لما ابتليت الأمم بالأنظمة الديكتاتورية ، تكممت الأفواه ، وتكسرت الأقلام وركبت الأمور الرأي الواحد، ولكنها –رغم ذلك- سارت على نهج ما مُوحد الرؤية. سارت في نفق مظلم منظم ، فأقامت التفرقة على أسس مجحفة ولكنها رسمت مواقع مختلفة في الساحة الاجتماعية .
واشتاقت النفوس إلى الديمقراطية ، حرية التعبير وحرية الرأي، كل الآراء مقبولة، وكل له الحق في رفض الحق

حتى وإن أطل عليه من زاوية منحرفة. وتعالت الأصوات تطالب بالمساواة، وتنبذ –بإطلاق- كل الاختلافات.. بين الرجل والمرأة، بين الحاكم والمحكوم بين رأي مواطن وآخر . وأصبح الحق يقوم على هذا الخليط الذي يقوم بدوره على ترجيح الأغلبية.
بل ليته قام على الترجيح، والنظر والتصحيح. حسب قواعد منهجية بل قام على حسابات احتمالية التي توقف كل فرد على حصة متساوية مع الحصص الأخرى. فإن قيل أننا أمام اختيارين –على أدنى تخيير- قام الاحتمال بفتح باب آخر للاحتمال فقال : إن ½ هي أن تعطي احتمال النصف للأول والنصف الآخر للثاني. حيث أن احتمال حدث ما، هو النسبة بين عدد الحالات المواتية لذلك الحدث، والعدد الكلي للحالات الممكنة. شريطة أن تكون تلك الحالات متساوية الاحتمال. وها نحن نفسر الاحتمال باحتمال. بإيقاف الجميع على نفس الدرجة.
وتعطلت شؤون العباد بهذه المساواة اللاغية، لأنها تؤخذ على إطلاقها، لا على حساب مواقع الناس على رقعتها. ويحسب الناس أن المساواة –في عالم العباد- هي أوراق متشابهة مرت من خلال ” الكربون”. ولا يتصورون أن هناك مساواة بالاختلاف. ومساواة بالإتلاف ، ومساواة بالمساواة . والعدل يتحقق أحيانا كثيرة باختلاف كمية عن كمية أخرى إذا اختلفت ظروفهما. وهذا ما جعل سيدنا داوود –عليه السلام- يرى أن صاحب العدد الكبير من النعاج قد ظلم صاحب النعجة الواحدة. ولم يتفطن أن هذه النعجة مسروقة من ذاك العدد الكبير.
ومن حسنات الديمقراطية –الظاهرة- أنها لا تلغي الغير ، ولكن من سيئاتها أنها لا تحدد له المكان في قاعة المجتمع الكبرى. فتكاد تناضل –بل هي تناضل- أن تجعل لصوت العالِم نفس درجة الجاهل -في أمور مصيرية- وحجتها في ذلك أنها يسكنان أرضا واحدة. اعتمادا على مبدأ المواطنة. فالديمقراطية تجبرك –على حد قول برنارد شو- وترغمك على الاستماع إلى رأي الحمقى.
وهي هكذا مع قضية الأديان، فهي لا تريد أن تلغي الإسلام ، ولكنها تريد أن تساوي بينه وبين الديانات الأخرى. وتطلب منه أن لا يلغي هو بدوره الأديان كلها. و بهذه العملية تظهر الديمقراطية وكأنها عادلة، مُتَفهمة بعيدة عن كل أنانية الديكتاتورية. ولا يعلم الكثير أن هذه المساواة مختزِلة عازلة هازلة.
هي مختزلة مذ كانت كل النسخ واحدة، فأية ورقة تغني عن أخواتها. وهي عازلة؛ لأن كل الديانات السابقة محتواة في الإسلام، بوصفها ديانات مؤقتة. وهي فئات جزئية –بالتعبير الرياضي- محتواة في الديانة الشاملة المتمثلة في الإسلام. فإن نحن عمدنا ففصلنا وعزلنا الفئة الجزئية عن أمها الشاملة ، صارت الصغرى مزاحمة لأمها الكبرى فَتُقَزِّمها وتبعدها بل إنها ستلغيها تماما.
