في ضوء تطورات الربيع العربي , وفوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية التي جرت في كل من تونس ومصر , وصعود الحركات الإسلامية وبروز خطابهم وشخصياتهم , كل هذه التحولات النوعية المتسارعة , تثير الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام , التي تطال جوهر حركة الربيع العربي على ضوء تطورات الربيع العربي , وفوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية التي جرت في كل من تونس ومصر , وصعود الحركات الإسلامية وبروز خطابهم وشخصياتهم , كل هذه التحولات النوعية المتسارعة , تثير الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام , التي تطال جوهر حركة الربيع العربي , وهل سيقود تصدر الحركة الإسلامية المشهد السياسي في دول الربيع العربي , إلى تحولات فكرية وسياسية على ضوء هذا الفوز المتوقع الذي حققه الإسلاميون في أكثر من مناسبة وبلد عربي .وقبل قراءة هذه التحولات , من الضروري القول : أن التعامل الإقصائي مع الحركات االسياسي وتبني سياسات وخيارات النبذ والصدام يضر بالأمن والاستقرار ولا يفضي إلى نتائج إيجابية بل على العكس من ذلك يقود إلى متواليات وتأثيرات سلبية على مختلف الصعد والمستويات . لذلك فإننا نعتقد وبشكل جازم أن التعامل الإيجابي والاستيعابي مع ظاهرة الإسلام السياسي هو أسلم الحلول وأضمنها تأثيرا على الأمن والاستقرار القوميين . وإننا نعتقد أن دخول الحركة الإسلامية في المشهد السياسي من موقع المشاركة في السلطة والحكم وتحملها مسؤولياتها على هذا الصعيد هو أفضل الحلول لتجاوز أزمة السلطة والمعارضة معا في الواقع العربي . لهذا فإننا نعتقد وانطلاقا من طبيعة المتغيرات الإستراتيجية والسياسية التي سيحدثها موضوع وصول الإسلام السياسي إلى السلطة واحكم في دول الربيع العربي إلى ضرورة أن تعاود كل الحكومات العربية والإسلامية من سياساتها وخياراتها تجاه ظاهرة الإسلام السياسي. فهذه الظاهرة تمتلك من الفعالية والدينامية التي تجعل من سيوثقافياار والنبذ مضرة لكل الأطراف في المشهد السياسي العربي . وإننا نرى أن الخيار السياسي السليم الذي يجعل الدول العربية تستفيد من فعاليات هذه الظاهرة وتفاعلها المستديم مع المجتمع عبر أنشطة ومؤسسات مختلفة لتعزيز خيار الأمن والاستقرار في المنطقة . فالاستقرار السياسي وصيانة الأمن القومي بحاجة إلى رؤية سياسة جديدة في التعامل مع ظاهرة الإسلام السياسي . وقوام هذه الرؤية هو العمل على استيعاب هذه الظاهرة سياسيا وثقافيا والعمل على مد الجسور بين هذه الظاهرة وبقية مكونات المجتمع العربي. فسياسات القمع والحصار تزيد من فرالعربيذه الظاهرة في المجتمعات العربية كما أنها تضر بشكل عميق بمتطلبات الأمن والاستقرار. لذلك ومن أجل تعزيز الأمن القومي العربي وتجاوز العديد من المشاكل والأزمات فإننا أحوج ما نكون اليوم إلى صياغة رؤية وبناء تصور متكامل من أجل تعامل إيجابي وسياسي واستيعابي مع ظاهرة الإسلام السياسي في كل البلدان العربية والإسلامية . وانطلاقا من هذا الحدث السياسي الهام والنوعي والإسلاميةى المزيد من القراءات المتعمقة حوله وذلك من أجل معرفة ميكانيزمات الفعل المجتمعي وما هي الدروس والعبر التي نستفيدها نحن في الفضاء العربي من هذا التحول السياسي الهام في الوضع العربي . ثمة داء مازال يستفحل ويتضخم في حياتنا العربية والإسلامية ويأخذ أبعادا متعددة ومتنوعة وهو داء الاختزالية . إذ إننا مهووسون جميعا باختزال حياتنا بثرائها المتعدد ضمن أطر ضيقة قد لا تتعدى في بعض الأحيان شخصا واحدا يمسك بجميع عناصر الحياة. ففي حياتنا الاجتماعية نختزل الأسرة كمؤسسة اجتماعية في شخص رب الأسرة وهو الرجل وكأن الأسرة مؤسسة ذكورية . وفي حياتنا الثقافحياتنا.