بعد إنتهاك حرية الإعلام من أهم سمات نظم الحكم الإستبدادية .وقد تخلصت بعض الدول مما بات يعرف بالربيع العربي من حكامها الديكتاتوريين. لقد كشفت تقارير سنوية لمعهد فريدم هاوس حول حرية الإعلام تقدما ملحوظا في دول الربيع العربي .حيث سجلت كل من تونس ومصر وليبيا نقلة مهمة وتحولت من دول مضطهدة لحرية الإعلام إلى دول حرة جزئيا.في حين لم يطرأ تغيير واضح على مراتب الدول العربية الأخرى ،التي لم تشهد ثورات على غرار دول الربيع العربي .وإن قامت بإصلاحات ،حيث صنف التقرير الأردن في المرتبة 154 والمغرب 145.أما ترتيب دول الربيع العربي قال مدير معهد فريدم هاوس ،ديفد كرامر :«إنها خطوة إيجابية »كما أوصى بمتابعة تطور حرية الصحافة في هذه البلدان .
ولقد كشفت تقارير لمنظمة «مراسلون بلا حدود » التي تعنى برصد الإنتهاكات ضد حرية الصحافة والصحافيين حول العالم عن إرتفاع حصيلة الضحايا الصحفيين في الفترة الأخيرة .لابد وأن يستغرب المرء ذلك ،خاصة وأن عددا من الدول العربية التي كانت تعرف في السابق بقمعها لحرية الإعلام ،مرت أو لا تزال تمر بعملية تحول ديمقراطي يتوقع منها أن تفضي إلى تحسن أوضاع الصحفيين بدلا من إزديادها سوءا .فلماذا إرتفاع عدد «شهداء الكلمة » و «شهود لحقيقة »؟
وفي هذا السياق يؤكد الصحافي الألماني وخبير الشرق الأوسط شتيفان بوخن ،أن هناك تحسنا في أوضاع الصحافة في دول الربيع العربي ،مثل تونس و مصر و المغرب ، مستندا على ذلك بظهور عدد كبير من القنوات التلفزيونية والصحف التي تمثل تيارات مختلفة ، إلا أنه يشير ،وبرغم هذا العدد الكبير من وسائل الإعلام الخاصة ، إلا أن في مصر على سبيل المثال «جهات معينة لها مصالح فردية ضيقة تحاول أن تتدخل ميدانيا فيما يجري في مصر وأن تؤثر عليه ،هذا سؤ فهم لدور الصحافة |،»وفق تعبير الخبير الألماني.
أما الصحفي المصري وليد الشيخ فللفت الإنتباه إلى ظاهرة شراء القنوات التلفزيونية الخاصة في مصر و إستخدامها لتنفيذ أجندة الحاكم حسب رأيه . ويؤكد الشيخ على أن «حال الصحافة المصرية ساء بعد بداية الثورة ..هناك إستهداف واضح للصحافيين وقمع وضغط وتقييد للحريات »ملمحا إلى حالات قتل صحافيين مصريين أثناء الثورة والإعتداء على مراسلين أجانب من قبل «بلطجية النظام » .
ومن جانبه يلفت الصحافي السوداني المقيم في ألمانيا أمير حمد ناصر إلى أن هناك « خطا أحمر بين التغطية الإعلامية الحرة والتدخل في الأمن الداخلي والسياسي لدولة ما.. يجب أن تؤخذ قضايا الأمن الداخلي بعين الإعتبار أثناء التغطية الإعلامية وأن يكون تركيز (الصحافيين) أكثر قضايا الإقتصاد لأن إختلال توازن الإقتصاد هو ما يجلب المشاكل السياسية على الدول بشكل عام .»
ويعزز تقرير منظمة « مراسلون بلا حدود » لعام 2013 شهادات الصحافيين والناشطين الحقوقيين إذا سجل أن «الحكومات التي أفرزتها أحداث الربيع العربي إنقلبت على الصحفيين و المواطنين و المدونيين الذين نقلوا صدى المطالب و الطموحات من أجل الحريات على نطاق واسع .»
فتونس حسب التقرير مثلا تأخرت بأرع رتب لتحصل هذا العام على مرتبة 138 ،أما مصر فإحتلت المرتبة 158 من أصل 179 دولة وإحتلت المغرب المرتبة 136 أم الكويت فجاءت في الرتبة 77 وعزا التقرير أسباب تراجع حرية التعبير في بلدان كان من المفترض أن يحمل إليها الربيع العربي أزهار الإنفتاح والتحرر إلى النزاع الحاصل بعد الثورات والتعيينات على رأس وسائل الإعلام العمومية والإعتداءات الجسدية والمحاكمات المتكررة التي تقوم بها الحكومات الجديدة .
ومن هنا يضل الإعلام مهنة المتعب ويضل هامش الحرية متفاوت من بلد إلى أخر.