رسالة من حقل الأشواك الى الراجا “ريشي سوناك”

احمد الحاج
من دون مقدمات لقد أصبت حقا بالغثيان من تصريحات رئيس الوزراء البريطاني من أصول هندية ريشي سوناك،تلك التصريحات المستفزة والداعمة للكيان الصهيوني برغم جرائمه الشنعاء ،ولقد أصبت بالغثيان أكثر حين أكد سوناك على أن” لندن سترسل سفينتين تابعتين للبحريةالملكية،وطائرات هليكوبتر ومراقبة لإظهار دعم المملكة المتحدة العسكري لتل أبيب، بهدف طمأنتها وتعزيز الاستقرار الإقليمي” بحسب صحيفة التايمز البريطانية وكأن الكيان المسخ لايمتلك ترسانات من الأسلحة تعد الأضخم والأحدث في العالم ، إلا أن جبنه المتوارث المعهود ،وخوره الدائم يجعلها وبرغم ضخامتها مجرد قطعة ماس بيد فحام !
دعم أوربي وبريطاني لامحدود في وقت وكأنك بكل فلسطيني محاصر وقد قطع الكيان المسخ عنهم الماء والكهرباء والدواء والغذاء كليا فيما تواصل الالة الحربية الصهيونية الغاشمة سحق القطاع بالكامل ومسحة من الخارطة بكل أنواع الاسلحة المحرمة دوليا، وقد تكالبت عليهم قوى الشر من كل حدب وصوب ، وهو يردد ما قاله شاعر الهند الكبير روبندرونات طاغور، وبما يصدق على أهالي غزة المحاصرين :
الليل أسود والغابة لا نهاية لها
مليون شخص يتلاعبون به بملايين الطرق
لدينا محاولات للبقاء في الظلام
ولكن أين أو مع من ؟ نحن غير مدركين لذلك !
واعلم ياسوناك وعلى قول المهاتما غاندي ” أن النصر الناتج عن العنف هو مساو للهزيمة، إذ أنه سريع الانقضاء ” مضيفا ” نعم بإمكانك قتل الثوار الآن، ولكن ليس بمقدورك قتل الثورة” .
يا سوناك عليك أن تفهم جيدا وقبل أن تهرف بما لاتعرف بأن كل ما يجري في قطاع غزة البالغ طوله 41 كيلومتراً ، فيما يبلغ عرضه 10 كيلومترا،ويقطنه ما يقرب من 2.3 مليون انسان وبما يعد من أكثر المناطق كثافة سكانية حول العالم إنما يمثل الفصل الأخير و الامتداد الجيو- سياسي لخطة صهيونية ديمغرافية عنصرية سابقة يطلق عليها”حقل الأشواك”تهدف الى التخلص من قطاع غزة وإجبار سكانه على الرحيل عبر معبر رفح الى سيناء المصرية” وفقا للصحفي الإسرائيلي إيلام شراغا .
كما أن ما يجري يعد امتدادا طبيعيا لـ” وعد بلفور” المشؤوم الذي صاغته واقترحته ونفذته بريطانيا فيما مضى لتجر علينا كل هذه الويلات والكوارث التي نشاهدها اليوم من على شاشات التلفاز ،وبما أنك هندي الاصل ، والمثل الهندي الشهير يقول” إن المرض والغم والمصائب والأغلال إنما تنتج من أخطاء ارتكبت في الماضي” ، وبما أنك تنحدر من عائلة هاجرت الى المملكة المتحدة من شرق أفريقيا ، والامثال الافريقية تقول “الشر يدخل مثل الإبرة ، وينتشر مثل شجرة البلوط” وأن “من يحفر عميقاً من أجل سمكة فقد يخرج بثعبان”، وبما أن زوجتك هي الاخرى هندية وتحمل الجنسية البريطانية وهي ابنة الملياردير الهندي نارايانا مورتي، وبما أن الحادثة العنصرية التي تعرضت لها خلال فترة مراهقتك في بريطانيا ما زالت محفورة في ذاكرتك كما سبق لك وأن ذكرتها مرارا،والمثل الإنجليزي الشهير يقول “لا تسأل لماذا يستمر احدهم في ايذائي، سل نفسك أولا لماذا تركته يفعل ذلك” فدعني أذكرك بما فعلته بريطانيا التي لم تعد تشرق على امبراطوريتها الآفلة الشمس وسط تحركات دولية جدية لمطالبة الحكومة البريطانية بالاعتذارعن حقبة (الراج البريطاني) وعما فعلته في شبه القارة الهندية والمتمثلة اليوم بباكستان والهند وبنغلاديش وميانمار،للفترة بين 1858-1947 حيث استنزاف الثروات ، وإثارة النعرات ، وبث الفرقة ، وتكريس الانقسامات، اضافة الى الإسهام المباشر بانتشار المجاعات ، ونهب الثروات ، وتهريب الخيرات .