ذلك أنه إذا كانت لدينا فئة جزئية محتواة في فئة شاملة وبقيت الجزئية قابعة ومتحدة بالفئة الشاملة فيومها ستكون الكلمة للشاملة، ويكون النظام والانسجام. أما إذا ادعت الفئة الجزئية (الديانات الأخرى) أن لها الحق في الانفصال ثم المساواة ، فإن يومها لا تتساوى الفئة الجزئية بالفئة الشاملة –وليته يحدثه هذا- بل إن التي تختفي وتنزوي وتبعد وتنضوي هي الفئة الشاملة.
وهي هازلة ، لأنها تعمد إلى الديمقراطية لتمييع الحقائق، وذلك بفك الحدود وحل القيود وإتلاف الحيز الذي به نميز .. وكل ذلك بحجة حرية الرأي وحرية التعبير وحرية التدبير.
يعتبر الإسلام هو الفئة الشاملة الكلية، التي تضم جوانبها على المجموعات الجزئية التي تحقق جوانب صغيرة داخل المجموعة الكلية الشاملة.
فالديانات السابقة –كاليهودية والنصرانية- كانت بمثابة الفئة الجزئية، فهي عقيدة ونظام لزمن محدود، تنتظر قدوم الفئة الشاملة. وقد وُلدت فعلا هذه المجموعة الكلية مع البعثة المحمدية.
جاء في القرآن الكريم ما يبين العلاقة بين الفئات الجزئية والفئة الكلية الشاملة قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لمَِا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْه﴾ وعبارة: “مصدقا لما بين يديه من الكتاب” = الفئات الجزئية. وعبارة :”مهيمنا عليه” = الفئة الكلية الشاملة. و الفئة الجزئية تتمثل أيضا في قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلى الذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ . فالفئة الجزئية = { ..الذين أوتوا نصيبا من الكتاب }. والفئة الشاملة = { يدعون إلى كتاب الله } . وهي المجموعة الكلية بتعبير آخر.
فكل الديانات السابقة تعتبر محلية غير شاملة. أما الإسلام فهو المهيمن إذن فهو الشامل. فلا يمكن من باب تحكيم المنطق وحده في هذا المقام أن يُعترف –بعد نزول القرآن- بأية ديانة أخرى، بوصف الإسلام فئة شاملة كلية والديانات الأخرى فئات جزئية إلا على النحو الذي وصفه القرآن (مصدقا ومهيمنا) بمعنى أنه يحتويها ومُصاغَة في تصوره الأخير.
يؤكد هذا المعنى، غضب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حين رأى في يد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- صحيفة من التوراة. وقوله: إنه لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني. وفي ذلك قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾. وكل محاولة لجعل الفئة الجزئية –وهي هكذا جزئية- فئة كلية هي محاولة لضرب وتفتيت للفئة الكلية، وهي مؤامرة ليجلس التلميذ بجانب الدكتور، وليُصَنف العصفور مع مجموعة الصقور. فيخرج الدكتور من القسم غاضبا، ويهجر الصقر تلك الأجواء هاربا.
لتلك الأسباب المنطقية –بله الشرعية- تُرفض حكاية حوار الأديان، فنرفض أن تجلس الفئة الجزئية بجانب الفئة الشاملة الكلية التي تحتويها. ذلك أنه إذا كانت (أ) فئة شاملة و (ب) فئة جزئية محتواة في (أ) فإننا نحصل على:
أ ب = أ ، (يقرأ، أ اتحاد ب)
أ ب = ب . (يقرأ، أ تقاطع ب)
فإذا كان الإسلام فئة شاملة، -وهو الفئة الشاملة- وكانت النصرانية أو اليهودية فئة جزئية –وهي الفئة الجزئية- محتواة في الإسلام، فإننا نحصل على:
الإسلام اليهودية (أو النصرانية) = الإسلام. و
الإسلام اليهودية (أو النصرانية) = اليهودية. أو النصرانية طبعا.
