توفى فنان الشعب , بعد صراع طويل مع المرض , في احد مستشفيات دمشق . تمثلت حياته بسفر طويل من النضال والصعاب , والعطاء الفني الزاخر بحب الناس والوطن , والوقوف بحزم ضد الحكم الدكتاتوري , واعطى صور نضالية رائعة , في مقارعة الارهاب والقمع والتعسف والاضطهاد , فمنذ بواكير شبابه انحاز الى حب الوطن والناس , وتعرض الى الكثير من الاضطهاد والاساليب الاستبدادية , وفشلت كل انواع الاساليب البوليسية , في تركيعه ونزع حب الوطن والناس من قلبه وعقله ووجدانه , فكان صوتا فنيا رائعا , فحاز احترام وتقدير وحب اوساط واسعة من عامة الناس , حتى رشحه البعض , بانه الوريث الشرعي لمواصلة التراث الغنائي للمطرب ( ناظم الغزالي ) وتربع على عرش الغناء المفتون بحب الناس , لكن اساليب الحقبة الدكتاتورية , كانت له بالمرصاد , تحاصره وتشدد عليه الخناق في كل مكان , ففصل من معهد فنون الجميلة ومنع من دخول الى مؤسسة الاذاعة والتليفزيون , ومنعت اغانيه , وحرم من الغناء وشددت عليه في المراقبة الصارمة , لانها فشلت معه حتى في نهج الترغيب والترهيب , واضطر الى مغادرة البلاد حين شعر بالخطر الجدي في تصفيته جسديا , او رميه في زنازين الامن العامة المرعبة , رحل عن الوطن وهو اكثر عزيمة وارادة في النضال الجسور , في رفض الدكتاتورية , والايمان بقضية الشعب , بانها ستنتصر في النهاية , وان مصير الدكتاتورية مزبلة التاريخ , وكان يطوف في بلدان الغربة , يحمل صوت الشعب اينما حط ورحل , بالحنين العاصف لتربة والوطن والمحرومين والمظلومين , والذين يقبعون في سجون النظام الرهيبة , وكان يراوده حلم العودة , قبل ان يخطفه الموت . وحين سقطت الحقبة الدكتاتورية , رجع الوطن وهو مطوق بالاحلام والامال الكبيرة , لكنه وجد الاجحاف والجحود والعقوق والعسف والاهمال والحرمان , من قادة البلاد الجدد , الذين نبت فيهم ريش الحرام , وتنكروا بضمير ميت لتطلعات الشعب , فكان دينهم ومعبودهم المال الحرام , وتركوا عتاوي الفساد تعبث بخيرات الوطن , وهي تمارس لعبة الابتزاز والاحتيال , لكنز الاموال بكل الطرق الشيطانية , بالحجج الرخيصة , وبالدهاء والخبث , مثل التعلل بالمرض اوفي اصلاح المؤخرات المعطوبة , بينما تحرم الرعاية والاسناد والتكريم , لابناء العراق الاوفياء , الذين حرقوا زهرة شبابهم من اجل قضية الشعب ومقارعة الدكتاتورية . كأن البلاد انتقلت من جلاد قديم , الى جلاد بثوب جديد . . ان فنان الشعب ( فؤاد سالم ) سيبقى في قلوب الناس الذين ناضل من اجلهم لغد مشرق , والذين احبهم وفتح قلبه ووجدانه لهم . سيبقى مثال المناضل والانسان , الذي كافح بدون هوادة , في تمزيق الظلم والارهاب والاضطهاد واغتصاب حقوق الشعب في الحرية والحياة الكريمة . وسياتي اليوم الذي يكرم به ( ابو حسن ) رغم انوف اقزام الزمن الرديء , سيظل الانسان المناضل الحي , وهؤلاء الاقزام سيذهبون الى مزبلة التاريخ , مثل الطغاة المقبورين , وستظل اغاني الشعب والناس , تصدح بشموخها , كما قال الكاتب الروسي انطون تيشخوف ( ان المبدع يموت نصف موت , لان روحه الحية تظل من بعده في اعماله )
فوداعا ايها المحب والعاشق , ولك الرحمة والغفران من رب العالمين.