من أظرف ما قرأت في الأخبار خلال اليومين الماضيين، وشر البلية ما يُضحك، ما جاء في أحدث تصريح للمفتش العام لوزارة الداخلية بشأن قضية الأجهزة المزيفة للكشف عن المتفجرات، ففي الحال تذكرت المثل الشعبي القائل “رايح للحج والناس راجعة من مكة”!
المفتش العام السيد محمد مهدي قال إن مكتبه “أنهى التحقيقات الخاصة بملف أجهزة الكشف عن المتفجرات”، وان “الملف أحيل إلى القضاء وهيئة النزاهة”. (المدى برس)
هذه الاجهزة التي صدّرها الينا تاجر بريطاني في صفقة شيطانية اشترك فيها مسؤولون أمنيون وسياسيون لا ذمة لهم ولا ضمير إنسانياً أو وطنياً ثبت منذ سنوات أنها مغشوشة، فهي من الأساس ليست مخصصة للكشف عن المتفجرات، لكننا اشتريناها بين العامين 2008 و2010 بوصفها كذلك ودفعنا في كل واحد منها ما يعادل ألف مرة سعره الحقيقي، فحقق التاجر البريطاني الغشاش أرباحاً فاحشة، تجاوزت 50 مليون دولار، منح جزءاً منها إلى مسؤولينا الفاسدين.
بسبب هذه الأجهزة المغشوشة مرّت، ولم تزل تمرّ، مئات الأطنان من المتفجرات من كل الانواع عبر نقاط التفتيش، لتتفجر في الأسواق والمدارس والمستشفيات والجوامع والكنائس والمعابد ودوائر الدولة والأحياء السكنية في محافظات البلاد ومدنها كافة، وليسقط فيها عشرات الآلاف من القتلى والمعاقين والجرحى، وليخلّف القتلى أيتاماً وأرامل لا أحد لهم، فيما تُرك المعاقون وعوائلهم لمصيرهم الأليم!
على مدى سنوات حقق الادعاء العام البريطاني من تلقاء نفسه – ليس بطلب منا- في القضية واستقر رأيه على إدانة ما قام به التاجر الغشاش، فوضع الملف في عهدة القضاء. القضاة البريطانيون اهتزت أبدانهم لأن صفقة شيطانية قاتلة قد تمت باسم بلادهم ولأن جريمة ضد بشر قد ارتكبت، فحكموا في أيار الماضي على التاجر الغشاش بالسجن عشر سنوات، مع ان بريطانياً واحداً لم يُقتل أو يُصب في حمام الدم العراقي المتواصل.
اما هنا فقد أُغلِق الملف على عجل بعد فتحه، وحُكِم بالسجن بضع سنوات على اثنين من المسؤولين يقال إنهما قُدّما كبشي فداء عن غيرهما من الفاسدين الكبار.
الان فقط، والناس عائدون من الحج، يشدّ مكتب المفتش العام في الداخلية الرحال الى مكة ! فيُحيل الملف الى القضاء وهيئة النزاهة.
ما سيكون مصير هذا الملف؟ .. الراغب في الحصول على جواب عليه أن يسأل عن مصير مئات الملفات التي أحيلت من مختلف الوزارات والهيئات إلى القضاء والنزاهة. لكن السؤال الأهم: لماذا هذا الإصرار العنيد على استخدام أجهزة كشف عن المتفجرات مغشوشة؟ وما سرّ هذه الاستهانة بعقول الناس ومشاعرهم .. وأرواحهم ودمائهم؟
—————-
تنويه
في عمود أمس فاتني ذكر عدد من زملائي البارزين في “طريق الشعب”، هم: محمد خلف ومخلص خليل وجمعة الحلفي ورجاء الزنبوري وجمعة ياسين ويوسف الناصر ومحمود حمد وحميد رشيد وقتيبة الجنابي وحسين السلمان .. تؤسفني خيانة الذاكرة هذه.