ونورد فيما يلي بعض التعاريف حول المجموعة الشاملة الكلية: إنه إذا كانت (س) مجموعة ما فإن أية مجموعة (ع) تحقق الشرط س ع يمكن اعتبارها مجموعة شاملة بالنسبة للمجموعة (س). ويمكن تعميم ذلك كما يلي:

إذا كانت س1 ، س2،…، سن مجموعات فإن أية مجموعة (ع) تحقق الشرط:
سو ع يمكن اعتبارها مجموعة شاملة بالنسبة للمجموعات س1 ،…، سن .
مثال: إذا كانت أ = {1، 2، 3 } فإن (أ) نفسها، ب = {1، 2، 3، 4} ،…، ن = {1، 2، 3،…} كلها صالحة بأن تكون مجموعات شاملة بالنسبة لـ (أ). غير أنه يجب تثبيت المجموعة الشاملة في المسألة الواحدة. إذ لا يجوز اختيار أكثر من مجموعة شاملة في المسألة الواحدة.إن كل الديانات السابقة مجموعات ومجموعة الإسلام تحقق الشرط:
سو ع فهي مجموعة شاملة بالنسبة للمجموعات س1 ،…، سن .
فالديانة اليهودية = {تشريعات مؤقتة1 } فإن الديانة اليهودية نفسها في الديانة النصرانية التي = { تشريعات مؤقتة1، تشريعات مؤقتة2} ،…، الإسلام ={ تشريعات مؤقتة1 ، تشريعات مؤقتة2 ،…، تشريعات أخيرة}. أما شرط تثبيت المجموعة الشاملة، فقد ثبتها الله بأن جعلها خاتمة الرسالات.
وينسحب الأمر على القضايا الجزئية الأخرى كالمفاهيم الإنتمائية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.. والوطنية، والأسس العلمية والآفاق المعرفية.. الخ. فكلها مجموعات جزئية محتواة في النظرة الشاملة الكلية –التي تحددها المفاهيم الإسلامية- للكون والحياة والإنسان.
وكذلك إذا اعتبرنا تلك الفئات الجزئية -التي هي في مثالنا الديانات السماوية السابقة- متحدة مع الفئة الشاملة –التي هي في مثالنا الإسلام- فإنه يكون الاتحاد معناه إتلاف كل عنصر مشابه للعنصر الجديد –خاصة إذا كان العنصر فاسدا، كما هو المثال في الديانات المحرفة- وطرد كل ما هو مكرور مثل وصف العقائد السماوية بتصورات محرفة منحرفة هازلة…الخ. و يكون من ثَم الاتحاد –بالتعريف الرياضي،- عبارة عن أصغر مجموعة تحوي كل المجموعات الأخرى. أي: أنها تتحول من أكثر العناصر إلى أقلها، ومن أحزاب كثيرة إلى حزب واحد، ومن فئات متباينة عدة إلى فئة واحدة متحدة.
فإذا اعتبرنا –كما هي الحقيقة- جميع الديانات قد أعاد تأسيسها التحريف، وبُني تصورها -الذي كان ربانيا- بلبنات من صنع الهوى البشري، صارت تلك المجموعات الجزئية لا تحوي سوى المجموعة الخالية، كما نكتب الآن: الدين اليهودي = { } . والدين المسيحي = { }. فاتحادهما بالدين الإسلامي يعطي المجموعة التالية: { ، الدين الإسلامي }. وهي الحقيقة الوحيدة التي يجب أن تعتمد.
أين هنا أسس الحوار ؟! مع من تتحاور هذه المجموعة ؟ إنها المجموعة الشاملة الكلية الصحيحة الأخيرة؟ إنه الدين الوحيد الباقي. إنه النظام الرباني الذي ارتضاه للناس كافة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. إنه إن لم يكن الاتحاد –بالمعنى الذي أراده الإسلام، وهو الانضواء تحت هذا اللواء- فهو التقاطع الذي يطرد الكلي الشامل ليسبح -في الأجواء- ذاك الفارغ المائع الهازل. وهذا الذي يريدون وهو الذي يعنون.
