لا جديد البتَّة في أحدث بيان لمحافظ بغداد علي التميمي، على أهميته، فهو يُعلن المُعلن، ويكشف عما مكشوف عنه، ويعرّف بالمعروف، ويقول المُقال، ويُثبت الثابت، ويؤكد المؤكد.
في البيان عزا السيد التميمي الفضيحة الجديدة القديمة( كم فضيحة وفضيحة مُدونة في سجلات دولتنا وتلاحق طاقم كبار المسؤولين فيها!) الى ما وصفه بفساد وتقصير بعض المسؤولين .. قال ان ” تقصير وفساد بعض المسؤولين وراء غرق بغداد خلال العام الحالي كما غرقت في العام الماضي” (السومرية نيوز)، ( تريحني كلمة”بعض”، فهي تعزز فيّ الأمل بان بعضاً آخر من الموظفين ، أرجو ان يكونوا الأغلبية، ما زالوا شرفاء، غير فاسدين وغير مقصرين).
المال السائب يعلّم السرقة ، كما نعرف، ومليارات نفطنا كلها تقريباً سائبة، وما أكثر سرّاقها وما أشطنهم، فلا يتبقى منها شيء لمنظومة الصرف الصحي ولا لمشاريع الماء أو الكهرباء أو الصحة أو التعليم أو الزراعة أو الصناعة أو الإعمار والإسكان أو سواها. .. كل هذه القطاعات تعاني من حال “الغرق” في الفساد والتقصير والإهمال، مثلما غرقت شوارع بغداد وسائر المدن وساحاتها وأحياؤها ودرابينها مع أول مطرة هذا العام والعام الماضي، وكما ستغرق في العام المقبل أيضاً. والى العام المقبل كذلك ستُرحّل الفضيحة الأخرى التي تحدث عنها المحافظ التميمي في بيانه بقوله “عدد كبير من المواطنين الذين تضرروا جراء مياه الأمطار في العام الماضي لم يحصلوا على أي تعويض” !
مكتبي يقع بين شارعي السعدون وأبي نؤاس، وعلى مدى سنتين كنت أشهد كل يوم تقريباً أعمال إعادة تأهيل الشارعين وتطويرهما .. جرت عمليات حفر وردم في كل من الشارعين بدل المرة الواحدة ثلاث أو أربع مرات .. أتساءل الآن، كغيري، بحرقة: ماذا كان يفعل مئات العمال إذاً؟ مبعث السؤال ان أجزاءً عدة من الشارعين تغرق في كل مرة يهطل المطر ثقيلاً أو متوسط الشدة.
أتساءل، كغيري، بحرقة أيضاً: هل كان العمال يؤدون تمثيلية أمامنا؟ لماذا يجري الحفر والردم مرتين وثلاثا ورباعاً؟ ولماذا لم يكن بين مشاريع الحفر والردم المتعددة مشروع صرف صحي (مجارٍ)؟
بيان محافظ بغداد تضمن أيضاً لوماً لبعض مدراء البلدية في بغداد قال انهم لم ينزلوا الى الشارع ولم يحضروا الى المواقع الغارقة.. لكن هل العيب الحقيقي في هؤلاء المدراء الذين ربما تعيّنوا في مواقعهم لا لكفاءتهم وخبرتهم وإنما لأنهم من هذا الحزب أو تلك المنظمة او ذلك الكيان الذي تقاسم غنائم الوظائف مع الآخرين من أمثاله؟ أم العيب في المنظومة السياسية التي تسمح بفرض الشخص غير المناسب في المكان المناسب لغيره وليس له، وتجعل من ملياراتنا مالاً سائباً يعلّم السرقة ويحثّ على الفساد ويُغري بانتهاك حقوق الناس؟.