لأن الشيخوخة هي اكتمال دورة الحياة؛
وانعطاف إلى نقطة البداية الأولى كما كنا لحظة ولادتنا ..
نعود كالأطفال مجددًا بذلك الخرف الذي يصيبنا ويمحو ذواكرنا،
وتصرفاتنا التي لا تتناسب وشعرنا الأبيض ولا جثثنا الضخمة!
لذا حين أصبحُ عجوزًا خرفةً وأعود طفلةً كبيرة؛
ألبسوني بنطالًا مريحًا بلون السماء الصافية وبلوزة قطنية بلون السحاب، واغمروني بكنزة صوفية لونها كالضوء الصباحي الناعم، علقوا على ظهري حقيبة خضراء زاهية مطرزٌ عليها بشكل بارز قطة وردية ضاحكة لأني لم أحظى بحقيبة كهذه في صغري أبدًا، وألصقوا بطاقة باسمي وعنواني عليه،زودوني بطعام لذيذ وحلوى وقصة أطفال ملونة، وأطلقوني في حديقة عامة وبيدي كيس طعامٍ للطيور..
أصدقائي الصغار في الحديقة سينتظرونني كل يومٍ في الموعد المحدد، نطعم حمام الحديقة معًا،ونتناول نحن قطع الحلوى حين أقرأ لهم قصتي الملونة عن روضة صغيرة في دولة بعيدة، ويخبرونني بحماسةٍ أنهم سيلتحقون بالروضة في العام القادم
منتصف اليوم سيجيبون نداء أمهاتهم اللواتي حضرن لإعادتهم لتناول الغداء في المنزل .. وسأبقى وحدي، أتناول وجبتي من حقيبتي حين أشعر بالجوع وأراقب الطيور والأزهار في الحديقة وأحيي الأطفال المارين بالحديقة في طريقة عودتهم من مدارسهم إلى منازلهم ..
وفي المساء سيأتي شباب صغارٌ لأشاهدهم يلعبون ويتقافزون ..
وبعض نساءٍ شاباتٍ سيقمن بالرد على تلويحي كلَّ يومٍ بابتسامة وتلويحة خفيفة ..
وحين تلملم الشمس خيوطها الذهبية وتتكور على نفسها وتغير ألوانها وتنسحب بهدوء نحو المغيب،..
مثل كل يومٍ؛ سيأتي شرطي الحي الشاب اللطيف ويمسك بيدي العجوز المجعدة والمرتجفة بيده القوية الشابة قائلًا: حان موعد العودة للمنزل يا جدتي!
ويقودني طول الطريق للمنزل وهو يمسك بيدي بكل محبة ،ويدندن أغنية طفولية عن صبي هرب ذات مساء من منزله لأنه كان خائفًا من أن تكتشف أمه أنه أضاع نصف أغنامهم، سنمشي ببطئ شديد وسيجاريني الشاب ويجبر قدميه الشابتين لتسيرا بسرعتي الواهنة كأنه يمسك بحزمٍ حصانًا بريًا من لجامه..
وحين أصل؛ أعدوا لي حمامًا دافئًا وحساءً لذيذًا، وغطوني جيدًا في فراشي لأنام بسلام ..
فربما لا أستيقظ غدًا أبدًا ..
وحينها ؛
ستنتظر الحمامات باستغراب في الحديقة ..
وسيسأل الأطفال أمهاتهم بحزن عني ..
ولن يجد شرطي الحي أحدًا يستمع لأغنيته الطفولية مجددًا ..