نعم هو لا يؤيد اسقاط أو تشويه تمثال تشرشل، ولكن يتوجب الكتابة أسفله ” لقد كان بطلاً في الحرب العالمية ومسؤولاً عن موت الملايين في البنغال ” فبهذه العبارة أعرب المؤرخ الهندي (رودرانجشو موكرجي) عن أسفه لما ارتكبته بريطانيا من جرائم مروعة في بلادك ” الهند ” ياسوناك ، ذاك أن الإستعمار البريطاني قد تسبب بمقتل ما يقرب من (165) مليون هندي للفترة بين 1880 – 1920 وحدها بحسب عالم الأنثروبولوجيا الاقتصادية (جيسون هيكيل)، فيما مات ما لا يقل عن (3) ملايين هندي جوعاً بمجاعة البنغال عام 1943 من جراء سياسات رئيس الوزراء البريطاني آنذاك (ونستون تشرشل) وفقا لمجلة (وورلد ديفيلوبمينت )” فهذا الرجل كانت يداه ملطخة بالدماء “على وصف وكيل الأمين العام السابق للأمم المتحدة الهندي (شاشي ثارور) .
هل تذكر مجاعة البنغال يا سوناك؟علما بأنها ليست الوحيدة إلا أنها من أعظم الكوارث إبان الحكم البريطاني للهند وفقا للمندوب السامي البريطاني ،حيث كان شعار بريطانيا آنذاك بأن أية مساعدات للهند لن تكون كافية لأن”الهنود يتكاثرون كالأرانب” بحسب وزير الدولة السابق لشؤون الهند ، فيما استولت بريطانيا على أكثر من تسعة تريليونات و184 مليون جنيه إسترليني من خلال سياسة”استنزاف الثروة”وكانت تفرض الضرائب على الهنود وتستخدم عائداتها لشراء المنتجات الهندية بينما حظرت على الهنود بيع منتجاتهم من الملابس داخل الهند وخارجها ولو حاولت بريطانيا رد الأموال التي نهبتها من الهند فإنها ستنهار وفقا لموقع “News Click” الهندي !
هل تذكر الاستعمار البريطاني الذي استمر للفترة بين (1858-1947) وتسبب بمقتل أكثر من 100 مليون هندي خلال اربعة عقود فقط وفقا لمجلة Science Direct ، فيما وقعت أكثر من (34 )مجاعة في الهند خلال الاستعمار البريطاني للبلاد ليتخطى عدد ضحايا مجاعة عام (1877) وحدها حاجز الـ 10 ملايين هندي بسبب سياسات شركة الهند الشرقية البريطانية ، فهل ستذعن بريطانيا لمطالبات الاعتذار عن حقبة الاستعمار يا زعيم العيارين ، وياقائد الشطار ؟
يا سوناك وقبل أن ترحل عن منصبك كسابقك”بوريس جونسون ابو كذيلة وشعر سارح ” ليسدل عليك الستار، فيما كل شعوب العالم العربي والإسلامي ومجموعهم 2 مليار نسمة ستلعنك قبل أن يلعنك التاريخ وينساك، دعني اذكرك بجرائم بريطانيا في العراق بعد 2003 وكيف ردت المحكمة الجنائية الدولية على مزاعم الحكومة البريطانية التي دأبت على اتهام محامين في مجال حقوق الإنسان بتقديم ادعاءات كيدية على تورّط قوات من الجيش البريطاني بارتكاب جرائم حرب في العراق بقولها (من المخادع وصف مجموعة الدعاوى الكاملة، التي تشمل مئات المطالبين، بأن لا أساس لها من الصحة أو بالزائفة) ، ليكشف تقرير من 180 صفحة عن أن مئات المعتقلين العراقيين قد تعرضوا إلى سوء معاملة من قبل جنود من أفواج بريطانية مختلفة، الفترة بين 2003 و2009 وكلهم من المدنيين العزل وقد تعرض بعض المعتقلين للاغتصاب أو الاعتداء الجنسي، أو الى التعذيب والضرب المبرح المفضي الى الموت وفقا لبي بي سي .