ومن العجيب أن عطلتنا الأسبوعية – الجمعة- أقاموا بجانبها عطلة السبت، لإحداث التساوي الذي هو سياسة الإرادات المنفردة المتمثلة في: لا تُلْغِي بل مَيِّع ، ولا تَتَسَلَّط بل خَلِّط… وهكذا . حتى يتساوى الصحيح مع الزائف ، وتطمئن القلوب والنفوس إلى رؤية الباطل يقف بجانب الحق في ألفة وأخوة وتسامح!.
إنها لعبة الديمقراطية التي لا تتسامح إلا مع ما يدخل الجيوب، فتحرس الخزينة، وتحيطها برياضيات مُرْبِيَة جابِيَة وتحيل الإنسان إلى مُستهلك مُهْلِك مُنْهمِك، عبد للدينار بل عبد “للشكارة” مرتمي وسط ملذات الدعارة.. وتحيل الفكر إلى ذكاء “ذكاء الفئران” يخرج ببراعة من التواءات الدهاليز ، يحل الألغاز في استغلال الركاز ، ويخضع العقل للشهوات.
الفكر الذي هو رؤية أهداف الحياة، ووزنها بميزان الفناء برؤية دار البقاء ، الفكر الذي يحل المعادلة بحساب شطريها لا بحساب شطر واحد منها. كما تصنع الرأسمالية بنت أو أم الديمقراطية. الفكر الذي يعلمنا كيف نستعلي على الضرورات القاهرة، بالوقوف –ولو قليلا- على قمم الأريحية والنخوة، وأن نعيش بمبادئ لا تنظر فقط إلى المنفعة القريبة، بل تستشرف تلك المعاني السامية التي قد نُضَيِّع من أجل تحقيقها –في الظاهر العاجل- بعضا من منافعنا القريبة.. و هي هي التي تحقق الإنسانية في معناها الحقيقي.
إن الجمال –مثلا- لا يقترن بالضرورة. فهذه الأخيرة قاهرة مسيطرة ، بل هو العنصر الحر الطليق الذي تبحث عنه الإنسانية فتضيفه إلى موازين التقييم . وكل من تخلى عن الجمال بحجة أنه غير ضروري فقد انتكس وولي وتدنى وكل من لم يؤمن –مثلا- بالشعر وآمن –فقط- بالشعير فهو يعيش مع الحمير.
إن العقلانية في مجال الرياضيات وصناعة الأدوات بتوفير الأداة لتسهيل بعض الحياة لهي الوحيد التي يجب أن نعتمد. لكن استعمالها –وحدها- في مجال الحياة الاجتماعية بكل امتداداتها لهي النكسة إلى الحيوانية التي وقى الله عباده المؤمنين منها. وإن الرجل العقلاني في الحياة الاجتماعية –كما يقول برتراند راسل، وهو الرياضي المنطقي العقلاني- لا يكون إلا “الوحش اللإنساني”.

وتحيل اللانهائي إلى كم ، فلا خير ولا إحسان ولا رحمة ، فالكل مسير بحساب الكم المضبوط؛ الناقص هو المنقص للخير، والزائد هو المضيف للجيب ، ولا يفهم أن الإنقاص –أحيانا- زكاة ومضاعفة ولا ينتبه أثناء جريه ونهمه وشرهه.. بأن هناك بعضا من قوانين رياضياته ما يقول أن مضاعفة الناقص يعطي زيادة إيجابية موجبة. فالناقص في الناقص يساوي الزائد ( – × – = + ) .
يجب أن لا نسعى وراء مساواة رياضية بحتة. لأن الحياة بثراء أفكارها وتنوع مجالاتها ومناهجها أكبر من أن يحصرها الحساب. ولو قدر الله وحصرها الإنسان فيومها سيقتلها. ويجب أن لا نعتمد عقلانية عريانة بعيدة عن منهاج رباني يقيها شر الاستلزام واللزوم القائم على آلام الحس وملذاته. واستحسان العقل وتخميناته واحتمالاته إلا أن يكون كل ذلك مغموسا محروسا بمنهج رباني. يجب أن تعتمد –تلك المحاولات العقلية البحتة – في مجال التسخير لا في مجال التدبير.
ذلك أن مجال التسخير محروس بسنن كونية خبأها الله سبحانه في جميع الأنسجة المادية. فمساءلة الكون هو في صميمه المنهج التجريبي الذي تفخر به البشرية. ومن ثم فمعادلة التعرف على قانون هو في مساءلة الكون إن: معرفة قانون = التجريب + جواب التجربة.
