يكفي أن يقف المرء ساعة واحدة في طوابير اتصالات الجزائر، ليدرك عمق الهوة السحيقة، بين الزر الذي أقيم الاتصال بسببه، وبين الإنسان الذي قطع الاتصال فيما بينه وبين أخيه.

 

بمجرد مايستلم المرء رقمه، ليدله على دوره، حتى يرى بأم العين، العابرين للطوابير وغير الآبهين بالواقفين والجالسين، وكل يسعى، لعدم احترام الطابور، هذا بحركات جلية، وتلك بحركات خفية.

 

وحينما يدرك الموظف أن الكل يتحايل على التنظيم ويأبى الانتظار،  يمارس بدوره طقوس الاحترام بطريقته، فيتسلم من تحت الطاولة فواتير المقربين، فيدفع ماعليهم،  ويقضي حاجاتهم في لمح البصر، ويوجه الأحباب، ويرشد الأصحاب، إلى مافيه خيره وخيرهم وخير أهلهم .. بينما شعب الله المُحْتَار، ينتظر من يفرّج كربته، ويجد حلا لمسألته، ويفتح عنه السّبل التي انقطع وصالها.

 

لم يصل المجتمع بعد إلى إزالة الطوابير لقضاء حوائجه، وإن كانت خفّت حدّتها عمّا كانت عليه من قبل، لكن مايضير المرء لو انتظر دوره بهدوء وصمت، أو قضى وقته في مطالعة مايراه يناسب الظرف والمكان في انتظار أن يُأذن له.

 

إن الشباب المتعلم، المهتم بهندامه، وتسريحة شعره، المتقن جيدا لأدوات الحاسوب والشبكة العنكبوتية، والتواصل الاجتماعي، مطالب أن يدرك، أن احترام الطابور مقدّم على هذا وذاك وتلك، وأن احترام الغير يرفعه ويدفعه.

 

إن المجتمع الجزائري يشهد تطورا ماديا ملحوظا على كل الأصعدة، لاينكره إلا مبغض لوطنه، جاحد لجهود أبناءه، لكنه في نفس الوقت، يعاني تخلفا في العلاقات الاجتماعية السامية.

 

 فهو يرى انقطاع الاتصالات بين أبناء الوطن الواحد في مقر اتصالات الجزائر، ويلمس الجهل والأمية في الجامعات، ويعايش الحقد والبغض في مساجد الله، فهو من تناقض إلى تناقض، ماأفسد عليه دينه ودنياه.

 

صباح هذا اليوم، وعلى موجات الإذاعة الوطنية الأولى، يقول أحد القائمين على اتصالات الجزائر، أن الشبكة العنكبوتية عند الجارة تونس، أفضل بكثير من حيث الانتشار وقوة التدفق، وأن نصف المجتمع يتمتع بهذه الوسيلة، رغم أنها أقل ماديا وماليا وبشريا.  

 

لا تكمن المشكلة في الكم، الذي يمكن تداركه وعلاجه، لكنها تكمن في انقطاع الاتصال بين أبسط موظف والزبون، وضياع حوائج الناس على يديه، وهو يتلذذ بإذلالهم بالوعود والطابور، بينما يقضي حوائج ذوي القربى بالمحمول، وفي ظرف 10 دقائق بالتمام والكمال.

 

إذا كانت شبكة العنكبوت هي أوهن البيوت، لأن الأنثى تقتل الذكر بعد التزاوج، كذلك الأمة، يمسي بيتها أوهن البيوت، إذا أمست خيوط الاتصال بين أفرادها ممزقة، والضعيف فيها يذل الأضعف ويهينه.