ولاريب أن” قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بإغلاق تحقيقها بشأن انتهاكات بريطانيا سيغذي بلا شك ما يعتبر ازدواجية معايير قبيحة في العدالة، باستخدام نهج للدول القوية وآخر لتلك الأقل نفوذا ” على وصف المستشار القانوني الأول في منظمة “هيومن رايتس ووتش ” .
لتضيف صحيفة الصنداي تايمز البريطانية ” لقد عثرنا على أدلة موثوقة بخصوص جرائم عدة ارتكبها جنود بريطانيون بينها جرائم قتل جماعي، وموت أشخاص رهن الاعتقال، وضرب وتعذيب، وتحرشات جنسية بغرض إهانة المعتقلين في كل من العراق وأفغانستان ” .
يا سوناك هل تذكر (معركة كرري)الشهيرة في الثاني من أيلول عام ١٨٩٨بين القوات المهدية السودانية والجيش البريطاني المزودة بالمدافع الرشاشة والاتوماتيكية الحديثة تدعمهم البوارج الحربية يوم قتل البريطانيون ممن تحمل جنسيتهم وتقود بلادهم حاليا 18 الف سوداني وجرح 30 الفا آخرين !
هل تذكر رشاش مكسيم الذي اخترعه الأمريكي-البريطاني هيرام ستيڤنز مكسيم ،عام 1883 وتسبب بمقتل الملايين حتى لقب”بأكثر الأسلحة ارتباطاً بالغزو الامبراطوري البريطاني “وكيف أن هذا الرشاش الالي كان سببا رئيسا في ارتكاب ابشع المجازر من قبل الحملات الاستعمارية الاوربية بحق الشعوب المغلوبة على أمرها بين عامي 1886 و1914م “بحسب موقع المعرفة تماما كما تفعل أسلحتكم اليوم بالشعب الفلسطيني المحاصر .
أتذكر مجزرة (البصة )سنة 1938 خلال ثورة 1936 ـ 1939 هذه المذبحة التي ارتكبتها القوات البريطانية والتي أعقبت مقتل عدد من جنودها بلغم أرضي قرب القرية فقامت القوات البريطانية بإحراق القرية بأكملها واعتقال العشرات من ابنائها وترويعهم واطلاق النار على كل من حاول الفرار منهم ومن ثم رمي جثثهم على أطراف القرى بحسب شاهد العيان (آرثر لين)من (كتيبة مانشستر) في تصريحه للبي بي سي .
أتذكر (774) قرية ومدينة في فلسطين استولت عليها عصابات الاحتلال الصهيوني بعد انسحاب البريطانيين منها وتسليمها لهم يديا بيد ؟
أتذكر وعد بلفور المشؤوم الذي أعطاه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، عام 1917 للمصرفي اليهودي البريطاني البارون روتشيلد ، لإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين ، ما يحمل بريطانيا المسؤولية كاملة عن كل الجرائم التي ارتكبت وترتكب منذ ذلك الحين والى يومنا هذا .
أتذكر جرائم بريطانيا التي لا تسقط بالتقادم إبان احتلالها لكل من فلسطين بين عامي 1917 و1948 ، ومصر بين 1882- 1956 ، والعراق بين 1917- 1932، والسودان بين 1896 – 1956 .
