بعد انهيار هيكل نظام البعث اندلعت نافورات الأحزاب ووسائل الإعلام بكافة أشكالها المسموعة والمقروءة والمرئية، ومثل المحروم والجائع اندفعت أفواج من الأميين والذين ( يفكون الخط ) على تسمية المصريين للمبتدئين في القراءة والكتابة، مسنودين أو ممولين من مؤسسي أحزاب جدد أو رجال أعمال ( من أثرياء الحواسم ) أو تجار سياسة وحروب، إلى تأسيس أو إصدار صحف ومجلات وإذاعات وفضائيات تحت يافطة حرية التعبير والرأي وممارسة حق النقد ومراقبة الحكومة والبرلمان والعدل (!)، وباستثناء الوسائل الأصيلة منها والمعبرة حقيقة عن كونها وسيلة إعلام مهنية، فان معظمها تقوم بعمليات ارتزاق ولصوصية تفوق ما يقوم به الكثير من أعضاء الحكومة والبرلمان والقضاء من عمليات سرقة واختلاس وفساد وبيع وشراء في المناصب والمواقع، وحتى داخل المؤسسة العسكرية وصفقاتها المشبوهة، والتي أحالت واحدة من أغنى بلدان العالم إلى أفشلها وأفقرها وأكثرها تدهورا وتقهقرا، فهي بالتالي تقترف جرائم بحق الأهالي وتعمل على تسطيح عقولهم وإيهامهم، أو تشنيجهم وإشاعة الكراهية والأحقاد على خلفيات دينية أو مذهبية أو قومية، كما تفعل الآن عشرات الأبواق الدعائية في حملتها على الكورد وكوردستان.

 

     ولقد كشفت السنوات الأخيرة أنماطا من ” الكلاوجية ” أو ” الفهلوية ” في الدارجة المصرية، وأنواعا من الحرامية والنشالة السياسية والإعلامية وخاصة من الذين قدموا تلك الخدمات الفاسدة إلى كوردستان، اثر ازدهارها ونموها الاقتصادي وتحولها إلى واحة للاستثمار والأمن والسلام، مما دفع عشرات من تلك الطفيليات إلى ساحات مفتوحة في هذا الإقليم الناشئ، لكي تستقر في المفاصل الرخوة والزوايا المظلمة من مراكز الفساد، ولتستحوذ على مشاريع من شاكلة تأسيس قناة كوردستانية ناطقة بالعربية، كالتي أنجزها مرتزق بصيغة الاستخدام لمرة واحدة (Disposable)، أو إصدار جريدة عربية تخرج من اربيل، وهي من أفكار مرتزق آخر استخدم فهلويته للارتزاق، وآخر يؤسس مركز أو معهد لتطوير أو تعليم الديمقراطية، شرط أن يكون في عاصمة عربية لا تنام الليل (!)، ورابع من السياسيين البائسين يدعي إن نصف العراق معه ( وربما لا يتبعه حتى أفراد أسرته ) ويتوسل دعمه ببضع آلاف الدولارات لتغيير العملية السياسية نحو الأفضل وإعادة قاطرة الديمقراطية إلى سكتها الصحيحة كما ينظر هو من خلال نرجسيته واكاذيبيه.

 

   هؤلاء جميعا ليسوا نكرات بل كما يدعون ويعرفهم العم GOOGLE، بأنهم مفكرون وصحفيون وسياسيون، وليسوا مراهقون في العمر والسلوك، حيت تتجاوز أعمارهم سنوات النضج النبوي كما يقولون وتزيد، إضافة إلى العديد من المشاريع الفنية الفاسدة سواء في الغناء أو محاولة صناعة أفلام على شاكلة فلم القادسية الذي استهلك ملايين الدولارات لصالح مرتزقة من مصر ولبنان وسوريا وعرابيهم في العراق آنذاك، والغريب إن بعضهم ما يزال يصر على كونه مفكرا وسياسيا ومنظرا أو صحفيا لامعا أو كاتبا متميزا، وهو في الأساس فاقد لأهم قاعدة أخلاقية في أسس التعاطي مع مفردات وتفاصيل الحياة وقيمها العليا، ولعل ابرز أولئك الذين حاولوا التمثيل على هذا المسرح كانوا من المحسوبين على السياسيين، واندسوا إلى بازار الارتزاق باعتلائهم سلم الشعارات أو الادعاء بأنهم يؤمنون بحق تقرير المصير للشعوب، وإنهم أول من نادى بإقامة أو أحقية الكورد في دولة، ويباشرون بعد ذلك العزف على وتر في غاية التقديس لدى الكورد، بتنفيذ مشاريعهم الموبوءة بالاحتيال والاختلاس أو التسول والارتزاق، والأمثلة كثيرة ربما نأتي إليها في مقالات قادمة نتحدث فيها عن تفاصيل تلك الظاهرة المرضية التي انكشفت وبانت عوراتها، حيث مثلت بدقة واستحقاق عنوان مقالنا هذا وكانت أهم أعمدة الفساد والحرام في مالها ورزقها وسلوكها في كل المعايير.