هل نفرح الليلة؟ هل نحتفل؟ هل نُشعل المزيد من الأضواء؟ هل نجعل الموسيقى تملأ الأجواء؟ هل نرقص؟ هل نتبادل التهاني والتمنيات بسعادة غامرة؟
من المفروض أن نفعل هذا كله هذه الليلة بالذات التي لا تأتي الا مرة واحدة كل اثني عشر شهراً. في مختلف البلدان يستقبل ملايين الناس هذه الليلة بالذات بالفرح والأضواء والموسيقى والرقص وتبادل الأنخاب والتمنيات بعام جديد سعيد . في الدول المتطورة الغنية تفعل هذا الاغلبية الساحقة من الناس، وفي الدول الفقيرة لا تستطيع الأغلبية من الناس أن تفعل مثل هذا بسبب الفقر والجهل وسائر مظاهر التخلف.
نحن بلد غني  .. غني جداً جداً، فالنفط وحده يدرّ علينا مئة مليار دولار سنوياً .. بلدان عديدة تحلم بنصف هذه الثروة الطائلة، وحتى بربعها، لتحقق أحلامها وطموحاتها .. نحن بلد غني لكننا لا نستطيع فعل ما يفعله أبناء البلدان الغنية، لا في هذه الليلة ولا في أي ليلة أخرى .
 نحن بلد غني لكننا شعب فقير، محروم من أبسط مستلزمات الحياة الانسانية الكريمة.
نفطنا ليس لنا .. انه للفاسدين، يستأثرون بعوائده ولا يبقون لنا مما يتسلمون سوى الفتات.
مئة مليار دولار سنوياً وسبعة ملايين منا تحت خط الفقر، ومثلهم  يزدحمون عند تخوم هذا الخط !
مئة مليار دولار  سنوياً وثمانية ملايين منا لا يجدون فرصة عمل، معظمهم من الشبيبة حملة الشهادات الحقيقية لا المزورة التي ينعم أصحابها بوظائف مرموقة في دولتنا!
مئة مليار دولار ومدارسنا وجامعاتنا تضيق بتلامذتها وطلبتها، ومستشفياتنا ومستوصفاتنا بمرضاها، وأبنيتها آيلة للسقوط ومشبعة بالرطوبة ومتخمة بالوساخة!
مئة مليار دولار وكهرباؤنا الوطنية لم تزل تنقطع ثماني عشرة  ساعة في اليوم!
مئة مليار دولار ومياه شربنا غير نظيفة في الغالب!
مئة مليار دولار وأزقتنا وشوارعنا مطمورة بالقمامة والمياه الآسنة!
مئة مليار دولار ومدننا بلا نظام للصرف الصحي وتغرق بأدنى مطرة كما حدث الأسبوع الماضي!
مئة مليار وشوارعنا وطرقنا الخارجية مزروعة زراعة كثيفة بالحفر والمطبات!
مئة مليار دولار ومتقاعدونا يحلم الواحد أو الواحدة منهم بثلاثمئة دولار في الشهر!
مئة مليار دولار والمنظمات الدولية تقول إن عاصمتنا العريقة بغداد، عاصمة الدنيا كلها في ما مضى، من أوسخ المدن في العالم ومن أسوئها على صعيد طبيعة الحياة!
مئة مليار دولار وطبقتنا السياسية الحاكمة في حال الخبال المتفاقم!
كيف لنا أن نحتفل بعام جديد سيضيّعه منا هؤلاء السياسيون مثلما ضيّعوا العام المنقضي اليوم وثمانية أعوام قبله؟
عسى عامنا المُدبر خاتمة أحزاننا الموجعة، وعسى في عامنا المُقبل أول سعادتنا المنتظرة طويلاً التي لا أمل في بلوغها مع ساسة  مثل المبتلين بهم.