإعلامي، وهي موازنة كانت تحتاج جهدا إستثانئيا لتشعب فقراتها، وتغطتيتها لثلاث سنوات قادمة.
لا نبخس الجهد الكبير من اللجنة المالية والبرلمان في إقرار الموازنة، وحرصهم الكبير على إخراجها من خانة المزايدات والتوافقات السياسية، والتعامل مع فقراتها بالطرق القانونية والدستورية، ورغم وجود علات وثغرات فيها كما هو الحال في كل موازنة، لكنها الاقل في هذه المرة التي نتمنى أن تستهدف القطاعات الحيوية التي يعاني منها المواطن، فأكثر المبالغ خصصت للوزرات لإنها تستهدف مشاريع إقتصادية كبرى وبنى تحتية، أثبتت المحافظات فشلها فيها خلال السنوات السابقة.
مبالغ مالية كبرى خصصت لمحافظات الوسط والجنوب، وخصوصا المحافظات الاشد فقرا والتي تعاني من ضعف أيراداتها الاقتصادية وتهالك بناها التحتية، وعلى الحكومات المحلية أن تكون على مستوى قادر على إدارة هذه الاموال، خاصة وأن إنتخابات مجالس المحافظات على الأبواب، مما يوفر إدارة مشتركة في تخصيصات تلك الأموال.
على الورق فإن هذه الموازنة تبشر بأن السنوات الثلاث القادمة ستكون سنوات خضر، على الواقع الاقتصادي والخدمي في العراق، لكن يبقى تحويلها الى نتائج على أرض الواقع، وهو مرهون بكفاءة الاداء الحكومي، الذي يجب أن يكون متميزا.