الطاقة والجنس ح1 الطاقة الإيجابية
يحدثنا التاريخ عن كوارث طبيعية كالزلازل والعواصف والفيضانات والبراكين وغيرها غزت على حين غرة مدناً فطمستها عن بكرة أبيها، لم ينج منهم من يخبر عما حدث ، عدا بعض الأطلال وبعض الآثار التي تبين حجم الكارثة.
كذلك ، تحدثنا الكتب السماوية بشكل عام ، والقرآن الكريم بوجه خاص ، عما جرى لبعض المدن ونوع ما تعرضوا له من كوارث شملت كافة الموجودات في تلك المدن ، ويذكر “القرآن الكريم” السبب أنهم عصوا الرحمن ولم يطيعوا رسلهم وأنبياؤهم ، بل ربما عذبوهم وقتلوهم!.
كما ذكرت الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم إن لكل مدينة كانت لها صفات خاصة ، استحقوا الهلاك والابادة “الاستئصال” من أجلها ، فبعض المدن انتشر فيها التلاعب بالموازين ، وبعض منها انتشرت فيها أعمال السحر والشعوذة ، وادعاء بعض الحكام الألوهية وانتشار التمرد والعصيان والظلم وعبادة غير الله وتفشي الرذيلة والعلاقات الجنسية خارج حدود العرف والشريعة .
أولى القرآن الكريم عناية خاصة للعلاقة الجنسية ، وذكرها عدة مرات ، في كل مرة يذكرها بطريقة تناسب الموضوع وفي غاية الأدب والحشمة وبطريقة تمنع الخدش ، فالقرآن الكريم لا يقرأ من قبل الرجال فحسب ، بل تقرأه أيضاً النساء والأطفال ، بسم الله الرحمن الرحيم {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }الأعراف189 ، لاحظ أدب التعبير (َتغَشَّاهَا ) تعبير دقيق جداً للعلاقة الزوجية يعد البديل الأنسب عن أي كلمة رديفة أخرى في اللغة العربية ، لا يثير طمع الرجال ولا يخدش حياء النساء ولا يخامر فطرة الأطفال ، {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً }الأحزاب37 ، في هذه الآية الكريمة تعبير أخر ، يختلف من حيث المعنى والصياغة ، لكن له نفس الدلالة (قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً … إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) أدب في غاية الرفعة والترفع ، يمنع الطمع والخدش ويحافظ على الفطرة ، الى غير ذلك من تعابير دقيقة ومناسبة لكل الشرائح والفئات العمرية .
أهمية الجنس في حفظ النوع جعله حاجة أساسية في حياة الانسان ، نظراً لمكانته وتمكنه في قلب الانسان جعله الله تعالى جزاءً للمؤمنين والصالحين في الأخرة (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ{56} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{57} كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ{58} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{59} هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ{60}) الرحمن .
العملية الجنسية في إطارها العرفي التقليدي والشرعي طاقة إيجابية ، حيث إن جسد الانسان ناشط في الحركة ، حركته الخارجية ، وحركة أعضاءه الداخلية ، لا يوجد عضو ثابت دون أن يؤدي وظيفة ما ، حركة وفاعلية مستمرة طالما وأنه على قيد الحياة ، حركة داخل حركة ، حركة تناغم حركة بإنسجام تام ، لا تتقاطع الحركات في الجسم السليم ، كأعضاء فرقة الأوركسترا ، كل عضو يؤدي ما عليه بشكل ينسجم مع أداء الأخرين ، ولا يمكن ذلك إلا بوجود قائد الأوركسترا ، فهو الذي ينظم حركة كل عضو ليقوم بدوره باللحن والعزف ، كل حركة خاطئة من أي عضو من شأنها أن تفسد اللحن وتناغمه ، كذلك العملية الجنسية السوية الكاملة ينسجم بها كلا الجسدين الماديين مع توافق روحي وتبادل عاطفي يهيج رغبة كلا منهما في الأخر الى درجة الاتحاد ورفض الفراق .
