المتتبع لمسار القدس، يقف على حقيقة ثابتة وإن تغيّر شكلها عبر الأزمنة والأشخاص. فكلهم ينادي بتحرير القدس، والدفاع عن القضية الفلسطينية. وفي نفس الوقت يسعون بالفعل لبيعها بأبخاس الأثمان، وأمامك أمثلة من كل الأصناف، تدل على ذلك ..

 

في سنة 1948، اشترى العرب أسلحة فاسدة، لطرد الصهاينة وتحرير فلسطين. فبقي المُحتل ولم تتحررالأرض المحتلة، لأن القدس أطهر من أن يحررها فاسد بأسلحة فاسدة.

 

إن الجزائريين الذين ساهموا في حرب 1967و 1973، بالرجال والعتاد والطائرات والمال، وأمضوا  قيل لهم لابد أن تدفعوا ثمن البنزين. وتخيل أخوك العربي، يأتي من أقصى البقاع بطائراته ليدافع عنك، ثم تطلب منه هذا الطلب. وقبل تحرير القدس، لابد من تحرير العربي من شجعه وطمعه تجاه أخيه، الذي جاء ليموت دونه، وقدم لنصرته دون مقابل.

وصدام حسين، قال إن تحرير القدس يبدأ من تحرير الكويت، وتحويلها إلى محافظة 19 . والذين حاربوه قالوا إن تحرير القدس يبدأ من تركيع حضارة عمرها عمر الكون. فضاعت القدس بين احتلال الأخ، واحتلال الغريب.

 

ومعمر القذافي، طالب الفلسطنيين في جميع أنحاء العالم، أن يرحلوا إلى فلسطين ليحرروا وطنهم. فكانت النتيجة، أن طردوا من ليبيا شرّ طردة، فأعادوا ذكرى اللّجوء على يد الأخوة من جديد. فلا هم استقروا، ولا هم هاجروا لأوطانهم. وبقيت القدس بين شريد وطريد.

 

وقبلها طالب أحدهم الفلسطنيين أن يغادروا فلسطنين، ويستجمعوا قواهم ثم يعودوا لتحريرها، لأن وضعيتهم الحالية، لاتسمح لهم بمواجهة المحتل، ولأن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هاجر من مكة حين كان ضعيفا، وعاد إليها بعد أن استجمع قواه. فبقيت القدس دون أهلها، يعبث بها من ليسوا أهلها.

 

والمتأمل في الأزمة السورية، يرى أن كل دولة عربية تدعم فصيلا عربيا بالمال والسلاح والإعلام، لتحرير القدس عبر تحرير سورية. فاحتلت سورية من جميع الطوائف والأجناس. وكلهم يقول، لن نخرج من سورية، مادامت عوامل الاحتلال موجودة، وبقاؤنا هو تحرير القدس. وبقيت القدس إلى الآن محتلة من قبل أن يحررها التابع لهؤلاء والتابع لأولئك، ويحوّل سورية إلى خراب ورماد.