منذ ان اصدر المالكي أوامره للجيش بفض اعتصامات الرمادي و الفلوجة تحت ذريعة محاربة داعش في العملية العسكرية المسماة ( ثأر القائد محمد ) حتى بدأت الأوضاع السياسية و العسكرية تنحو منحىً خطيراً ، فالعشائر في الأنبار أعلنت عن تأسيس جيشها الخاص ( لمواجهة الجيش – و الذي وجد نفسه هو الآخر في مواجهه عبثية ضد أبناء شعبة – ) ، ثم تلا ذلك الإعلان عن تأسيس المجالس العسكرية في عدد من المناطق ، و التي أعلنت فيما بعد عن توحدها في ( المجلس العسكري العام ) و الذي أعلن صراحة عن هدفه في إسقاط حكومة المالكي و ربما العملية السياسية في مجملها وإعادة صياغتها من جديد ، الملف الأمني لم يكن بمعزل عن هذة التطورات بالطبع ، فمشهد التفجيرات الدامية و السيارات المفخخة قد عاد إلى بغداد و بقوة ، و الذي ترافق هذة المرّة مع الإعلان عن محاولات إقتحام السجون و تهريب السجناء .
هذا فيما يتعلق بالمستوى العسكري ، و لكن يبدو أن معركةً أخرى أشد ضراوة تدور على المستوى السياسي ، و لا أتحدث هنا عن الحلول السياسية للأزمة ، أو ما يسمى بالمخرج الآمن أو حتى لحفظ ماء الوجه لهذا الطرف أو ذاك ، فالمعركة بين الطرفين كما يبدو لم تعد تحتمل أنصاف الحلول .
أعلن مجلس الوزراء اليوم عن تحويل كلٍ من مناطق طوز خورماتو و تلعفر و سهل نينوى و الفلوجة إلى محافظات جديدة مستقلة عن محافظاتها السابقة !!!!! 
هكذا ، و بلا أي مقدمات !!! بالطبع فإن قائمي مقام تلك الأقضية لم يتقدموا بطلب رسمي الى الحكومة او مجلس النواب بتحويل أقضيتهم إلى محافظات ، كما أنه لا وجود أيضاً لهكذا مشروع ضمن مقررات مجلس النواب ، و بعيداً عن دستورية هذا القرار ، فإن فيه شبهة سياسية ، و ذلك لإن مجلس الوزراء يعتبر الجهة الوحيدة التي أخذت على عاتقها 1- طرح المشروع 2- و دراسته 3- و البت فيه دون الرجوع إلى الهيئة التشريعية المختصة ( و أقصد هنا مجلس النواب ) و لا إلى أصحاب الشأن ( تلك المدن نفسها أو مجالس محافظاتها ) ، خاصةً إذا أخذنا بعين الإعتبار توقيت هذا القرار و الظروف السياسية الملازمة للقرار .
بالطبع فإن إصدار مجلس الوزراء لهكذا قرار و في هذا التوقيت بالذات لم يكن اعتباطياً ، بل هو مدروس تماماً ، بل و يعتبر ضربة استباقية للطرف الآخر … 
ليس خفياً على أحد أن مطلب الإقليم كان و لا زال هو المطلب الأكثر إلحاحاً لدى مُعظم القوى السياسية و الشعبية في المحافظات المنتفضة الست ، و ليس خفياً على أحد أيضاً أن محافظات ديالى و صلاح الدين و الموصل قد تقدمت بالفعل بمشروع تنظيمها في إقليم مستقل مشابه لإقليم كردستان ، إلّا أن مطالبها تلك جوبهت بالرفض من قبل شخص رئيس الوزراء ، فيما أُعتبر ذلك الرفض بالمخالفة الدستورية .كما أن من الجدير بالذكر هنا أن محمد طه الحمدون ( أحد كبار منظمي الإعتصامات ) قد أعلن يوم أمس عن وجوب إستعداد الجميع للسير في خطى إعلان الإقليم من طرف واحد .
و وفقاً لكل تلك الأحداث جاء قرار مجلس الوزراء المذكور ليضع المزيد من العقبات أمام دعاة الإقليم ، فالسيد المالكي كما يبدو يراهن على رفض ( محافظات طوز خورماتو و تلعفر و سهل نينوى ) الإنضمام إلى الإقليم المرتقب مما سيؤدي إلى تقطع أوصال ذلك الإقليم و وضع المزيد من العقبات و العثرات أمام إقامة الإقليم .أمّا فيما يتعلق بتحويل مدينة الفلوجة إلى محافظة فيهدف فيما نعتقد إلى تكريس سيطرة الحكومة المركزية عليها من جهة ، و إلى محاولة إسترضاء سكانها من جهة أخرى عبر وعود الإعمار الذي تتطلبه كمحافظة جديدة .
إلّا أن الرد جاء سريعاً … فبعد ساعات قليلة فقط من الإعلان الحكومي ، جاء الرد من محافظ نينوى السيد أثيل النجيفي و الذي أعلن عن ( أن الأيام القليلة القادمة ستشهد الإعلان عن إقامة إقليم نينوى وفق حدود المحافظة لعام 2003 ) ، بالطبع فإن تأكيد السيد المحافظ على حدود الإقليم هو رفض ضمني لإستقطاع قضاء تلعفر من المحافظة أو الإقليم و هو رفض واضح بطبيعة الحال لقرار مجلس الوزراء . كما أعلن مجلس محافظة صلاح الدين هو الآخر رفضه تحويل قضاء طوز خورماتو إلى محافظة فيما أعتبره خرقاً دستورياً .

المعركة السياسية بين الحكومة المركزية و دعاة الإقليم بدأت ، و هي متلازمة حتماً مع المعارك الدائرة بين أبناء العشائر و الجيش ، و هي لن تنتهي بطبيعة الحال بحسم تلك المعارك أو دخول الجيش إلى المدن . فالخلافات بين أبناء البلد الواحد لا تحسم بالرصاص ، و لا يتم حلها وفق مبدأ ( كسر العظم ) ، بل عبر الحوار الحقيقي و الثقة المتبادلة و إحترام الدستور الضامن للعملية السياسية و وحدة العراق ، كما أن من شارك بكتابة و إقرار الدستور ، من باب أولى أن يكون أول الداعمين لتنفيذ و تطبيق بنود هذا الدستور