أما في أمور التدبير فماذا تسأل ومن تسأل ؟ إن كل من تسأله فسيصعد بك إلى الأسفل وسيلطف خللك بخلل. ذلك أن ميدان الشهوات جاذب إلى الأسفل، نازل دائما معزز بتبريرات عقلية وتفسيرات منطقية أليست جوعة الجنس كجوعة البطن –قياسا- ؟. فلتكرم ضيفك -يقول المنطق- ببنت من بناتك كما أطعمته بقسط من خبزك.
إن هناك الكثير –ممن يشيد بالديمقراطية- من يظن أن الحرية هي البعثرة والشوشرة ، لا مسمار يدق فيثبت شيئا. لا تقليص من درجة التسامح ولو قليلا. وكأن الأشياء تسير بغير مثبت أو تدور بغير محور، أو تنجح بغير انضباط.
إن –مثلا- حقيقة الولاء والبراء في الإسلام لهو القانون المحافظ على قيام الحق والتواصي به والذود عنه وهو الحب في الله والبغض في الله . هو جاذبية لا تشد إلا العناصر الغيورة الحية، لإقامة العدل بموازين إلهية. وإن ” لا يجرمنك شنآن قوم ” لهو قانون فيزيائي –بقدر ما تطيقه الطبيعة البشرية المهتدية- لا يتأثر بجنس ولا بلون ولا بلغة ولا بقرابة ولا بأرض..

إن النقاش والاختلاف يكون على بساط منهج الله الخالق ، خير من توافق –وهذا فرض بعيد- أهواء على الأهواء. فالأول منهج رباني وأمر رباني ، والثاني منهج بشر وأمر بشر . وشتان شتان ..
يجب علينا أن نستبدل –في مجال التدبير- قضايا اللزوم والاستلزام “بالالتــزام”… الالتزام بالإسلام. وسيكون يومها الاستلزام واللزوم مغموس في منهج محروس.
أيتها الشعوب الإسلامية طالبي بالإسلام كنظام، ففيه المساواة الحقيقية، وهو –قبل ذلك وبعد ذلك- مسألة عقائدية فليس بمسلم من يرفض الإسلام كنظام ويقبله –فقط- شعائر تعبدية. لأنه ليس على الطريقة المسيحية. وما الشعائر التعبدية في ديننا إلا إمضاءات تعهد مكتوب على صفحاتها لا نخضع ولا نسير ولا نحكم ولا نعبد ولا نطيع إلا الله. وكل من عاداه وما عاداه فلا نصيب له منا إلا التمرد. ونستعين على ما نلاقيه من جراء الثبات على تحقيق تلك المعادلات الشرعية بالشعائر التعبدية.
وليست هي العبادات لوحدها تراد.. السجود من أجل السجود ، بل هو من أجل إقامة الحدود حسب ما يريدها لنا الرحمان الرحيم الودود.
والقرآن نزل ليعمل به، فحولوا قراءته –عبر القنوات- عملا . وانتهجوا الديمقراطية نظاما. وزينوها بأحاديث نبوية، وأدعية مأثورة ، وأضافوها إلى البرمجة العصبية والعبادة الطاقوية. فتصادف الحاكم الرافظ لتطبيق شريعة الله وإقامة الكتاب في واقع الحياة، يفتتح خطابه بالبسملة والصلاة على نبي هذا الأمة. ويختم قوله بقوله تعالى: {إِن أريد إلا الإصلاحَ ما استطعتُ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب }. وبهذا يكون قد تبنى المنهج الديمقراطي عملا وتطبيقا. وزَخْرَفَهُ دعاء وإيمانا !.
وتجد الفتاة كاسية عارية تدعي حب الله، ولا تني تذكر الأدعية الساترة والأذكار الواقية وكأنها متبعة لما قاله الله والرسول ، ومثل ذلك الشباب، وإن هي إلا ميوعة الديمقراطية تُوهِم الناس بأنهم يمارسون دينهم وما هم إلا مساكين لا يمسكون إلا بخيوط واهية من الدين.