بعد سقوط هيكل نظام صدام حسين والبعث وتهاوي سلطة الاستبداد الفكري والإعلامي، تصور الكثير منا إن مرحلة جديدة من حرية التعبير عن الرأي وممارسة الإعلام الحر المراقب لحركة السلطة والمجتمع، بما يعزز القيم العليا للمجتمعات المدنية الراقية واحترام حقوق الإنسان والمهنية  الإعلامية والسياسية، متناسين إن حقبا من التخلف والتربية الخطأ وعقود من الدكتاتورية وثقافة الشيخ والأغا وسلطة الكثير من رجال الدين غير المرئية المرسلة عبر المنابر أو الإرهاب الاجتماعي القائم على التخلف وانعدام الوعي والأمية الأبجدية والحضارية، ستنتج أجيالا حاملة لموروثات جينية دكتاتورية دعائية كما كانت أسلافها في الحقب الماضية.

 

     وليس هناك أفضل من النموذج المالكي للدعاية التي تستخدمها وسائله سواء المرئية أو المسموعة أو الالكترونية وبسذاجة مثيرة للسخرية، حيث تتناقل في ما بينها خبرا عن اكبر ملعب كرة قدم أنجزته حكومة إقليم كوردستان التي تحاصرها حكومة بغداد التي يقودها المالكي من وراء الكواليس، إن إسرائيل قامت ببناء ذلك الملعب، وفي جهة أخرى تنشر شبكة فيس بوك المالكي التي يتم تمويلها من خزينة العراق، إن الرئيس الكوردستاني أصيب بجلطة دماغية أدت إلى نقله إلى المستشفى (!) في واحدة من أسخف أنواع الدعايات الساذجة لتمويه الرأي العام الذي تشتغل عليه، وهو الآخر لا يقل سذاجة وسطحية من المؤثرين عليه، فهو أساسا مغيب بالكامل عن الواقعية ويعيش في خزعبلات وخرافات سقيمة من قبيل أن الكورد قبيلة من الجن!؟

 

     بالله عليكم أي إعلام هذا وأي جهاز دعائي يعبث بهؤلاء السذج ويقودهم إلى هاوية التفكير السطحي الأكثر ملعونية من أجهزة دعاية حزب البعث، بحيث يشيع بين الناس إن شعبا عريقا صاحب اكبر وأطول ثورة في التاريخ المعاصر هو من أبناء الجن؟ وإنهم أكثر عداوة من اليهود للعرب وللمسلمين متناسين إن احد أبنائهم حرر القدس وان آلافا مؤلفة من شبابهم ضحوا بحياتهم من اجل فلسطين، وإنهم نجحوا في تحويل إقليمهم إلى جزيرة للأمن والسلام والازدهار في بحر من الخراب والإرهاب والدمار.

 

     أجهزة دعاية لا تمت بالإعلام بأي صلة لأنها لا تدرك سر هذه المهنة وأصولها، ومراقبة سريعة لوسائلهم الدعائية في التلفزيون أو شبكات التواصل الاجتماعي أو صحفهم الورقية والالكترونية ستظهر لنا بشاعة توجهاتهم وبدائيتهم وسذاجة ما يروجونه من دعايات وأكاذيب مفضوحة وطوفان من الشتائم والبذاءة والأخبار المفبركة، حتى يظن المرء انه أمام مسابقة لكذابي العصر، بل إن الذاكرة تعيدنا للأيام الأولى لماكينة دعاية البعث حينما استباحوا العراق وكل ما على أرضه، فكانت ضيعة لأولئك المنحرفين والمتخلفين الذين يحصد ورثتهم في بطانة المالكي ما زرعوه من قيم وتقاليد بالية أخذت البلاد إلى ما نشهده اليوم وكما وصفها أبوهم الروحي وعرابهم صدام حسين بحفنة من تراب.

 

     فعلا لقد سقط هيكل نظام صدام حسين وحزب البعث، لكن ثقافته وأساليبه وماكينة دعايته لم تسقط، بل ما تزال تمارس دورها الذي نراه ونسمعه من خلال أداء ودعايات هذه الأجهزة المولعة بكراسي الحكم وتسطيح الرأي واستغفال الأهالي وتصنيع أعداء مفترضين لإدامة حكمهم وشرعيتهم في واحدة من أبشع ما عايشه العراقيون من دمار وتقهقر هائل في كل مناحي الحياة، فينما ينهض فرسان الشمس في كوردستان لافتتاح اكبر ملعب كرة قدم في كوردستان والعراق بمواصفات عالمية يغوص النازيون الجدد في بحور ظلامهم وأحقادهم وتخلفهم ودعاياتهم السوداء.