الاقصى ومساجد فلسطين أيقونة الثورات الخالدة ومناراتها

احمد الحاج

لم تكد تمر سوى أسابيع قليلة على حلول ذكريين خالدتين في العقل الجمعي للأمة،الأولى هي الذكرى الـ 94 لثورة البراق ولها علاقة وثيقة بذكرى المولد النبوي الشريف،والثانية هي الذكرى الـ 54 لإحراق المسجد الاقصى المبارك،وقد درج العرب والمسلمون على احيائهما سنويا،الأولى في الـ 15 من آب، والثانية في الـ 21 من الشهر نفسه وبرغم أن المناسبتين لهما علاقة وثيقة بالاقصى،الا أن أحدا لم يخطر له على بال بأن الاقصى سيكون على موعد مع طوفان يجرف أعداءه ويحمل اسمه “طوفان الاقصى” في شهر ربيع الأول، وبالتزامن مع ذكرى المولد النبوي الشريف 1445هـ ليشف صدور قوم مؤمنين، تماما كما حدث في ثورة البراق الكبرى، ما جعل الكيان الصهيوني الغاصب أضحوكة العالم كله،هذا الكيان المسخ الذي لم ولن يتوقف رعاعه،وشذاذ أفاقه،ومستوطنوه ، بأشكالهم البشعة، وبطاقياتهم الكريهة – الكيباه – وظفائرهم القبيحة ، وهيئاتهم الرثة التي تشمئز منها النفوس،عن اقتحام باحات أولى القبلتين،وثالث الحرمين،واستفزاز مشاعر أكثر من ملياري مسلم حول العالم مع سبق إصرار وترصد تمهيدا لبناء ما يسمى بالهيكل المزعوم حتى طفح الكيل ، ولم يعد في القوس منزع .
ولاغرابة في ذلك فهذا (ثيودور هرتزل) وفي مؤتمر الصهيونية الاول في مدينة (بازل ) السويسرية عام1897 قد أعلنها صراحة بالقول “إذا قدر لنا يوما أن نملك القدس وأنا على قيد الحياة فسوف أدمر كل ما هو غير مقدس عند اليهود” ولاشك أن المساجد والاثار والمعالم والاوقاف الاسلامية تأتي في مقدمة ما ينوي هرتزل وأتباعه من بعده مصادرتها وإحراقها وتدميرها وتدنيسها تباعا وهذا ما حدث مرارا وتكرارا ،ففي صبيحة الخميس 21 /آب 1969إندلعت النيران في المسجد الأقصى المبارك بعد أن أقدم الصهيوني الاسترالي دنيس مايكل روهان ،على إشعال النيران في المصلى القبلي ، لتقطع سلطات الاحتلال الماء عن المنطقة بالتزامن مع إندلاع الحريق، فيما منعت فرق الإطفاء من الوصول لإخماد النيران لتأتي النيران على ثلث مساحة الاقصى ،ولاشك أن سجل جرائم دويلة الاحتلال الغاشم بحق الاوقاف والمساجد الاسلامية طويل ومرير ولم يطل الاقصى فحسب ، وإنما جل مساجد فلسطين فيما تسعى سلطات الاحتلال للسيطرة على المسجد الإبراهيمي منذ العام 1994 وقد ارتكب أحد مستوطنيها ويدعى باروخ غولدشتاين، مجزرة مروعة فجر الجمعة في الخامس عشر من رمضان داخل المسجد الإبراهيمي حين أطلق النيران على المصلين أثناء الصلاة ليقتل 29 شخصا ويجرح 150 آخرين ،وتماما كما فعلت مع حريق الاقصى فإن قوات الاحتلال المجرم وبدلا من التدخل واذا بها تغلق أبواب المسجد الابراهيمي للحيلولة من دون نقل الجرحى أو تلقيهم أي دعم من خارج المسجد ، بينما اطلقت النيران على المشيعين الغاضبين وقتلت 21 شخصا منهم ، كيف لا وشعار الصهاينة المعلن والمبطن (العربي الجيد، هو العربي الميت) وهذا ما كتبه المستوطنون الصهاينة على جدران العديد من المساجد ليشرع الصهاينة بعدها بتقسيم المسجد زمانياً ومكانياً بين اليهود والمسلمين مع مواصلة الحفريات في محيط المسجد وأسفله وفقا لوزير الاوقاف الفلسطيني حاتم البكري، وقد أصدر بنيامين نتنياهو أوامر تقضي بضم كل من الحرم الإبراهيمي في الخليل ، ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم الى قائمة التراث اليهودي !!
