مراوغة الثعلب الإيراني مكلفة جدا

علي الكاش

قال الرّاضي بنُ المُعَتمدِ:‏
مَن يُوقدِ النَّارَ لَا ينكر حَرَارتَهَا … قَد تُحرقُ النَّارُ يومًا مُوقدَ النَّارِ

ما تزال لعبة شٌد الحبل بين الولايات المتحدة الامريكية والنظام الايراني مستمرة، وما تزال نفس ‏اللعبة مستمرة بين النظام الايراني ومنظمة الطاقة الدولية. مع ان التطورات الأخيرة في العلاقة ‏الثلاثية المتشابكة شهدت حلحلة جزئية وليست كلية للمشكلة، فالنظام الأيراني مستمر في تخصيب ‏اليورانيوم الى مستويات تعادل عشر أضاف ما تسمح به منظمة الطاقة، وهو لا يعِر المنظمة إذنا ‏صاغية، بل يكاد ان لا يعترف بها بعد أن أوقف كاميرات المراقبة الدولية في منشئاته النووية عن ‏العمل.‏
‏ تتجلى التطورات في ثلاثة إتجاهات:‏
الأول: تصريح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن في 10/6/2021 بأن الخطوات التي ‏اتخذتها إيران ستؤدي إلى نتائج عكسية وستزيد من تعقيد جهود العودة إلى التنفيذ الكامل لخطة ‏العمل الشاملة المشتركة‎.‎‏ وان الأغلبية الساحقة في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ‏الإعراب عن دعمنا لمهمة الوكالة الأساسية المتمثلة في حماية المواد النووية لمنع الانتشار النووي. ‏وأضاف ” لسوء الحظ لم يكن رد إيران الأولي على إجراء المجلس هو معالجة الافتقار إلى التعاون ‏والشفافية الذي أدى إلى تقرير سلبي من المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومثل هذا القلق ‏الشديد في مجلس الإدارة. ولكن بدلاً من ذلك التهديد بمزيد من الاستفزازات النووية والمزيد من ‏التراجع في مجال الشفافية”. وأكد بلينكن ان هذه الخطوات ستؤدي إلى نتائج عكسية وستزيد من ‏تعقيد جهودنا للعودة إلى التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة. والنتيجة الوحيدة لمسار ‏كهذا ستكون أزمة نووية متفاقمة ومزيد من العزلة الاقتصادية والسياسية لإيران. ‏
مع ان هذه العزلة التي يزعمها بلينكن مستمرة منذ عدة سنوات ولم تردع النظام الايراني عن ‏تطوير برنامجها النووي، ونفس القول ينطبق على الحصار، فإيران تضخ النفط الى الصبن والهند ‏ودول أخرى على مرأى من الإدارة الامريكية، والدليل هو قول بلينكن ” في غياب أي صفقة فإن ‏الولايات المتحدة ستواصل استخدام سلطات العقوبات للحد من صادرات النفط والمنتجات البترولية ‏والبتروكيماوية من إيران”. وتحقق إيران إيرادات كبيرة من تصدير النفط، تستخدم جزءا كبيرا ‏منها لتمويل برنامجها النووي وتطوير الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية ودعم الميليشيات ‏الولائية في المنطقة. ‏
الثاني: تبنى مجلس محافظي الطاقة الذرية مشروعا جديدا (امريكي ـ اوربي)، يضم المانيا، فرنسا، ‏بريطانيا يدين سلوك ايران النووي، واعتبر إن النظام الإيراني قد تقاعس في تقديم تفسيرات ‏لآثار اليورانيوم في مواقع لم يعلن عنها سابقا، مما يفقد مصداقية النظام، وطالب البيان ايران ‏بالتعاون التام مع منظمة الطاقة وتقديم تفسيرات واضحة عن ملفها النووي سيما المواقع النووية ‏الثلاثة المشكوك بأمرها، وتقديم الضمانات الكافية بشأن ما يجري فيها. ‏
لا أحد يجهل ان الإدانة والقلق العميق تجاه مسائل استراتيجية تتعلق بالسلم والأمن الدوليين عبارة ‏عن وسائل غير فعالة للحد من تهور الدول وخروجها عن الشرعية الدولية، بل ان الكثير من ‏القرارات الدولية الملزمة والصادرة عن مجلس الأمن لا تلتزم بها بعض الدول، واسرائيل نموذج ‏حي على ذلك، فقد صدرت عشرات القرارات من الأمم المتحدة ومجلس الأمن حول إنتهاكات ‏اسرائيل لحقوق شعبنا الفلسطيني وبناء المستوطنات، ولكن كما يقال في المثل ” إذن من طين وإذن ‏من عجين”.‏
بلا أدنى شك ان ايران تعيش في أزمة إقتصادية، وبعض جوانب الأزمة مفتعلة من قبل النظام نفسه ‏على الرغم من ان الشعب الايراني ينحمل تبعاتها الباهضة، فالنفقات العسكرية والنووية ودعم ‏الميليشيات الولائية خارج ايران (العراق، سوريا، لبنان، اليمن، غزة) تستهلك معظم موارد الخزينة ‏مقابل إفقار الشعب الايراني وتجويعه وحرمانه من الحياة الكريمة، فهو يعاني الأمرين، ‏والتظاهرات الشعبية المستمرة في جميع أنحاء إيران شاهد حي على الرفض الشعبي لسياسة النظام ‏القمعي الحاكم. ‏
