ان التغيير هو حدث مرحلي يبدا بالاساس من خلال تطور في الفكر ثم ينعكس بعد ذلك في سلوك المجتمعات الاسلامية و يطال مختلف مظاهر الوجود الانساني. و رغم وجود مظاهر التطور الفكري في العالم الاسلامي الا ان فئة كبيرة من المجتمعات الاسلامية لازالت ترفض اي نوع من التجديد في المفاهيم و التصورات الخاصة بها و بالتالي ترفض فكرة التغيير و قبول الاختلاف. ان التغيير لا يتم الا من خلال نشاة شعور بالحاجة اليه. قليلا ما ينشا ذلك الشعور بصفة تلقائية نابعة من ذات الانسان وعادة ما يقتصر هذا الامر على المفكريين في العالم الاسلامي. قد يحتاج الناس الى سبب خارج عن الذات كحدث مفاجئ او قضية هامة تنبؤهم بضرورة التفكير مما يستوجب مراجعة قناعاتهم و تصوراتهم او ربما يؤدي ذلك الى نشاة ثورة فكرية شاملة كالتي ارتبطت بثورات الربيع العربي اليوم. اتخذت هذه الثورة الفكرية في البداية طابع سياسي مناهظ لدكتاتورية الانظمة الحاكمة تجلى في الشعارات المطالبة بتغيير الحكم ثم تميزت بعد ذلك بالشمولية واتخذت طابعا ثقافيا. اذ ولدت مظاهر الفوضى و العنف السياسي و الاجتماعي بعد الثورات لدى الكثير من الناس رغبة في الحوار و الجدل حول قضايا فكرية مختلفة. و تبدو الاحداث الواقعية اليوم اكثر دفعا للتغيير و تاثيرا في عقليات المجتمعات الاسلامية مقارنة بكتب و مقالات المفكريين المسلمين طوال السنوات الفارطة. بل واصبحنا نشهد عملية مطالعة و نبش في الموروث الفكري لعدة علماء و مفكريين قدامى ممن تم استبعادهم و نفيهم بسبب افكارهم الجديدة في عصرهم على غرار كتابات ابن رشد و المعري و فرج فودة و بديع الزمان سعيد النورسي و غيرهم.. فقوبل فكرهم بالاعجاب من قبل الكثير من المسلمين اليوم الى جانب انه يمثل مرجعا لعديد المفكرين اللذين تميزوا بالخصوصية و التجديد في عصرنا. لا شك ان لعملية رفض التغيير علاقة بسياسة الحاكم في عصر من العصور اما بسبب جهل هذا الحاكم و تعصبه لرايه او بسبب الخطر الذي تمثله الثورة الفكرية على نظام حكمه. ولم تقتصر مظاهر عرقلة الساسة لفكر الشعوب على العصور القديمة بل استمرت الى اليوم و باتت الية متوارثة من اليات الحفاظ على السلطة و تبرير الاستبداد و ممارسة التظليل و القمع فكانت الثورات الاخيرة بمثابة الرجة التي خلفت منذ نشاتها و الى اليوم ثورة فكرية طرحت في خضمها قضايا و مواضيع نقاش جديدة مقارنة بما كان سائدا في الماضي. و تعتبر “علاقة الدين بالسياسة” من اكثر المواضيع تداولا و انتشارا خاصة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي و التي طرحت من خلالها مواقف و رؤى متباينة بين مناصر لنظام حكم الاخوان المسلميين و بين مؤيد لمدنية الدولة و الفصل بين الدين و السياسة. قوبلت فكرة العلمانية بعد الثورات بالرفض من قبل العديد من شرائح المجتمع الاسلامي لاعتقادهم بانها معادية للدين و سرعان ما تطورت هذه النظرة لدى الكثير نحو موقف ايجابي داعي الى الحفاض على مظاهر الدولة المدنية بسبب انتشار اشكال المتاجرة بالدين و كذلك لاطلاعهم على الفكر الاسلامي المدافع عن النظام العلماني. و ان كانت احداث الثورات خاصة بدول الربيع العربي فان تاثيرها و انعكاسها الفكري يمتد نحو سائر الشعوب الاسلامية في عصر تكنلوجيات الاتصال و يوحد فئة كبيرة من الشعوب الداعية الى التعددية الفكرية و احترام الراي الاخر و المناهضة لاشكال العنف الايديولوجي و السياسي