العلاقة الجنسية السوية تعد من كبريات جوالب الطاقة الإيجابية إن مورست بشكل سوي وكامل وصحيح تغمر الطرفين وكذلك تملأ المكان ، فيعج بالطاقة الإيجابية جالباً الأرواح الروحانية الطيبة التي تتغذى عليها ، وتملأ المكان بالبهجة والسرور بعد ان تضيف طاقتها الإيجابية الى طاقة الشريكين اللذين يعدان بؤرة الطاقة الإيجابية ومولدها الفعال ومصدر الجلب ، تعتمد تفاصيل تلك الطاقة على الطريقة الجنسية السليمة والسوية حيث إن الشريكين يكونان كمولد الكهرباء ، كلما كبر حجم المولد زاد إنتاجه للطاقة الكهربائية ، وكلما صغر في الحجم كان توليده للكهرباء أقل ، وبكلمة أخرى ، كلما كانت الطاقة الإيجابية أكبر إزداد عدد الأرواح الروحانية الطيبة الحاضرة والقادمة للمكان مما يبعث الى إنشراح النفس وطيبة الروح وسلامة الجسد.
حضور الأرواح الروحانية الطيبة والمرغوب فيها للمكان لا يعني إنها ستغادره بعد إنتهاء العملية الجنسية السوية الكاملة ، بل تبقى في ذلك المكان ، كمصدر للبركة وجلب الخير والنفع ودفعاً لمسببات الطاقة السلبية المعاكسة وأخطارها ، تعمل بدورها كالحارس الأمين وسر من أسرار الخير والبركة .
الأرواح الطيبة سعيها الحثيث وتوجهها الدائم للسمو والإرتفاع نحو مصادر الطاقة الإيجابية الأسمى ، لتتصل بالروحانيات العليا وتوحد طاقتها معها لدرجة التوالف والإنصهار بها ، كي تحقق هذه الغاية هي بحاجة لقطع طريق صعودي طويل يتطلب غذاءً مناسباً وكافياً تتغذى عليه طوال الرحلة ، لذا هي تسعى بجد واجتهاد للحصول على طاقات ايجابية أرضية تنهل منها كي تنتفخ وتضخم هيوليتها لدرجة تمكنها من الانطلاق نحو الهدف.
الأرواح الروحانية الطيبة تستشعر بحساسية بالغة إنبعاث الطاقة الإيجابية من أي مكان وأي بقعة مهما كانت هذه الطاقة الإيجابية ضعيفة فلا تفوت الفرصة قط في النهل منها ، ولعل أبرزها تلك الطاقة المنبعثة من الممارسة الجنسية السليمة فتحضر المكان لكنها لا تنظر للجسدين قط ولا يهمها ذلك ، بل تناغي روحي الشريكين وتتناغم معهما وتضفي لهما شيئاً من لطف هيولتها كي تزيد متعة إنسجامهما ومن ثم تشرع بإلتهام طاقتهما الإيجابية وفق مبدأ (أفد واستفد) .
عندئذ يتكون عمود الطاقة الإيجابية الصاعد من ذلك المكان نحو السماء ، صعوداً لا نزول فيه ، أي إن النزول بحد ذاته هو صعود أيضاً ، بمعنى أخر ، إن الأرواح الطيبة الأرضية تصعد الى السماء عبر عمود الطاقة الإيجابية فتلتقي بالأرواح الروحانية العليا تستمد منها وتزداد طاقة ونورانية ثم تنزل الى المكان الذي إرتقت منه ، نزولها هذا لا يعتبر نزولاً وفقاً لمعايير الطاقة الإيجابية التي لا يوجد فيها نزول ، بل هو صعود أيضاً لكن نحو الأرض.
عندما يشع عمود الطاقة الإيجابية من ذلك البيت (أو المكان) نحو السماء ويعج بصعودها ونزولها فيه تغمره الطمأنينة والسكينة ويكثر فيه الخير وتلاحظ فيه البركة ، (لا خير في بيت لا جماع فيه) .
ينبغي التنويه إن ذلك لا يشمل العملية الجنسية فقط ، بل سائر الأعمال والأفعال الباعثة للطاقة الإيجابية ، ولعل العملية الجنسية السليمة والسوية والكاملة هي الأقوى والأبرز !.

يتبع..

حيدر الحدراوي