كيان الاحتلال يبغض المساجد ويناصبها العداء ويتحين الفرص لتدنيسها أو هدمها أو مصادرتها أو تعطيلها لأنه يعلم يقينا بأن نهايته الحتمية لن تكون الا على يد عمار المساجد، وأهل المساجد، والمعلقة قلوبهم بالمساجد ، والغادين والرائحين الى المساجد،والذاكرين الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم في المساجد، وليس على يد أحد سواهم قط ،وتأسيسا على ذلك وفي الـ 11 من تموزعام 1948 الموافق للخامس من رمضان / 1367هـ ، ارتكبت العصابات الصهيونية وبأوامر عليا من “بن غوريون” مذبحة اللد وقد بدأت المذبحة بقصف جوي ومدفعي عنيف على مدينتي اللد والرملة، أعقبها اقتحام وحدة من الكوماندوز بقيادة “موشيه ديان” وعصابات” البالماخ ” ضمن عملية “داني” العسكرية لاحتلال المدن العربية الواقعة بين يافا والقدس، وتم إعدام معظم رجال المدينة لتنتهي المذبحة بـ 426 شهيدا،بينهم (176) قتلوا داخل (مسجد دهمش)، ليستمر العداء السافر للمساجد ولروادها وأوقافها حيث دمر الكيان المسخ 120 مسجداً في الجليل والمثلث والساحل والنقب فيما طمس معالم المقابر الاسلامية بحسب رئيس بلدية أم الفحم ، ليشهد العام 2010 وحده 18 اعتداء على مساجد سبقها 14 اعتداء عام 2009 ، تطاول خلالها المستوطنون على حضرة النبي الاكرم صلى الله عليه وسلم بكتابات وشعارات خطوها على جدران المساجد، ومن مجموع 1200 مسجد في مناطق (48) لم يتبق منها الا القليل لتقام منازل مستوطنة (روش بيناه) من حجارة سرقت بأكملها من مساجد عطلت بالقوة شمالي الكيان ، أما المسجد العمري فمغلق بأمر من سلطات الاحتلال ، كذلك الحال مع المسجد الكبير في بئر السبع ، بينما أضرمت النيران بالعديد من المساجد وأبرزها مسجد النور ، ومسجد النورين ، ومسجد الأنبياء ، ومسجد علي بن أبي طالب ، ليشيد فندق هيلتون تل أبيب على أنقاض مقبرة إسلامية ،كذلك فندق بلازا الكبير والشارع الرئيس قد شيدا فوق مقبرة تضم رفات عدد كبير من الصحابة ، بينما طمست معظم الاثار الاسلامية وصودرت وقفياتها وفقا لخطيب الاقصى عكرمة صبري،أما مسجد الخالصة فتحول الى محكمة يهودية ، والمسجد الأحمر الى مرقص، ومسجد قيسارية الى خمارة ،ومسجد السكك الى ناد ليلي ، أما مسجد البر والاحسان فقد احرقه المستوطنون عام 2021 وفقا للاندنبدنت.
وكما أن عملية ” طوفان الاقصى ” قد انطلقت بعد تدنيس الصهاينة للمسجد الاقصى ، بالتزامن مع التضييق على المصلين ومنعهم من الصلاة في الحرم الابراهيمي ، فكذلك كان الحال في ايلول / 2000 حين اندلعت انتفاضة الحجارة الثانية بعد تدنيس رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون ، باحة المسجد الأقصى الشريف برفقة كلابه من حرسه الخاص ، وكانت الشرارة الاولى اضافة الى استشهاد الطفل محمد الدرة، والتي أشعلت إنتفاضة الحجارة الثانية لتستمر حتى عام 2005 ولم تتوقف الا بعد اتفاق شرم الشيخ لتنتهي الانتفاضة الثانية باستشهاد 4412 فلسطينيًا، واصابة 48322 آخرين،أما الصهاينة فكانت خسائرهم 1069 قتيلا و4500 جريح، فيما لم تتوقف عمليات إعتقال الناشطين، وقمع المحتجين، ورفض الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ، ومواصلة الاعتداءات على الاقصى ، وتجريف الاراضي الفلسطينية ومصادرتها ، والمضي قدما في بناء المستوطنات، ومنع عودة اللاجئين ، واتباع سياسة التمييز العنصري “الأبارتايد ” وعرقلة جهود ما يسمى بحل الدولتين -على هزالتها – وبما ينذر بمزيد من المواجهات المستقبلية ولاسيما في قطاع غزة مع محاولات القادة الصهاينة زج الانتخابات ودعاياتها في كل الجرائم والمجازر والاعتداءات التي يرتكبونها فهكذا فعلها النتن جدا ياهو، مع العملية التي أطلقوا عليها اسم “حارس الاسوار”، وهكذا فعلها رئيس الوزراء بالوكالة يائير لبيد، في عملية اطلقوا عليها ” الفجر الصادق” حتى جاء ” طوفان الاقصى ” فقلب عالي الأمور سافلها في السابع من تشرين الأول / 2023 .
