لم يتردّد حزب الله اللبناني في دعم الثورات العربيّة منذ انطلاقها، وقد أقام الحزب مهرجانات عدّة لدعم هذه الثورات، ومدحها أمينه العام المرّة تلو الأخرى وردّد أنّها سوف تكون سندًا للمقاومة في العالم العربيّ. إلّا أنّه عندما دعم تلك الثورات ورفع أعلامها في مهراجاناته، غيّب العلم السوريّ، وبدأ يغيّر كلّ رؤيته حول هذه الثورات بعد انطلاق الثورة السوريّة، ومنذ ذلك الحين بدأت علامات الاستفهام تظهر إلى جانب تساؤلات حول حقيقة مشروع هذا الحزب ومصداقيّته، ومدى وقوفه إلى جانب الشعوب المظلومة والمقهورة.

 

تردّدت أنباء كثيرة في بداية الثورة السوريّة عن تدخّل حزب الله في المشهد إلى جانب النظام، وفي كلّ مرّة كان ينكر الحزب هذا التدخّل بحجّة أنّ هناك من يسعى لإشعال فتنة طائفيّة (وهذا صحيح) وأنّ الحزب لا يتدخّل في الشأن السوري، ولكن مرّت الأيّام واكتشفنا أنّ من أنكر قد كذب، وكان عنصرًا أساسيًا في الفتنة الطائفيّة التي حذّرَنا منها طيلة الوقت.

 

فقد تطوّر المشهد إذ قبل بضعة أشهر أعلن حسن نصر الله أنّ عناصره “يدافعون عن أنفسهم” في بعض القرى السوريّة، واللبنانيّة – السوريّة المختلطة، من هجمات “الجماعات المسلّحة”، ووصل الأمر مؤخرًا إلى الاعتراف العلنيّ بوجود عناصر من حزب الله تقاتل إلى جانب النظام السوريّ تحت شعار “قوّات الدفاع الوطنيّ”، حيث تمّ تشكيل “لواء أبو الفضل العبّاس” ضمن هذه القوّات للدفاع عن “العتبات والمقامات المقدّسة” لدى الشيعة. فهم يذهبون ليقتلوا الأحياء بحجة الدفاع عن الأموات.

 

وحقيقة الأمر أنّ هذه الرواية جاءت لتخفّف من حقيقة دعم الحزب للنظام السوريّ المجرم، فتشكيل “قوّات الدفاع الوطنيّ” ما هو إلّا نتيجة تفكّك الجيش السوري النظاميّ وانشقاق أعداد هائلة من عناصرة التي شكّلت فيما بعد غالبيّة الجيش السوريّ الحرّ، وهذه القوّات تتبع مباشرة لجيش الأسد وتأتمر بأوامره.

 

روايات نصر الله لم تعُد تقنع الغالبيّة العظمى من الأمّة، إلّا أنّ هناك من لا يزال يصدّقه نتيجة لشخصيّته وقدرته على الإقناع، بعد المصداقيّة التي بناها في قلوب الجماهير بعد حرب 2006، التي عمَت البعض وأوصلتهم إلى حدّ تصديق كلّ ما يقول ويفعل الرجل حتى ولو خالف ذلك المنطق السليم وبديهيّات الأمور.

 

المشكلة الأساسيّة لدى أنصار حزب الله وقيادته هي اتباعهم اللا – محدود لما يسمّى عندهم “الوليّ الفقيه” (خامنئي) حيث أنّه في معتقدهم يصل درجة “العصمة” من الأخطاء، ويكون رضاه من رضا الله وغضبه من غضب الله، وهو غلوٌّ أوصلهم لدرجة نصرة نظام ليس علمانيًا فحسب، بل مجاهرًا بالكفر ومحاربًا للدّين شكلاً ومضمونًا، وما يقوم به من مذابح على الهويّة وتدمير للمساجد خير دليل على ذلك. فاتّباعهم الأعمى لمن يحكم باسم الله والإسلام ويُعدّ عندهم نائبًا للـ”مهديّ” المزعوم أوصلهم إلى درجة محاربة إخوانهم في الدّين، وجعلهم شركاء في الجرائم الفظيعة التي تُرتكب بحقّ الشعب السوريّ الذي ما ثار إلّا طلبًا للحريّة والكرامة اللتين يستحقّهما، وسوف ينالهما بحول الله وقوّته.

 

لقد أضاع حزب الله رصيدًا ثمينًا عمره ما يقارب الـ30 عامًا بسبب ضيق أفقه وطائفيّته، وتجاهله أصوات عقلاء طائفته الذين وقفوا مع الشعب السوريّ، أمثال المفكّر هاني فحص والعالم محمد حسن الأمين، وحتى أمين عام حزب الله السابق صبحي الطفيلي – الذي حمّل الحزب وإيران مسؤولية قتل الشيعة في سوريا واعتبر ما يقوم به الحزب هناك أكبر خدمة لإسرائيل – إضافة إلى عقلاء حلفائه من أبناء المذاهب المختلفة وعلى رأسهم قيادات حماس. وكلّما استمرّ الحزب في مناصرة النظام البعثيّ المجرم ومشاركته في جرائمه، كلّما قلّص من أيّ فرصة مستقبليّة له ليعود إلى حضن الأمّة، التي احتضنته أيّام مقاومته الحقيقيّة، عندما كانت بوصلته موجّهة نحو القدس، وليس حمص.

 

هذه الحالة هي النتيجة المباشرة للطائفيّة على حساب الدّين، والمصالح السياسيّة على حساب المبادئ.

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} (النساء: 135).