رية يتضح داء الاختزال في دفع الساحة الثقافية والفكرية باعتبارها مجموعة من الرموز الفكرية فاختزلنا حياتنا الثقافية في أشخاص وفي المجال السياسي ألغينا من واقعنا كل فرص التعدد والتنوع ودفعنا الأمور نحو القسر والنفي واستخدام القوة الغاشمة لإنجاز الرؤية الأحادية التي ساهمت في تصحير المجال السياسي بكل مفرداته وعناصره .. وهكذا بقية جوانب حياتنا . حيث أن داء الاختزال يلتهم كل عناصر التنوع والإسلاميتوفرة في حياتنا العربية والإسلامية. ويبرز هذا الداء بشكل واضح في واقعنا العربي والإسلامي من غياب كل مظاهر المؤسسة والعمل المؤسسي في حقول حياتنا . ونظرة واحدة إلى الكثيالعربيةسسات العربية الجماعية ونكتشف هذه الحقيقة بسهولة. حيث أن أغلب مؤسساتنا العربية تعاني من مشكلات عديدة حولتها إلى جثث هامدة لا تستطيع الحراك والممارسة الإيجابية في مسيرة العمل العربي المشترك . فالاختزالية كنمط تفكير وسلوك وممارسة في أبعاد الحياة المختلفة تعد الداء العميق والمزمن الذي يعاني منه الواقع العربي إذ أن تجذر هذا الداء في العقلية العربية هو الذي يفشل الكثير من المشاريع ويحول العديد من الطموحات والتطلعات إلى أمنيات لا أمل حقيقي في تحقيقها في الواقع الخارجي . وإن احتكار المجال السياسي وممارسة أقسى أنواع وأشكال التهميش والإقصاء ضد حقائق المجتمع والتاريخ والسياسة يعد من الأسباب الجوهرية التي ساهمت وتساهم في خلق التوترات وتنمية البؤر المجتمعية التي تهدد الأمن بكل أشكاله وحقوله . لذلك فإننا نعتقد أن الخطوة الأولى في إطار مشروع إعادة صوغ نظرية للأمن القومي هو فتح المجال السياسي واسواه. من الحقوق العامة التي يستطيع كل مواطن أن ينشط فيه ويمارس مسئولياته في إطاره. وفتح المجال السياسي قوامه النظر إلى ميدان السياسة بوصفه مجالا عموميا للمجتمع لا ملكية خاصة لفريق دون سواه . وليس من شك في أن معنى السياسة هذا معنى حديث لا من حيث الزمن فحسب بل من حيث المضمون ونعني بهالرسميةيم الفكرية والأخلاقية التي يحملها ذلك أن اعتبار ميدان السياسة مجالا عاما يعيد تعريف معنى السياسة من الأساس من حيث هي ( حق عام ) . وغني عن البيان أنها حيث تكتسب هذا المعنى تتحول إلى ممارسة طبيعية يضمنها القانون وتحاط بالحماية الرسمية الأمر الذي ينجم عنه أن تأخذ سلطة الدولة نفسها محتوى مختلفا عن ذلك الذي تكتسبه في حالة السياسة الوحشية . وهذا بالذات ما يمنح شرعية إطلاق وصف المفهوم المدني للسياسة على هذا المفهوم . ( راجع الدولة والقوى الاجتماعية في الوطن العربي علاقات التفاعل والوالمجتمعيتورة ثناء فؤاد عبدالله – ص 299 ) .
وإن فسح المجال القانوني للحركات الإسلامية في ممارسة دورها السياسي والمجتمعي سيساهم في تطوير الممارسة السياسية العربية وذلك لقدرتها وإمكانيتها على إضافة حقائق نوعية في مسيرة السياسة العربية .
وهذا التطوير النوعي ياجتماعيةطيد أسباب الأمن القومي وسد الثغرات وإخراج العديد من الساحات العربية من دائرة التوتر والاحتقان. فالحركة الإسلامية قوة اجتماعية وكيان ثقافي وسياسي ذات تأثير عميق في مسارات الحياة العربية . وإن أي خيار سياسي أو سلطوي يستبعد هذه القوة من الحياة السياسية ويقصيها ويمنعها من ممارسة دورها السياسي والحضاري وفق القانون فإن هذا الخيار سيدخل العديد من بلدان العالم العربي في أتون المواجهات المفتوحة وسيعمق من أزمة الثقة المستفحلة بين السلطة والمجتمع وسيحول هذا الإقصاء دون تأسيس حياة سياسية عربية فعالة وذات جدوى . وكل هذا بطبيعة الحال يعد على المستوى الاستراتيجي والفعلي تهديدا مباشرا إلى الأمن القومي العربي . وذلك لأن إقصاء الحركة الإسلامية من الميدان القانوني والسياسي سيفضي إلى انفصال قطاع اجتماعي واسع عن السلطة وستبقى خياراتها مناقضة لخيارات المجتمع وستنمو من جراء ذلك تعبيرات وحقائق لا تخدم متطلبات الأمن العربي بكل حقوله ومستوياته..