من منا نحن العراقيين والكويتيين يستطيع نسيان هذا اليوم ؟ .قد يعني يوم اجتياح صدام للكويت الكثير للجار الشقيق ،لكن يبقى هذا اليوم يعنينا اكثر نحن. فأحتلال (صدام حسين) للكويت لم يدم سوى ستة اشهر ونيف ،بعدها راحت الكويت تداوي جراحها وتعيد بناء ما ُدمر ،باموال التعويضات العراقية ، وتحتفل سنويا ب(هلا فبراير) . اما ابناء العراق فقد توقف التاريخ عندهم في الثاني من آب ،بل تراجع الى ماقبل تأسيس الدولة العراقية جراء القصف الصاروخي الذي تعرضت له بغداد المدن الاخرى اوائل عام 1991. ففي ذات اللحظة  التي بدأت فيها عملية عاصفة الصحراء بقيادة الولايات المتحدة، لاخراج الجيش العراقي ،كانت هنالك حملة جوية اسُقط فيها ملايين الاطنان من المتفجرات ،على البنى التحتية العراقية من منشأة وجسور ومحطات كهرباء وماء وهاتف ..الخ. خرج العراق من الكويت بجيش منكسر بتخطيط دقيق،بعد ان كان يعد الجيش الرابع في العالم .

الاقتصاد العراقي والسقوط الحر

بات اقتصاد العراق على الهاوية بعد الحصار الامريكي الذي منع العراق بموجبه من استيرات ابسط الحاجيات الاساسية والانسانية، بما في ذلك المواد الغذائية. وهبط الدينار العراقي الذي كان يعادل دينارا كويتيا، الى معدلات لم يسبق لها مثيل في العالم.

 فقد كان مبلغ (300)الف دينار عراقي تساوي (مليون) دولار امريكي وبعد الحصار صار هذا المبلغ لايساوي سوى (100) دولار امريكي فقط.

 

نصف مليون طفل مقابل كذبة

مات مئات الالوف من العراقيين لاسيما من الاطفال والمرضى لعدم توفر ابسط انواع العلاج. فقد اشارت تقارير دولية ومحلية بموت قرابة نصف مليون طفل عراقي جراء نقص الدواء والغذاء.وتذرعت وزيرة خارجة امريكا(مالديلين اولبرايت) في مقابلة تلفزيونية بمشهد يعد قمة في الوقاحة ،حينما قالت اننا نريد نزع اسلحة العراق البايلوجية وان موت نصف مليون طفل هو ثمن يستحقه هذا العمل.!! .وتبين بعد احتلال العراق عام الفين وثلاثة عدم وجود أسلحة دمار شامل.

ملفات من الصندوق الاسود

احببت اليوم ان افتح صندوق الذكرى الاسود،للنظر بداخله عن اسباب غير تلك المعلنة والمروج لها من قبل الماكنة الاعلامية الامريكية .وهنا لست بصدد الدفاع عن وجهة نظر اي من الطرفين ــ العراقي والكويتي ــ ومن اخطأ بحق الاخر بقدر البحث في العلة الحقيقية وما سببته هذه الخطوة غير المدروسة من قبل نظام صدام حسين ،والمدروسة بعناية من قبل امريكا!. فكل ما قرأته عن غزو الكويت  يشير الى موضوع واحد، هو الديون العراقية والنفط المسروق ،ولكن ماهي مسوغات ذلك؟ ومن اوصل معلومات للعراقيين بان الكويتيين يسرقون النفط ـ أن صحت الروايةــ وهل للولايات المتحدة يدٌ باعطاء الضوء الاخضر لصدام حسين بالغزو ؟.لن اعيد ما تكرر كثيرا عن مقولة (ابريل غلاسبي) سفيرة امريكا في العراق، على خلفية التوتر الذي حصل بين العراق والكويت حين قالت (ان هذا شأن عربي عربي لادخل للولايات المتحدة به). وبالحديث عن غلاسبي استطاعت الاخيرة ان تتنصل من كلامها هذا بمذكراتها التي نشرتها بعد تحريف الماضي،والكل عاد لتصديقها طبعا.!!.

الصنارة الامريكية

في بحث لارشيف تلك الحقبة سقطت بين يدي رسالة صدام حسين التي بعثها الرئيس الامريكي الاسبق (جورج بوش الاب) قبل الغزو بشهر . يقول صدام في جزء منها وهو المهم “لقد ابلغتمونا انتم واحطتمونا علما ببعض الوقائع التي غابت عن ذهننا من سرقة نفط العراق من خلال الانابيب الكويتية المزدوجة التي تعمل على أراضينا دون ان نعلم بها كذلك احطتمونا برغبة الكويت في ان تمتد سيطرتها على بعض الحقول النفطية الاخرى “

 صدام حسين 1\تموز يوليو \1990 .

هذه الرسالة تم التعتيم عليها امريكيا رغم ما تحويه من حقائق ماكرة حول الدور الامريكي في الصراع العراقي الكويتي قبل الغزو، ودفع صدام بطرق مباشرة لغزو الكويت .

