لا شيء يفوق ذعر الفئران من القطط غير ذعر “دولة القانون” من فكرة استدعاء وزير في حكومتها إلى مجلس النواب لمساءلته ومحاسبته، أو الدعوة لعقد جلسة استثنائية للمجلس من أجل البحث في قضية تهمّ الشعب كقضية الفيضان أو مشكلة الكهرباء، على سبيل المثال.
بالنسبة لدولة القانون أي دعوة من هذا النوع هي محاولة لـ “دعاية انتخابية” أو “تسقيط سياسي”، كما يرد في تصريحات المتحدثين باسم هذه الكتلة والمتنفذين فيها، مع ان استدعاء الوزراء وسواهم من كبار مسؤولي الحكومة والدولة، بمن فيهم رئيس الحكومة ورئيس الدولة، وعقد جلسات استثنائية للبرلمان في ظروف خاصة، من الممارسات المألوفة في كل البلدان الديمقراطية، بل هي من المهام والواجبات الأساس للبرلمان.
غرقت مدننا وأريافنا كلها تقريباً في مياه الأمطار على نحو غير مسبوق منذ عقود من الزمن، ومات اشخاص وتدمرت ممتلكات. ومثل هذا يحدث في الكثير من دول العالم، ويحدث معه أن تتداعى الحكومة والبرلمان وهيئات أخرى في الدولة الى اجتماعات استثنائية للبحث في انقاذ ما يمكن انقاذه وفي اسباب ما حدث ووسائل مواجهة ما يمكن أن يحدث على شاكلته في المستقبل. واذا ما تخلّفت هذه الهيئات عن الاجتماع والبحث تعرّضت للرجم بتهمة التقصير التي يخشاها كل مسؤول في الدول الديمقراطية .. الا دولتنا الاستثناء والشاذة، ودليل استثنائيتها وشذوذها ان الحكومة –حكومة دولتنا – لم تتداع الى اجتماع استثنائي عندما وقعت الكارثة الأخيرة (كما هي الحال مع كوارث كثيرة أخرى وقعت من قبل، ومنها الهجمات الإرهابية الكبرى، ولم تكلف الحكومة نفسها مشقة الاجتماع!!). ودليل استثنائية دولتنا وشذوذها أيضاً انه عندما دعت احدى الكتل البرلمانية (الاحرار) الى عقد اجتماع استثنائي لمجلس النواب للبحث في كارثة الفيضان يحضره “جميع المسؤولين الخدميين مثل وزير البلديات والمحافظين وأمين بغداد” بصفة “مستضافين” وليس لغرض مساءلتهم ومحاسبتهم، انتفضت “دولة القانون” مذعورة كما الفئران حين تشمّ رائحة القطط!
الحجة التي قدمتها الكتلة الحاكمة ان الجلسة المقترحة “ستتحول إلى دعاية انتخابية”!، وهي حجة متهافتة، فبيننا وبين الانتخابات أكثر من خمسة أشهر، فضلاً عن ان “دولة القانون” لم يسبق لها أن تجاوبت مع طلبات الجلسات الاستثنائية لمجلس النواب حتى تلك التي كانت قبل سنتين وثلاث.
أقل ما يمكن أن يُقال في موقف الكتلة الحاكمة انه “غير بنّاء”، فمن غير المعقول أن تغرق الدنيا ولا تعقد الحكومة جلسة استثنائية مفتوحة لمتابعة جهود الإغاثة.. ومن غير المعقول أيضاً أن تقف هذه الحكومة، حتى في هذا الوضع الكارثي، ضد قيام مجلس النواب بواجبه في استطلاع الوضع وتلمس الحلول من الوزراء وسائر المسؤولين المعنيين بالأمر مباشرة، فليس معقولاً أو مقبولاً أن يتخذ البرلمان موقف المتفرج في حال كهذه.
واضح ان “دولة القانون” لا تريد، هذه المرة أيضاً، لغسيل حكومتها القذر المتراكم أن يُنشر تحت الشمس في الهواء الطلق .. أما “الدعاية الانتخابية” و”التسقيط السياسي” فحجة.. وهي حجة بائسة ومتهافتة في الواقع.