لا عجب ولا دهشة ولا استغراب ولا إثارة مع ما جاء في أحدث تصريح لمحافظ بغداد الجديد علي محسن التميمي ( سيبقى جديداً حتى تمرّ عليه وهو في منصبه الجديد ستة أشهر ). لكن التصريح يحمل جديداً مهماً، فهذه من المرات النادرة تماماً التي يقرَ فيها مسؤول كبير في الدولة بوجود فساد منقطع النظير في المؤسسة التي يديرها.

يوجد فساد مالي واداري في محافظة بغداد .. هذا نعرفه، وكتبنا عنه مع الكثيرين الذين كتبوا ورفعوا أصواتهم عبر محطات الاذاعة والتلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي المظاهرات المجيدة قبل سنتين ونصف السنة .. الفساد في محافظة بغداد يضرب بأطنابه على نحو ثلاثي الأبعاد، طولاً وعرضاً وعمقاً .. هذا نعرفه أيضاً، ونعرف كذلك ان الفساد هو بهذه الصورة في كل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، والدليل ان المئة مليار دولار الداخلة سنوياً الى الموازنة العامة للدولة لا يظهر له أثر في حياتنا العامة الا بنسبة خمسين في المئة أو أقل .. نعرف ان فسادنا المالي والاداري لا نظير له تقريباً في سائر بلدان العالم، برغم ان رؤساء السلطات العليا في دولتنا ينفون أو في أحسن الاحوال يخففون من وطأته ومدى انتشاره، كما هي الحال مع رئيس مجلس الوزراء الذي كثيراً ما رأى ان الفساد ليس بالصورة التي “يهوّلها” الاعلام.

السيد التميمي  قال في بيان له نُشر امس ان محافظة بغداد هي ” من الاكثر فساداً  بين دوائر العاصمة”، وأكد “اكتشاف عشرات السرقات فيها عند تسلمنا مسؤولية المحافظة فضلاً عن وجود مافيات وجهات تعتاش على العمولات والصفقات المالية في المشاريع، ما أدى الى تلكؤ العديد من مشاريعها في  الفترة السابقة وتردي واقع الخدمات لمناطق الأطراف”.

هذا الكلام كل حرف فيه يعادل قيمة كيلوغرام أو أكثر من الذهب لأنه يصدر عن محافظ العاصمة بالذات، لكن هذه القيمة ستحلق عالياً عندما يكشف لنا المحافظ التميمي بكل شفافية تفاصيل هذا الفساد، وعندما يحيل الى القضاء ملفات هذا الفساد من دون تردد أو خوف. وستحلق القيمة أعلى وأعلى حينما يرينا المحافظ الجديد على الأرض الفرق بين محافظ نزيه ووطني وغيور وذي ضمير ومحافظ فاسد .. ليس صعباً صناعة هذا الفرق.. انه يمكن أن يتبدى للعيان في غضون أشهر قليلة من خلال ما يُقدم من خدمات عامة  وما يُقام من منشآت تمسّ اليها حاجة سكان العاصمة.

مهم جداً ان نلمس في أقرب فرصة اجراءات من هذا النوع في محافظة بغداد، فذلك سيعني بدء القضاء على واحدة من أكبر بؤر الفساد في البلاد، وهذا سيعزز في الانفس الثقة والأمل بان التغيير المنشود في حياتنا البائسة على كل صعيد ممكن وقابل للتحقيق .. انه فقط يحتاج الى مسؤولين أخيار ووطنيين ذوي نزاهة وغيرة وشرف، وهذا ما ينقص دولتنا.