الأمر سيّان والنتيجة واحدة، وهي نتيجة مخزية لدولتنا برمتها ولنظامنا السياسي بأكمله.. نتيجة تصم بالعار ليس فقط المسؤولين المباشرين عن سجن معسكر العدالة في الكاظمية (بغداد) الذي هربت منه أمس مجموعة أخرى من السجناء، وإنما أيضاً مسؤولوهم الأعلون، وزير الداخلية ووزير العدل ورئيس مجلس الوزراء.
مسلسل طويل جديد من الاتهامات والاتهامات المتبادلة ومن التنصل من المسؤولية والقائها على الغير، سنشهده هذه الأيام والأيام المقبلة حتى تُدفع القضية الى النسيان من دون مساءلة أو محاسبة، كما حصل في كل المرات السابقة التي لم يكلف أحد من مسؤولي دولتنا وحكومتنا نفسه ليخبرنا ما الذي حصل وكيف حصل الذي حصل ومن المسؤول عما حصل في الهروبات الكبيرة السابقة للسجناء والمعتقلين من أخطر الارهابيين.
هذه المرة أيضاً سيعمدون الى التشويش علينا وتضييعنا بين مسؤولية وزارة العدل المكلفة إدارة السجون وبين مسؤولية وزارة الداخلية التي قال المتحدث باسم وزارة العدل امس ان هذه الوزارة (الداخلية) وليست وزارته هي المسؤولة  عن عملية الهروب أمس،  فـالسجناء الفارون إنما هربوا “من استخبارات اللواء الثامن شرطة اتحادية وهو من المواقف التابعة للداخلية ولا علاقة لوزارتنا بالموضوع”!
مهما حاول مسؤولو كلّ من الوزارتين التحلل من المسؤولية ورميها على بعضهم البعض، فإننا، كما كل الناس، نعرف بالتحديد وبالتفاصيل المملة هويات المسؤولين عن هذا الفرار وكل عمليات الفرار السابقة، بما فيها تلك التي تمكّن فيها عتاة الإرهابيين من مغادرة سجونهم براحة وهدوء والعودة الى ممارسة أعمال الإرهاب.. نعرف ان المسؤولين هم الفاسدون من كبار المسؤولين في وزارات العدل والداخلية والدفاع وسواها من الوزارات والأجهزة المشبعة بالفساد المالي والإداري .. وهؤلاء جزء من منظومة متكاملة تربط مختلف أجهزة دولتنا بعضها بالبعض بشبكة كبيرة محكمة البناء .. ولا استثناء من هذه الأجهزة، فالفاسدون المتواطئون مع المنظمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة موجودون في الحكومة كما في البرلمان وكما في القضاء، وهم يديرون هذا “البزنس” بأرصدة قيمة بعضها ملايين الدولارات.
ما حدث في سجن معسكر العدالة أمس لا يمكن عزوه الى الإهمال والتسيب والتواكل والتقصير .. انه فعل متعمد عن سابق تصميم وإصرار، وهو فعل متمم لعشرات الأفعال المماثلة التي وقعت في السنوات الاخيرة، وألقي بتفاصيلها في غياهب النسيان عن سابق تصميم وتعمد.
هذه مشكلة ستظل قائمة الى حين، ولا يمكن حلّها لا بمعاقبة ضباط السجون ولا بإقالة أو استقالة وزير العدل أو وزير الداخلية مثلاً أو حتى رئيس الحكومة .. لا حلّ لها إلا بإعصار يكتسح نظام المحاصصة الطائفية الذي جعل من حثالات وجهلة ونصابين ومزورين وحرامية وقتلة وأفراد عصابات وزراء ومدراء وضباطاً آمرين، دينهم دنانيرهم كما يقال.