العملية العسكرية التي استهدفت المعتصمين في الرمادي كانت خاطئة جملةً وتفصيلاً، والدليل نتائجها الكارثية. فقد قيل لنا ان ساحة الاعتصام كانت وكراً لإرهابيي تنظيم “داعش”، وان الجيش أُرسل الى هناك لإخراج قادة القاعدة وعناصرها من وكرهم، لكن العملية برمتها تحولت الى مصيدة للجيش والشرطة وأهالي مدن الأنبار جميعاً!
النتائج كارثية لأن العملية لم تكن حصيلة قرار سياسي – عسكري مدروس. ولو كان رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، قبل أن يُرسل قواته الى هناك (الساحة ومدينة الرمادي)، قد تدارس الأمر في الأقل مع حلفائه في التحالف الوطني (الشيعي)، مادام مستنكفاً عن التواصل مع المعارضين، لسمع كلاماً يحذّر من عملية من هذا النوع، بهذا الشكل، وفي هذا التوقيت .. هل كان السيد نوري المالكي سيصيخ السمع الى التحذير؟ أغلب الظن انه ما كان سيسمع ، واذا سمع ما كان سيأخذ بما يسمع، فالسيدان عمار الحكيم ومقتدى الصدر ومساعدون لهما، فضلاً عن آخرين كثر، أطلقوا غير مرة تحذيرات علنية من التصرف على هذا النحو.
من النتائج الكارثية للقرار غير السليم ان إرهابيي داعش وتنظيمات مثيلة اخرى قد استباحوا مدن الأنبار، والآن هم يعيثون فيها فساداً .. دمروا المؤسسات الحكومية واستولوا على أسلحة وذخائر يستخدمونها حالياً في قتل مدنيينا وعسكريينا على السواء، وعطلوا الحياة الطبيعية.
والآن أيضاً يعاني مئات الآلاف من أهالي مدن الأنبار من وضع حياتي صعب، فالأسواق مغلقة وكذا المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، والخدمات العامة الأساسية مُعطلة.. هذا الوضع يشكل بيئة مناسبة لداعش والقاعدة وسواهما من التنظيمات الإرهابية، وعليه يتعيّن على الحكومة أن تركّز جهودها لاستعادة مدن الأنبار من الإرهابيين، وبالتعاون مع الأهالي، وتوفير احتياجات السكان الحياتية.
وقبل هذا ومعه وبعده، يتعيّن أن يقرّ رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، في الأقل بينه وبين نفسه، بانه لم يفكر على نحو صحيح بخصوص أزمة الاعتصامات منذ البداية، وانه لم يعمل على نحو صحيح لحل هذه الأزمة، وانه يلزمه الآن أن يضع عناده وعنجهيته جانباً، وأن يتواضع لينظر الى الأمور بواقعية ويتصرف كما يتصرف رجال الدولة والسياسة المحنكون الذين “لا يركبون رؤوسهم” ولا تأخذهم العزة بالإثم .. الآن يتوجب عليه المبادرة الى الدعوة لعقد اجتماع أو مؤتمر سياسي يضم الحلفاء والمعارضين، وحتى الخصوم إن أمكن، بحثاً عن حلّ قبل ان تتفاقم المشكلة بدرجة أكبر وتصبح النتائج أكثر كارثية، فنصحو ذات صباح مثلاً لنجد ان إرهابيي داعش وسواهم قد بلغوا قلب بغداد أو تمترسوا في بعض أطرافٍها.
القضية الآن قضية وطنية ولا يحق للسيد المالكي أو سواه أن يحتكر التفكير بها والعمل لإيجاد مخرج منها.