الدفع بالكويت لتأزيم الموقف

وفي مسلسل الدس والنفاق الامريكي من اجل اشعال المنطقة،اجتمع سفير الاخيرة مع ولي عهد الكويت الراحل سعد العبدالله في نهاية حزيران ينونيو 1990 ودار بينهما الحديث التالي في محضر اللقاء

–        ولي العهد:انتم ابلغتمونا من قبل ان العراق سيثير مشاكل معنا وحينها مل يكن هنالك شيء ولانتمناه مستقبلا  

–        السفير الامريكي :اننا نحذركم من ان العراق لن يقتنع بالغاء ديونه وانما مشاطرتكم نفطكم  

–        ولي العهد:لكن العراقيين لم يطلبوا ذلك

–          السفير سيطلبونه بالتدريج فلو وافقتم على الغاء الديون سيطلبون مشاركة النفط معهم  

–        ولي العهد :حسب كلامكم فأن هذا سيوقعنا بمشاكل مع العراقيين

–         السفيرالامريكي :اننا اصدقائكم وسنقف معكم وطلبنا الوحيد ان لاتردوا على المطالب العراقية ولا على الضغوط العربية بهذا الشان.

 انتهى الحديث. وهذا اللقاء يعلل سبب التوتر الذي ساد اجتماعات الجانبين سواء في القمة العربية الطارئة في بغداد او خلال اللقاءات المشتركة في المملكة العربية السعودية.

 

الخطة الامريكية لغزو الكويت

حتى ايام قليلة قبل الثاني من اب لم تكن هنالك خطة مبيتة من النظام العراقي لغزو الكويت ولم توضع خطة للاجتياح وكانت المباحثات بين الجانبين تعقد في الغرف المقفلة للوصول الى حل ينزع فتيل الازمة.وهذا ما جاء في جزء من رسالة صدام الى بوش الاب

“اننا نعتبر ان الحل السياسي لمشاكلنا مع الكويت هو البديل الوحيد المتاح الان وفي المستقبل”.

 في غرف اخرى بعيدة عن العراق والكويت،وتحديدا في واشنطن، كانت تعقد اجتماعات من اجل التحضير لغزو الكويت. ليس من العراقيين او بعلمهم ولكن من قبل المخابرات الامريكية وبطلب من جورج بوش نفسه.

ففي يوم 23 من تموز،عقد مجلس الامن القومي الامريكي اجتماعا وصف بالهام ،بناءا على طلب الرئيس بوش الاب بهدف بحث التطورات في منطقة الخليج وطريقة الحفاظ على المصالح الامريكية في المنطقة . ضم الاجتماع 16 خبيرا عسكريا ومدنيا وترأسه (برنت سكوكورفت) مستشار الامن القومي الامريكي الذي قال (هناك معلومات كثيرة وصلتنا تفيد ان العراق سيستولي على الكويت.) هذه المعلومة تدحض قول بوش الاب “بأنه لم يعلم بأمر غزو الكويت الا بعد وقوعه” كذلك الحال بالنسبة لتصريح مشابه لوزير الخارجية الامريكية (جيمس بيكر).

وبالعودة الى مستشار الامن القومي، فحين سأله احد الحضور قائلا”هل نحن نخشى من وقوع الحرب على الكويت”؟ اجابه المستشار:”نحن نتدبر كل الاحتمالات الان ، فالعراق هو الهدف بالنسبة لنا ولعدة اسباب فهو بحاجة الى تأديب بسبب قوته العسكرية، وأن تدخلنا سيكون لحماية مصالحنا والدفاع عنها، ويكون خطوة باتجاه اهداف اكبر هي:

1-    سيطرتنا على النفط الخليجي والعراقي  

2-   تأمين حلفائنا في اسرائيل  

3-  الاقتراب من الخطوط السوفيتية

4-  ايقاف العجلة العسكرية للعراق التي تقلق اسرائيل.

  ويضيف مستشار الامن القومي تأكيدا على ماورد في رسالة صدام حسين الى بوش الاب فيقول: “اننا مازلنا نزود العراق بصور الاقمار الصناعية التي تبين سرقة الكويت لنفطه وبنفس القوة ندفع بالكويت لعدم الاستجابة لضغوط العراق ،وعدم اعطائهم اي تنازل او تعويض،ان الامر مازال على السطح ومتى ما يأس العراق واستخدم الحل العسكري سنتدخل ونضربه” .انتهى الاجتماع

وهذا يبين النية المبيتة لامريكا في اندلاع نزاع بين العراق والكويت، .وهذه الوثائق القليلة تكشف غيضا من فيض الدسائس الامريكية من اجل الايقاع بالعراق، وتحطيمه عسكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا. ومازالت تبعات تلك المؤامرة الامريكية على الوطن العربي سارية المفعول بعد ان حطت امريكا رحالها في منطقة الخليج مدعية فضلها في تحرير الكويت من صدام حسين .

 

الزمن قد يكون كفيلا بنسيان الماضي لكنه لايصحح الاخطاء ولايعيد ما كسر فستولد في المستقبل أجيال كويتية وعراقية لم تعاصر الحرب ولا تبعاتها ،تكون قادرة على  نسيان الماضي كما يحدث في كل دول العالم التي تعرضت للغزو والاحتلال.لكن اجتثاث جذور الولايات المتحدة من الخليج امر يصعب التخلص منه فلطالما ابدعت امريكا باختراع الفزاعات او تصنيعها ،في هذه البقة الثرية من العالم.ولاتخفي استعدادها لحرب طويلة الامد مع اعداء مخترعين ،من اجل بقائها هناك،حتى وان كان على حساب ارواح الملايين ومصائر البلدان .