وألفت عناية الجميع الى أن الأحداث المتسارعة قد أظهرت خللا خطيرا وكشفت جهلا مطبقا ، وجدبا معرفيا ، وتصحرا ثقافيا ، وجمودا فكريا ،وعقما معلوماتيا ولا سيما بين جيل الشباب ممن أفسدهم ” التيك توك”في زمن فيفي عبده، وبقية الراقصات والنسويات والفاشينيستات ، بشأن مجمل القضايا المصيرية ، وتأريخ الصراع العربي – الصهيوني، ولعل واحدة من أخطر الآفات التي نجحت الاحداث الى حد ما من وضع السبابة والإبهام عليها وتسليط الأضواء الكاشفة على بعض خفاياها ، هو ذلكم الخلط المذموم بين المفاهيم والمصطلحات حتى لدى شرائح المثقفين والنخب الاكاديمية والكتاب والاعلاميين اذ تبين للقاصي والداني بأن هناك الكثير من النخب وهي تعاني من عشو ليلي ، وعمى نهاري ، جعلها لاتفرق بين مسجد قبة الصخرة والمسجد الاقصى ، لا تفرق بين عرب 48 أو ما يعرف بفلسطين الحزام الأخضر ، وبين عرب الضفة الغربية وغزة ، بل وكثير منهم لايفرق بين قطاع غزة وبين مدينة غزة ، كثير منهم لايعلم شيئا عن خارطة فلسطين وكيف صار الكيان الصهيوني يسيطر على 75 % من الأراضي الفلسطينية إن لم يكن أكثر بوتيرة متصاعدة خلال فترة الصراع المرير منذ عام 1917 يوم دخل الجنرال الإنجليزي اللمبي على رأس القوات البريطانية الى القدس اثر هزيمة العثمانيين وانسحابهم من فلسطين وقال قولته المشهورة ابان الحرب العالمية الاولى ” اليوم انتهت الحروب الصليبية !” .
أجيال لاتكاد تعلم شيئا عن وعد بلفور 1917 ولاعن حرب 48 ، ولا عن العصابات الصهيونية الاجرامية ، ولا عن المجازر المتتابعة التي ارتكبتها طيلة فترة الصراع الدامي ولعل من ابرزها مجازر الطنطورة ، ودير ياسين ، وبحر البقر، وكفر قاسم ، وجنين ، واللد ، وغيرها الكثير ، وبالكاد تحتفظ الذاكرة الشبابية بمعلومات مشتتة وضئيلة جدا يكتنفها الكثير من الغموض عن معنى وتفاصيل ما يسمى بـ” صفقة القرن ” ومعنى مفهوم “حل الدولتين” ، ومحاولات هدم الاقصى المبارك تمهيدا لبناء هيكل سليمان المزعوم بدلا منه ، ومحاولات تهويد القدس ، وهزيمة 67 التي اضاعت الاقصى والقدس والضفة الغربية وسيناء والجولان وأسبابها فضلا على نتائجها ، عن بناء ومفهوم المستوطنات لإحداث التغيير الديمغرافي ،عن سياسة الفصل العنصري (الأبارتيد) التي يمارسها الصهاينة للتطهير العرقي ضد العرب والمسلمين هناك ، لاتعلم شيئا عن سياسة تجريف المزارع ، وحرق البساتين ، وهدم المنازل والمساجد ، ومصادرة الاراضي ، والاوقاف الاسلامية والمسيحية ، وحرق المخطوطات هناك مشفوعة بتغيير المعالم والاسماء التأريخية ، هي لاتعلم شيئا عن اصل اليهود الصهانية في فلسطين حاليا وجلهم من المهاجرين ،حتى اعتقد كثير من الشباب ومن جراء الدعايات الاعلامية المضللة والغزو الفكري والشعوبي والاستشراقي بأنهم يقيمون هاهنا منذ الاف السنين وأنهم من نسل اسحاق ويعقوب ، ومن اتباع موسى عليه السلام ، بل وأن اكثرهم لايفرق بين اليهودية كشريعة سماوية ، وبين الصهيونية كحركة عنصرية شوفينية مقيتة،ولابد من (اعادة قراءة الصراع العربي -الصهيوني وتعريف المفاهيم، وتوضيح المصطلحات وشرح الخرائط جيو سياسيا ) لشبابنا ممن سطَّح ثقافة أكثرهم – العالم الافتراضي -ومواقع التواصل ، والفضاء السيبراني ، ونجومه الآفلة . أودعناكم اغاتي