فما أن أعطى من لايملك لمن لا يستحق وعدا بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين في تشرين الثاني / 1917 حتى بدأ شذاذ الافاق الصهاينة يتوافدون تباعا على فلسطين العربية بإعتبارها أرض الميعاد ، الارض التي تفيض عسلا ، أرض بلا شعب ، لشعب بلا أرض كما يهرفون بما لايعرفون ، وعد قطعه آنذاك وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، الى أحد زعماء اليهود البارون روتشيلد، فكانت بداية حروب وأزمات الشرق الأوسط برمتها وفقا للبي بي سي ، وما إن وطأت أقدام الصهاينة أرض فلسطين حتى بدأوا يطالبون بضم حائط البراق زاعمين بأنه جزء من هيكل سليمان ، مطلقين عليه اسم ” حائط المبكى” وقد إعتاد الصهاينة على البكاء عند الحائط لإعتقادهم بأن عبادتهم ناقصة ومرفوضة من غير إعادة بناء الهيكل المزعوم مشفوعة بوضع وريقات عبارة عن دعوات يتوسلون فيها الرب للتعجيل ببناء الهيكل على أنقاض المسجد الاقصى ،مع أن اليهود لم يظهروا في الماضي أي اهتمام بذلك الجزء من الحائط وفقا لكتاب (القدس ..مدينة واحدة عقائد ثلاث ) لمؤلفته كارين آرمسترونج ، وحائط البراق هو معراج النبي الاكرم محمد ﷺ الا أن الصهاينة الوافدين ظلوا يعلقون الأستار والإنارة على الحائط في عيد الكيبور أو يوم الغفران أو سبت الأسبات حتى ثارت ثائرة العرب بعد كم من الاحتجاجات الحاشدة والشكاوى المتتالية لتشعل حادثة مقتل إمام مسجد ( أبو كبير ) الشيخ عبد الغني أبو عون والتمثيل بجثته وبجثث زوجته وأولاده وأولاد أخيه على يد العصابات الصهيونية ،فتيل الثورة التي سميت بـ” ثورة البراق ” وكانت شرارتها الأولى قد إندلعت في الرابع عشر/ من آب / عام 1929 بعدما تعالت هتافات الصهاينة رافعين العلم الصهيوني وهم في طريقهم لإقتحام الاقصى يرددون “الحائط حائطنا” وقد توافقت الاحداث في ذلك العام مع الاحتفالات بذكرى المولد النبوي الشريف ، وهم ينشدون “الهاتكفاه ” بنسخته الاصلية للشاعر اليهودي النمساوي من أصول أوكرانية نفتالي هرتس أمبر، والذي قضى بإدمان الكحول عام 1909 ، ومن ألحان الشاعر اليهودي المولدافي صموئيل كوهين ، ليستعر أوار الثورة في 15/ اب / 1929 وطيلة الايام التي تلتها ما أسفر عن إرتقاء 116 شهيدا فلسطينيا ، وإصابة 232 بجروح مختلفة مقابل مصرع 133صهيونيا وجرح 339 آخرين، بينما اعتقلت قوات الاحتلال البريطاني 26 فلسطينيا كان ذنبهم الوحيد هو دفاعهم عن حائط البراق ، فيما أعدمت ثلاثة منهم في حزيران / 1930 وهم كل من محمد جمجوم ، وفؤاد حجازي ، وعطا الزير ، وقد جاء من ضمن ماجاء في وصية كتبوها قبيل تنفيذ الحكم بهم ” ولنا في آخر حياتنا رجاء إلى ملوك وأمراء العرب والمسلمين في أنحاء المعمورة ألا يثقوا بالأجانب وسياستهم وليعلموا ما قاله الشاعر بهذا المعنى (ويروغ منك كما يروغ الثعلب)”، وهكذا يظل الاذان ، و المسجد الاقصى ، والمساجد العامرة بأهلها وعمارها شوكة في عيونهم، وغصة في صدورهم، ولله در الخطاط والمؤرخ والشاعر وليد الاعظمي القائل :
إيـه فلسطين للتاريخ دورته ..ولـلـحـوادث إيراد وإصدار
نمنا زماناً وكان الخصم منتبهاً …مـن نام خاب ولم تسعفه أقدار

اودعناكم اغاتي