إحتفل خمسة آلاف حاضر في القاهرة وفي قاعة فخمة بمراسيم تنصيب بابا الكنيسة القبطية الأنبا توا ضروس الثاني، وهو البابا الثامن عشر بعد المائة للمسيحيين الأقباط في مصر بعد أشهر قليلة على رحيل البابا السابق الذي واجه تحديات كبيرة خلال فترة حكم الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك وكان متهماً بمسايرة النظام الحاكم، وهي التهمة التي ربما كانت سبباً في تمرد بعض   الشبان الأقباط في الأشهر الأخيرة من عمر النظام ومنهم من شارك في ثورة يناير التي أسقطت مبارك وقادته الى سجن (طرة) هو ومن معه من أفراد في أسرته ومساعدين له ليحاكموا في سابقة لم يشهد لها التاريخ المصري مثيلاًَ من قبل.
لمرتين أو ثلاث إنهمرت دموع بابا الأقباط  ، خاصة حين كان يسمع لرئيس كنيسة الأسكندرية ،وكان الحاضرون يسمعون لتعاقب الكلمات ويؤدون دورهم في القداس الذي سبق التنصيب مع إن الأمر برمته كان قداساً كبيراً لا يتكرر إلا في فترات زمنية متباعدة، وكثرت التأويلات عن المشاعر التي كانت تختلج في ضمير وروح وقلب الباب توا ضروس في تلك اللحظات الخاصة جداً والمؤثرة الى حد بعيد..!
لا يمكن إختيار الباب الجديد إلا بعد مخاض عسير وإنتخابات تنتهي بقرعة يقوم بها طفل صغير معصوب العينين يعيش لساعات في ظروف خاصة ولا يكون ملوثاً بترهات وتفاهات الدنيا وشوائبها، ويرى البعض أن الطفل لا يذهب لإختيار إسم البابا الجديد إلا بهداية خاصة من الله فيكون إختياره إختياراً ربانياً خالصاً لأنه نقي السريرة ولم يلوث بعد. فهو إذن مختار وليس إعتباطاً وليس مزاجاً فردياً بل إختيار بكل ما تعنيه الكلمة وما تؤدي إليه من غرض فكري وأدبي وهو بالتالي يشعر بحجم المسؤولية وجسامة المهمة في قيادة أمة تعاني من إضطرابات وتململ وصراع بين المسلمين والأقباط ، وهي جسامة لم يعان البابا الراحل منها، وكان جل همومه تصب في محاولة تجنب غضب النظام الحاكم دون النظر في إمكانية حدوث صدام بين الطوائف المسلمة والقبطية.
تقع على كاهل البابا الجديد مسؤوليات جسيمة حيث يترقب المصريون ما يمكن أن يحدث في الأشهر القليلة القادمة ويخشون من صراع متصاعد حول السلطة وطريقة الحكم ورغبة القيادات الدينية تطبيق أحكام الشريعة وإمكانية حدوث صدام قد يؤدي بالوحدة الوطنية الى التمزق بين الأهواء والمطامع والنزعات غير المحسوبة التي يعجز عن حلها الحكماء حين يكون ( لا أمر لمن لا يطاع) ويفتقد الجميع الإرادة الواعية فلا يجدون سبيلاً الى الحل في بحر متلاطم من المشاكل المتراكمة عبر حقب زمنية متطاولة.
الأقباط في مصر ينظرون بتفاؤل لدموع البابا وهم حزانى لأنهم قلقون بالفعل ولا يثقون بنوايا قادة الحراك الإسلامي ويتوجسون خيفة من إنتهازية الغرب، وهم ينادون البابا الجديد بالقول لا تبك يا بابا نحن بإنتظارك. لتكون معنا في المحنة وتمسح على رؤوسنا بيديك الكريمتين حتى نعبر البحر الى ضفة الطمأنينة.