تطوّر أشكال المراقبة والعقاب، دفع الحقوقيين وحتّى المواطنين العاديين لتطوير أشكال المقاومة والاحتجاج. وتنوّعت هذه الأشكال حتّى وصلتْ إلى مرحلة إضرابات الجوع . وهي مرحلة تعدّ أكثر أشكال الاحتجاج تقدّما، للوقوف ضدّ القمع وضدّ إرادة الإنسان وإرادة الحياة.
مع ذلك للأشكال الأخرى حضورها الفاعل والمهمّ، والاعتصام والتجمهر والمسيرات والإضرابات ووضع الشارات الحمراء .
دون أنْ ننسى دعم وسائل الإعلام التقدّميّة، والتقدّميين من المثقّفين والسياسيين عبْر الصحف والقنوات التلفزيّة والإذاعية وحتّى المعلقات الحائطيّة .
بعضهم من الوطنيين جدّا، يرى مثل هذا ” السلوكيات ” و ” الحركات ” تأليبا للرأي العام وخيانة وطنيّة عقابها الإعدام.
طالما أنّ الممتهنين لهذه الأشكال المختلفة من النضال، هم شرذمة أو زمرة من الخارجين عن القانون والصّائدين في المياه العكرة.
مع ذلك لم تتقدّم أشكال النضال رغم وصولها لمرحلتها القصوى، وهي إضراب الجوع . بمعنى الوصول بالحياة إلى حافة الفناء من أجل موقف أو قضيّة ما.
أيْ أنها قفزتْ بالنضال إلى أقصاه، دون المرور بمراحل أخرى أهمّ.من شأنها أنْ تؤثّر في المتقبّل أو في الخصم السياسي .
فالفلاحين في أوربا ـ مثلا ـ يعمدون إلى إتلاف محصولاتهم الزراعيّة من الغلال أو الخضار في الطرقات العامة، احتجاجا على انخفاض سعرها أو انعدام الدعم الماليّ للفلاحين الصغار . وبذلك يضمنون الضغط على الاقتصاد الوطني والماسكين بدواليبه، ومن ناحية ثانية يضمنون دعم الجماهير والمواطنين والمتابعين من الإعلاميين وغيْرهم، حتّى أولئك الذين لا علم لهم بالاحتجاج المذكور .
وقد يحْتجّن بأنْ يصطحبون أغنامهم وأبقارهم وخنازيرهم أمام مقرّات الوزارات أو مجالس النواب أو مقرات الحكومات.احتجاجا على ارْتفاع أسْعار الأعلاف.
بالمثل عمَدَ بعض المدرّسين في دولة أوروبيّة إلى منح أعداد خياليّة ومضخّمة للتلاميذ رفضا لسياسة التعليم من جهة، و عدم الوصول إلى حلّ للقضايا العالقة من جهة أخرى.
رأيتُ أيضا وسمعتُ مواطنا أوروبيا يقطع أصابعه أمام وسائل الإعلام المرئيّة، كيْ يدْفعها إلى التعريف بقضيّته التي تتمثّل في اتّهامه بجريمة لمْ يرْتكبْها.
كلّ هذه الأشْكال المختلفة وغيْرها من النضال والاحتجاج، غيّرت مواقف وحلّتْ إشكاليات وكشفتْ حقائق .
إشكاليات لمْ تنْفتح عندنا ولم تُحلّ، رغم عشرات إضرابات الجوع والاحتجاج والاعتصام والتوقّف عن العمل … بل زادت في تعقيدها والذهاب بها إلى اللاحلّ . رغم أنّ بعض الحركات الاحتجاجيّة بواسطة إضرابات الجوع حقّقتْ أهدافها، لكنها انتصارات تعدّ على أصابع اليد الواحدة .
صحيح أنّ إضراب الجوع هو أكثر أشكال المقاومة عنفا وصداميّة، ضدّ الخصم السياسي، رغم ما فيه من مزالق ومخاطر، إلاّ أنه صار شكلا مبتذلا بسبب عدم قدرة بعض المُضْربين على اختيار المكان المناسب والتوقيت المناسب، من حيْث الجدْوى والمرْدوديّة وكسْب النقاط .
فليْس الهدف أنْ تُضْرب عن الطعام، بل الهدف فيما ستحقّقه هذه الحركة من مكاسب. مكاسب إذا كانت الأشكال الأخرى قادرة على افْتكاكها، فلا داعي للشكل الأقصى.
أنا أقول ” الأقصى ” لاعتقادي بذلك.غيْر أنّه من الممكن الوصول بحركة النضال إلى مسْتوى الانتحار في ساحة عموميّة أو إحراق الجسد أمام المارة والمشاهدين.
أسْأل الآن الفلسفة وفلاسفة اللغة تحديدا، إنْ كانوا قدْ تناولوا بالتحليل الجسد باعْتباره مقاومة. مثلما درسوه باعْتباره ” إشهارا ” أو لغة.
أقول مقاومة، وقد حضرت في ذهني أشكال المقاومة بتفْجير الجسد .. تفجير يسمّيه بعضهم انتحارا وآخر اسْتشهادا وغيْرهما جهادا وكثيرون يسمّونه إرهابا وبيْن هذا ذاك ملايين من البشر يداسون تحت براثن القمع والاستلاب والاحتلال والاسْتبداد و …