وهذا ما عبر عنه مسؤول اسرائيلي بقول في غاية الأهمية، ربما لم ينتبه له البعض، سيما مراجع ‏ايران بسبب ضغط العمامات على عقولهم المتكلسة” نقوم بتجفيف مواردهم الإقتصادية، لأن العدو ‏‏(النظام الايراني) قد ينفق مائة ألف دولار على صاروخ، ونحن سننفق دولارين لإعتراضه، ‏ودولاران هما تكلفة الكهرباء فقط”. وهذه اللعبة الذكية تعلمتها اسرائيل من الولايات المتحدة أبان ‏الحرب الباردة مع الإتحاد السوفيتي السابق. فقد أنهكت الإتحاد السوفيتي من خلال الإنفاق ‏العسكري والسباق التسليحي على حساب التنمية والتقدم والإنفاق على الجوانب المدنية، وكانت ‏النتيجة إنفراط العقد السوفيتي وإستقلال الجمهوريات الواحدة تلو الأخرى، وتوسع فشمل الزلزال ‏دول المنظومة الإشتراكية.‏
لكن متى يفهم نظام الملالي إصول اللعبة؟
الثالث: آفاق التعاون الأمريكي العربي الإسرائيلي.‏
إتفق الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأمريكي على مشروع قانون يقترح على ‏البنتاغون العمل مع إسرائيل ودول عربية لدمج دفاعاتهم الجوية لإحباط التهديدات الإيرانية‎.‎‏ فقذ ‏ورد عن (صحيفة وول ستريت جورنال) إن “مشروع القانون يقترح إقامة نظام دفاع صاروخي ‏لدمج الدفاع الجوي بين إسرائيل ودول عربية، وإن الاقتراح يهدف إلى حث هذه الدول العربية ‏وإسرائيل على تنسيق أفضل عبر المنطقة‎.‎‏ وان مشروع القانون هو أحدث محاولة من جانب ‏الولايات المتحدة لتعزيز التعاون الدفاعي بين إسرائيل والشرق الأوسط بعد تطبيع العلاقات مع ‏العديد من الدول العربية، بعد أن كانت هذه الحكومات معادية لإسرائيل.‏
ان السلوك العدواني لنظام الملالي تجاه الدول العربية والتدخل السافر في شؤونها الداخلية، والعبث ‏بأمنها وإستقرارها، كان الدافع الرئيس لهذا المشروع، فقد أدركت الأنظمة العربية ان العدو الرئيس ‏لها هو النظام الإيراني، سيما ان الدول التي تطبعت من اسرائيل أمنت شرٌها، وانصرفت الى ‏ترتيب أوضاعها الداخلية والخارجية بمنأى عن الشبح الإسرائيلي الذي كان يقلقها ويؤثر على ‏أولوياتها السياسية والاقتصادية كالإنفاق الحربي. ‏
انظر الى الدول المتطبعة مع اسرائيل كمصر والأردن والمغرب والبحرين وغيرها، وقارنها ‏بالدول التي ترفض التطبيع وفقا للإرادة الإيرانية وليس قرارا مستقلا بإرادتها الوطنية، كالعراق ‏ولبنان وسوريا واليمن وغزة، من كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، ستجد الفارق ‏الكبير. ربما هذه المقارنة موجعة، ولكنها تعبر عن الحقيقة، فنظام الملالي هو العامل الرئيس في ‏التطبيع مع اسرائيل، ولو كان لإيران موقف إيجابي من الدول العربية لإنقلب الأمر، وضمنت ‏تعاون هذه الدول معها ضد الكيان الصهيوني.‏
كما ان الهجمات الإسرائيلية على الحرس الثوري الايراني في سوريا والعراق تحولت الى الضرب ‏تحت الخاصرة، فقد نقلت اسرائيل المعركة الى داخل ايران ـ مع إحتفاظها بالهجمات على الحرس ‏الثوري والميليشيات الولائية في سوريا وآخرها أخراج مطار دمشق الدولي من الخدمة ـ من خلال ‏عمليات تفجير وإغتيالات وسرقة الأرشيف النووي وغيرها من الأنشطة التي يتستر عليها نظام ‏الملالي، أو يزعم انها تُنفذ من قبل المعارضة الإيرانية، او يحولها الى طلاسم غامضة يُصعب ‏حلٌها، وهذا يدل على ان ميزان القوى يرجح كفة اسرائيل من النواحي الاقتصاية والعسكرية ‏والأمنية وان الجانب الضعيف غير القادر على الرد او الحفاظ على أمنه الوطني هو النظام ‏الايراني، والنتيجة الطبيعية انه لا يمكن ان نلوم الدول الضعيفة عندما تتجه الى حضن الأقوى، ‏على أقل تقدير لتأمن شرها، والإنصراف الى ترتيب أوضاعاعها الداخلية والخارجية دون الخشية ‏من عدوان أو تهديدات خارجية.‏
أما محور المقاومة فهو عبارة عن جوق موسيقي يعزف عزفا نشازا لا قيمة له، وأبوقه الإعلامية لا ‏تقل إزعاجا عن قادته الغلاة، فتهديداتهم مجرد فقاعات إعلامية لا قيمة لها، وسرعان ما تتلاشى ولا ‏تخلف شيئا ورائها.‏
علي الكاش