الأمور بخواتيمها كما قيل منذ أقدم الأزمان. والحملة العسكرية التي تعد لها رئاسة الحكومة لاجتياح ساحة الاعتصام في الانبار تبررها هذه الرئاسة بتحول ساحة الاعتصام الى قاعدة رئيسة لتنظيم القاعدة الإرهابي (المعطيات الرسمية أعطت الرقم 30 لعدد قياديي القاعدة الموجودين في الساحة). من دون التشكيك في هذه صحة هذه المعطيات أو في اهداف الحملة العسكرية، فان ما يهمنا النتائج. فهل ستكون للحملة النتائج الموعودون بها؟
التجارب السابقة لا تجعلنا نثق بما يقال حكومياً. الحملة العسكرية ضد ساحة الاعتصام في الحويجة لم تسفر عن اعتقال أو مقتل قادة من القاعدة أو سواها من التنظيمات الارهابية، وهي لم تؤد الى تحسن في الاوضاع الامنية هناك، بل ان الاوضاع هناك وفي كل مكان في البلاد أسوأ مما كانت عليه قبل استخدام القوة المسلحة لفضّ اعتصام الحويجة.
وعلى جبهة طوزخرماتو التي حشد فيها الجيش قوات جرارة وُضعت في مواجهة ما هو جزء من القوات المسلحة الوطنية (البيشمركة)، فان تلك القوات، بعد طول مرابطة، عادت الى قواعدها وكأنك يا بو زيد ما غزيت. والواضح ان الحال الآن في طوزخرماتو وحواليها، كما في كركوك وحواليها وفي سائر أرجاء الوطن، اسوأ مما كانت عليه قبل الحشد على هذه الجبهة.
قد تكون لدى القائد العام للقوات المسلحة مبررات يراها قوية لاستخدام القوة المسلحة لمن اجل حل مشكلة الاعتصامات في الانبار، لكنّ رجل الدولة الحكيم والحصيف والمسؤول غالباً ما يفكّر بدل المرة عشر مرات وأكثر قبل أن يتخذ قرارات صعبة، وبخاصة تلك التي يتم اللجوء فيها الى القوة. ولقد تمنى الامام علي ان تكون له رقبة كرقبة البعير حتى يمضغ الكلام قبل ان يطلقه وحتى يفكر في الامر ملياً قبل اتخاذ قرار بشأنه.
أظن ان السيد نوري المالكي كان بوسعه في غير ما مناسبة أن يلجأ الى خيارات أخرى غير استخدام السلاح أو التهديد به. ولم يزل في إمكانه ان يفعل هذا. كيف؟ للمالكي شركاء قريبون في العملية السياسية، بينهم التيار الصدري والمجلس الاعلى الاسلامي. هذان الشريكان أعلنا صراحة انهما يعارضان استخدام القوة المسلحة ضد معتصمي الانبار، ولو كنت مكانه لألقيت بالكرة في مرمى هذين الشريكين، ولقلت لهما: لقد أعيتني الحيلة في التوصل الى تسوية مع معتصمي الانبار، واستقر رأيي ومن حولي من المساعدين والمستشارين على اللجوء الى القوة.. اذا كنتم ترون ان ثمة خياراً آخر يحق فآتوني به.. توسطوا بيني وبين المعتصمين لحل المشكلة سلمياً.
ما كان المالكي سيخسر شيئاً لو فعل هذا. كان يمكنه أن يمنح التيار الصدري والمجلس الاعلى مدة اسبوع أو اسبوعين أو شهر لاختبار خيارهما، فاذا نجحا فيه ربح الجميع وإن فشلا كسب المالكي سنداَ قوياً لعمليته العسكرية ضد معتصمي الانبار.
أظن ان هذا الخيار متاح أمام المالكي الآن وفي كل الاوقات وانه أفضل الخيارات.