قد يستغرب آلشرقيّ لو علم بضحالة آلمستوى الثقافي السياسي و آلفكريّ لأكثر ألغربيّن إلى درجة كبيرة قد يكون القروي ألذي يعيش في أدنى نقطة في أطراف إيران أثقف منه سياسياً و معرفياً, هذا آلفرق نابعٌ من طبيعة التربية و آلعلاقات الأجتماعية و نمط الحياة, و قد تحدثنا في ذلك سابقاً, و لذلك ما يجري في أروقة السياسة و أسواق البورصات و آلأموال و تقنين القوانين؛ لا يعلم .. بل لا يشارك فيه المواطن بدعوى أنّ آلبرلمانيين هم من يمثلونهم و هم من يتحدثون, بيد أن كثيراً من القضايا المصيرية خصوصاً في آلجانب الأقتصادي و السياسي يحدث في هذا البلد – كما في غيره من البلاد الغربية – و المواطن المسكين الكادح لا يتدخّل فيها .. بل لا يعلم شيئاً عنها!
هذا آلأمر ليس خبراً و لا إستقراءاً صحفياً بل نتيجة معايشة يوميّة على مدى ربع قرن في بلاد الغرب – اوربا و أمريكا – و آلسبب في ذلك يعود إلى عدّة عوامل أهمها التربية المدرسيّة حيث يتم إعداد التلاميذ ليكونوا وطنيين مخلصين للنظام مهما كلّف الأمر بدعوى إحترام القانون ألذي يضمن التعليم ألمجانيّ و الصحي و الحقوقي!
بيد أن الحقيقة هي ليست كذلك, فآلتعليم مجانيّ على الظاهر لكن الطالب و بمجرد أنتقاله للدراسة الجامعية فأنّ آلحكومة تبدأ بإستقراضه آلأموال التي قد تصل في النهاية لأكثر من مائة الف دولار للذين يدرسون الطب أو الهندسة الذريّة لحين تخرجه من الجامعة ليبقى آلطالب مديناً للحكومة (للبنوك) عشرات السنوات و ربما إلى آخر عمره, حيث يدفع المبلغ مضافاً له الضرائب العالية التي تصل إلى 25%, و هكذا حتّى الدّورات الفنيّة العاديّة في المراكز و المعاهد التدريبية, حيث يستقرض الدارس عشرات آلآلاف من الدّولارات ليتم تسديدها شهرياً بعد آلتخرج مع فوائدها لاحقاً!
ليس هذا بآلضبط ما نريد قوله في هذا المقال, بل نريد ألتّعرّض إلى موضوع كبير شغلت الصحافة الأمريكية ألمركزية و بعض الأخبار الكندية الطفيفة رغم إنها قضية تخص الكنديين و بآلذات الحكومة الكندية و حيتان المال من أصحاب البنوك و الشركات, حيث تمّ تقديم رئيس الوزراء (هاربر) مع أكثر من 13 مسؤولاً كبيراً في مكتبه للمحاكمة منذ شهر بتهمة الأختلاس و التزوير, بعد ما إختلسوا مع متواطئين عشرات آلمليارات من الدولارات في فترة رئاسة ستيفن هاربر ألذي تولى زعامة الحكومة ألكندية لولاية ثانية قبل عامين, و هو آلآن بحكم المفصول (ألمتجمد) وظيفياً لحين إتمام محاكمته!
يجري كل هذا الفساد ألمنظم و في قمّة الحكومة مع إنّ 95% من الشعب الكندي لا يعلم شيئاً سوى ما يتسرب إليه من الأخبار الموجهة .. ربما لأنه أساساً لا يتابع مثل هذه القضايا التي لا يدري مدى إرتباطها بحياته و مستقبله!
بجانب أن الأعلام الكندي تستر على الموضوع بشكل كبير بسبب آللوبيات المسيطرة عليه و لم يُشر له غير مرة أو مرتين و في هامش الأخبار ألعادية من دون تسليط الضوء على تفاصيل هذه الحدث الكبير ألذي يُعبر عن فساد الطبقة التكنوقراطية – ألديمقراطية .. لكونها لا تؤمن بمبدأ أو دين أو قيم سوى شعارات حب الوطن التي ترجمت جميعها في نهاية آلمطاف إلى سرقات و إختلاسات و صفقات جماعية كبيرة من قوت الكادحين الذين يدفعون الضرائب العالية!
