بغداد وبيروت والإسكندرية من أهم مدن الشرق، ومن مباهج الدنيا التي لاتذوي، وتتجمل للزمن، وتزداد بهاءا كلما ضربتها رياح الفتن، وهجرتها الحضارة لتعود صناعة جديدة غرقت هذه المدن الجميلة بمياه الأمطار، وبينما كانت بيروت تستعد لتظاهرات جديدة للضغط على الحكومة علها تنهي أزمة المزابل التي تراكمت والنفايات التي تجمعات فإذا بالمطر يهطل فتفيض الدروب والأزقة العتيقة ولتجرف آلاف الأطنان من تلك المزابل التي صارت تمر في شوارع العاصمة وتدخل البيوت والدوائر الرسمية ولاتستثني أحدا، فصار البيروتيون عرضة للمطر والنفايات والأمراض والتظاهرات.

لم يكتف المصريون بإقالة محافظ الإسكندرية، وقرروا محاسبة العاملين في المحافظة والمسؤولين بعد أن قتل عديد المواطنين، وإمتلئت الشوارع بالمياه وتعطلت حركة الحياة وصعق البعض وماتوا نتيجة الخلل الذي أصاب منظومة الكهرباء، ولم تشفع قرون مرت جعلت الإسكندرية من أشهر مدن الدنيا ليتعلم المسؤولون عنها شروط العمل والحياة ليعرفوا كيف يتم تصريف مياه الأمطار، ويجنبوا مواطنيهم الكوارث الطبيعية التي تحصل وليس على الدوام، فصار الفشل عنوانا للمسؤولين الفاسدين.

بغداد هي الأخرى كانت على موعد مع الكارثة، فمواطنوها إرتقوا أسطح بيوتهم بعد أن داهمتهم المياه، وصارت تسيل في الغرف الأرضية والمطابخ والمكاتب والحدائق، وحولت الشوارع الى أنهار طافحة والساحات العامة الى بحيرات راكدة، بينما تقيأت المجار مياهها المتعفنة لتحولها الى سموم تنبث في البيوت والأزقة. ضاعت مئات المليارات من الدولارات طوال عقد من الزمان كنا نظنها تنفق في مشاريع الصرف الصحي وتسريب مياه الأمطار لكنها كانت تحتفي في جيوب الفاسدين والحمقى من اللصوص الذين لم يفكروا ولو بالنزر القليل من المال ليتركوه للشعب، بل تجرأوا الى الحد الذي قرروا فيه سرقة كل شئ، كل شئ دون أن يتجاوزوا شيئا، وصاروا في سباق مريب ليصلوا الى موارد الدولة وخزائن المال، فحولوا الوزارات الى أوكار للنهب والسرقة وغسيل الأموال، وصار كل شئ فاسدا في البلاد، وعندما أمطرت السماء فاضت الشوارع وعرفنا إننا نهبنا بلا رأفة.

العراق بلد مسكين وعديد بلاد العرب كذلك، شعوب تائهة ضائعة يحكمها مجموعة من الحمقى واللصوص، لايؤمنون بمستقبل بلدانهم، ولايحترمون شعوبها، ويحتقرون مواطنيهم ويذلونهم ولايعدونهم سوى أن يكونوا قطعان ماشية لاتعي من الحياة سوى أن تأكل وتشرب وتستسلم لسكين الجزار.