د.فالح الحجية:

 أي شاعر قد يحس او يشعر حالة انحباس نفسية وهو في لحظة من لحظات الهامه فهي – في الاغلب – متأتية اليه من حالتين: الاولى لحظة احتباس الذات او النفس واندغامها في صوت الجماعة فتتراكم عليه الهامات مختلفة وتعابير متمايزة فيتحير من ايها ياخذ او بأيها ينجز فكرته فيستقي عواطفه بحيث ياتي شعره معبرا عما يخالجه في اعماقه وبالاقرب الى نفسه فياتي شعره معبرا عما في نفس المتلقي ويزيد الأمر حدة أن المتلقي ربما يتعامل مع الشاعر وكأنه حادي الركب حيث يشعر بما في مداخل نفسه- اي نفس المتلقي – من لواعج وعواطف وما تميل اليه ذاته ويشعر بعبارات الشاعر كانها منبعثة من اعماقه وافكاره فيرددها على لسانه وفي نفسه ومعها في حرارة وحرقة متمثلا بها وكانه الشاعر ذاته .

وقد يلاحظ المتلقي أن فكرة اللجوء لترديد شعر الشاعر والتغني به بحد ذاتها تغري الجميع بالنشيد أو التغني بها . وعلى هذا فلا يمكن أن يكون الموضوع أساساً لحكم القيمة الشعرية وفنيّتها ولا يسع المتلقي إلا الانحناء بالتحية للمعاناة الإنسانية المتأ تية من تفاعل الشاعر مع نفسيته خلال ولادة القصيدة .

والثانية : لحظة شعورية الشاعر بذاته ولنفسه فقط فياتي شعره ذاتيا معبرا عن ( الانا) لديه وهذه الحالة ربما تكون في ذات الشاعر عندما يجبر على قول الشعر في موضوع معين او يفرض عليه موضوعا او خصوصية نفسه .فياتي بشعر قد يكون منكوصا لا تحس بانبعاث حرارته من قلبه . وفي هذه الحالة قد توجد ومضات مشرقة مضيئة في حالة كون الموضوع المعني في القصيدة موضوعا عاما او هاما يهم بعض من المتلقين فتاتي قصيد ته معبرة عنهم ايضا . و يمكن ايجاد نواظم مشتركة شغلت الشعراء الذين كتبوا في ضوء انبعاث الشعر وفكرة الاندلاع وتصوير لحظة الحدث ، ومعاناة الشاعر ممزوجة بمرارة ما يحس به وتاثيره في نفسيته قد تكون كافية لتجعل التعامل معه شاعراً صادق العواطف والانفعالا ت وهناك أشكال من التعابير المختلفة التي تجعل لكل شاعر خصوصيته. وربما اهتدى الشاعر إلى القصيدة الدرامية او الموضوع الدرامي في القصيدة في فترة ما وهو الاغلب في الشعرالعربي حيث يجعل من المسيرة الأليمة والحدث الدرامي مادة لتطور الشخصية في القصيدة. وقد يميل او يهتدى إلى أشكال مختلفة مغايرة تميزت فيها كهرباء الغضب وشحنة التوتر عنده . وهذا لا يعني أن القصيدة الدرامية المشحونة بالغضب والتوتر مقصورة على شاعر دون شاعر بل ربما تكون في قصيدة دون غيرها . وعلى العموم فالخصوصية تنبعث من الهام الشاعر وتعبيره والصيغ التي يتبعها في قصيده بحيث تكون شخصيته متميزة عن الاخرين ومعروفة وخاصة لدي النقاد والمتذوقين للشعر ومن خلال المدار الشعري الذي ينشد فيه . ان بعض الشعراء المعاصرين قد استفادوا من العناصر الدرامية في خلق شخصية غنية معقدة، فاتجهوا الى التراث بأنواعه للتعبير عن تجارب معاصرة، وهذا يؤكد اصالة القصيدة المتكاملة، وتكتشف ان الشخصيات الدرامية التي ابتدعها هؤلاء الشعراء ذات خلفيات مختلفة فبعضها من الماضي والآخر من الحاضر وبعضها من الدين او الادب او الواقع الاجتماعي وبعض هذه الشخصيات ذات منبت اجتماعي طبقي او ذات مهن اجتماعية وضيعة ا و ذات هموم معيشية متدنية . وهذا ما يثبت ارتباط القصيدة المتكاملة وقائلها بواقعها الاجتماعي. فتبرز شخصية الشاعر من خلال ما ينتج من شعر وخصوصيته.