يبدو إن الحذاء الذي يتم تداوله بالاسم الحركي له عراقيا ( القوندرة ) هو أكثر الأسلحة استخداما، إما بالتهديد أو بالتنفيذ أو بالتشبيه في معظم مجتمعاتنا العراقية من أقصى الشمال إلى أقصاه في الجنوب، رغم اختلاف أشكاله وأحجامه وتسمياته، إلا انه يبقى المفردة الأكثر تداولا خاصة حينما تبدأ دورة الغضب والعصبية والتهديد، أو في استخدامات أخرى حينما يتحول إلى وسادة في عربات القطار أيام الحرب العراقية الإيرانية أو في سجون النظام البائد أو الما بائد!؟

أما على المستوى العالمي وفي أكثر مشاهد استخدامه إثارة كانت تلك اللقطات التي ظهر فيها الزعيم السوفييتي خروتشوف عام 1960م وهو يهدد به الامبريالية العالمية ويطالبها بمنح كل المستعمرات الحرية والاستقلال، حيث كان أعضاء الأمم المتحدة يواصلون نقاشاتهم واستماعهم إلى كلمات ممثلي الدول، بينهم جواهر لال نهرو وجمال عبد الناصر وجوزيف تيتو ورؤساء حكومات، عندما ارتفع فجأة صوت رئيس الاتحاد السوفيتي خروتشوف، وما إن انتبه إليه الجميع في تلك القاعة الحاشدة حتى شاهدوه وهو يرفع حذاءه ويضرب به منصة وفد بلاده وسط ذهول واستهجان وسخرية الجميع، بعد هذه الحادثة صار اسم خروتشوف لم يذكر باعتباره رئيس دولة عظمى، بل تذكر حادثة الحذاء هذه وبكثير من التأويلات.

وفي تاريخنا المعاصر وخاصة في العقد الأخير الذي تميز بمجلس نوابنا العجب، حيث ضم بين أروقته ما شاء الله من عبيده الذين يحترقون من اجل أن يحيى الشعب، ويجوعون من أجل أن يشبع الفقراء، ويسهرون حتى الخيط الأول من الضياء وما هم بسكارى، لكي ينام الشعب مخدرا بشعاراتهم وأكاذيبهم، فقد استخدمت إحدى ( نايباته ) التي تم تزكيتها في الاجتثاث من قبل زعيم سبق وان كان من رفاق العقيدة والسلاح وادغمها في غفلة من الزمن بين صفوف ( نايبات ) المجلس العتيد، استخدمت هذه الشفاطة أي كثيرة الكلام والتصريحات ( بابوجها ) بدلا من اللسان والحوار والنقاش أسلوبا في التخاطب مع احد النواب الذي كان ينتقدها!؟

وربما فعلت فعلة ذاك المغمور الذي عجز عن توجيه سؤال لزعيم دولة كبرى كان يزور العراق فاستخدم هو الآخر ( قوندرته ) بدلا عن لسانه لتوجيه السؤال والحوار، في أخر مودة من مودات التعاطي الحذائي مع الأحداث، ويبدو والعلم عند الله إن لتلك المشكلة جذورا مهمة ومترسبة عند العراقيين عموما، حيث أشار إليها رئيس النظام السابق الذي نتذكر جميعا أحاديثه عن الأحذية، وكيف كان ( يُعيرنا ) بأننا كنا حفاة عراة نأكل من بقايا علب الأغذية المحفوظة التي يرميها جنود الاحتلال البريطاني، ( وربما كان يتحدث عن منطقته تحديدا لوقوعها بالقرب من سكة القطار ) لان مثل هذه المشاهدات في مرحلة الطفولة قد تبقى دهورا منقوشة في الذاكرة بالصورة والصوت، إلا انه كان دوما يذكرنا أيضا بأنه هو الذي ألبسنا الأحذية بعد دهور من الفقر المدقع الذي انتهى بتوليه رئاسة العراق ومن ثم انتهاء عهد ( الحفاة ) لتبدأ مرحلة الأحذية، التي سرعان ما أصبحت تحت مضلة الحكم القرقوشي واحدة من أهم أسلحة التخاطب لكبار المسئولين في تلك المرحلة، ويبدو أن الرفاق الجدد من خريجي تلك المدرسة في التخاطب والتعاطي مع الأحداث باستخدام هذه الوسيلة في زمن النكرات والانتهازيين من مستخدمي لغة القنادر مازالوا يمثلون على مسرح السياسة البائسة في عراقنا الجديد!؟