هؤلاء بآلطبع تمّ إنتخابهم بحسب معايير الديمقراطية الغربية بكونهم من أثقف و أخلص و أكمل الناس تعليماً و توطناً في كندا و قياديين في آلأحزاب الرئيسة العاملة, لكني لحدّ هذه اللحظة لا أدري كم كندياً بآلحقيقة شارك و أنتخب هؤلاء رغم إني أتابع الأرقام بدقة أيام الأنتخابات لكنني لم أستطع فهم كيفية و مقدار المشاركة بآلضبط و آلتي بلا شكّ بلغتْ مستويات واطئة و من ثم عملية الفوز, حيث يتوالى على الحكم عادة حزبين رئيسين هما الليبرالي و المحافظ كما يتوالى في أمريكا حزبين على الحكم دائماً هما الجمهوري و الديمقراطي كما هو معروف!
خلاصة ما حدث و بدون علم أكثر الناس هو أن رئيس الوزراء (هاربر) الذي ينتمي للديانة اليهودية و فريق عمله المكون من 13 شخصاً يتمّ تعينهم من قبله لأدارة رئاسة الوزراء كمستشارين؛ هي أنهم زوّروا وثائق كثيرة و منذ سنوات و أصدروا صكوكاً عديدة بدعوى صرف المال للسفر و آلسكن من آلنثريات و المعاملات الأخرى, بينما تبيّن أنها لا صحّة لها في آلواقع, و لذلك تمّ تقديمهم للقضاء الكندي قبل شهر تقريباً و هم اليوم تحت الأقامة القانونية لمحاكمتهم, حيث تبيّن من خلال المحاكمة تَهَرُّبْ رئيس الوزراء من آلجواب على الأسئلة الواضحة للمحامين الذين لهم الحق أن يسأل كل واحد منهم عشرة أسئلة لا يتعدى زمن إحداها أكثر من 30 ثانية, و على رئيس الوزراء الأجابة عليها في غضون دقيقة و نصف فقط, لكن المتهم(هاربر) يحاول التهرب من أصل الاسئلة إلى قضايا جانبية في محاولة لتمويه الأمور لتدعيم موقفه, لكن هنا في كندا و بسبب تجربة القضاة و المحامين لا تفوتهم تلك المراوغات و كما حدث و يحدث مع القضاء العراقي ألذي عجز للأسف عن أعدام المجرمين الأرهابيين رغم ثبوت التهم ضدهم بقتل و تفجير الناس, حيث يتمّ إرجاء الأحكام و القرارات عشرات المرات من قبل آلمحامين, و كأن آلقضية عادية و لا تتعدى سوى قتل مجموعة من الحشرات و بآلصدفة! و آلمقتولين ليسوا من البشر ألسلميين الذين سكنوا وادي الرافدين!
ألجميل في تلك المحاكمة أن أصحاب آلشركات الذين حصلوا على المليارات من الدّولارات بسبب تواطئ تلك الزمرة التكنوقراطية المثقفة جدّاً معها؛ قد هرعت لمساعدة هؤلاء المتهمين ألذين تمّ تجميدهم و إيقافهم عن آلعمل و سحب جميع المسؤوليات و الصلاحيات عنهم و كذلك تمّ طرد أربعة مستشارين من الفريق لحد آلآن بكفالات معيّنة و المحاكمة ما زالت جارية و آلمحامون يدافعون عن هؤلاء المتهمين بكل ما أوتوا من قوّة و حيلة لتخليصهم من كماشة العدالة و القانون!
و مهما يكن من أمر فأن هذه البلاد التي نسميها بآلكافرة – و هي كافرة بآلفعل – لكن آلقائمين عليها و هم طبقة القضاء الأعلى و المجلس الفيدرالي (السنتا) يقولون كلمتهم حين يحاول أي مواطن كندي سواءاً رئيس ا لوزراء أو أي مواطن ألاخلال بآلامن أو الأقتصاد ألذي للأسف يسيطر عليه من الجانب آلآخر و من فوق المنظمة الأقتصادية العاليمة المجرمة, و نحن في العراق في هذا آلوسط نفتقد إلى آلمستويات الدنيا من المواطنة و المساواة بين المواطن و المسؤول ألذي يتقاضى بلا رحمة راتب 200 عائلة عراقية دفعة واحدة في الشهر ثم يتحدث عبر الصحف و القنوات الفضائية عن الأسلام و العدالة و الحقوق!
بلادنا ألمستباحة التي تدعي الأخلاق و الاسلام و العدالة باتت أضحوكة للعالم حتى للهنود و آلأفارقة و الصوماليين و الأثيوبيين, و كيف لا .. حين يأتي رئيس المجلس ألنيابي أو رئيس الوزراء و معهم الوزراء و أعضاء المجلس النيابي أنفسهم يسرقون الناس بتواطئ بعضهم مع البعض و مع القضاء ألذي عجز حتّى عن محاكمة المجرمين الأرهابيين الذين يقتلون يومياً عشرات العراقيين بدم بارد و الحكومة و معها المجلس النيابي و أعضائه مستمرين بضرباتهم و ترميم أمورهم و فسادهم و سفراتهم و كأن شيئاً لم يكن!