أختبار قدرة وقوة الإرادة الشعبية على رغبتها الحقيقية فى التغيير والقضاء على الفوضى والفساد، هو أختبار يمر بأصعب أوقاته لأنه أختبار يضع الإعلام فى قفص الأتهام ويجعله مجبراً على الإجابة على أسئلة مصيرية فى هذا الوقت الذى تحاول فيه أنصار المعزول أو بعبارة أوضح ميليشيات الجماعة المحظورة إستعادة وجودها بقوة الفوضى والرعب والإرهاب، ومحاولاتها أستغلال التمويل المالى الكبير الذى تتلقاه ممن يريدون تدمير مصر الحضارة والمدنية وتسليمها لأنصار الجماعة المحظورة وأنصارها من الجماعات التكفيرية التى تعيش بأموال وأفكار قادة الجماعة المحظورة وتجنيد الشباب البلطجية والعاطلين عن العمل للخروج فى مظاهرات تشعل الشارع المصرى، وواضح على وجه هؤلاء الشباب أنهم لا علاقة لهم بالتيارات الإسلامية إلا عندما يتعرفون على العمل الواجب عليهم القيام به وأستلامهم الأموال.

عندما أتصفح صور المتظاهرين فى الصحف والمجلات ومواقع الأنترنت، أكتشف حقيقة وواقع مؤلم لا يتكلم عنه أحد من خبراء الصحافة والمحللين الإعلاميين للأحداث، نعم أشعر بالشفقة والألم على صور شبابنا التى تدل ملامحه أنهم من المناطق الريفية أو الفقيرة من سكان العشوائيات وغيرها من الأحياء المعروفة بمستواها الأقتصادى المنخفض، أشعر بالشفقة لهؤلاء الشباب والشابات المتحمسين لأنهم قبضوا ثمن الصراخ وأستخدام القوة والعنف ضد رجال الشرطة وكأنهم أعداء وليسوا رجال الامن المسئولين عن حماية مجتمعهم، الإعلام فى قفص الإتهام لأن أهتمامه الوحيد بنشر أخبار المتظاهرين وصورهم لشغل القراء بأخبار سطحية، دون التوقف أمام هؤلاء المشتركين فى المظاهرات والتمعن فى وجوههم البسيطة التى تدل على الحرمان وإنعدام الأمل فى توفر فرصة عمل، وتعبر عن أزمة المجتمع المصرى الذى لم تستوعب بعد الحكومة المؤقتة أو وسائل الإعلام روح الثورة المصرية، إن غياب الروح الوطنية عن وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم لها دور كبير فى هذا الفشل والأزمات المجتمعية المتوالية.

إن الخطأ الكبير الذى يقع فيه الإعلام المصرى هو بحثه والسعى بإهتمام زائد عن الحد عن أخبار الجماعة المحظورة وأنصار المعزول وأى تجمعات لبضعة أفراد أو عشرات الأشخاص ليعلنوا خبراً عن مظاهرة هنا أو هناك، وتلك الأخبار تفيد كثيراً أصحاب تلك المظاهرات ليثبتوا للعالم أنهم ما زالوا متواجدين على الساحة ولن يستسلموا للهزيمة والفشل، بل دخلوا مع الدولة والمجتمع فى صراع دموى هدفه أسترجاع السلطة وعودتهم من جديد ليركع أمامهم الشعب المصرى حتى يشفع لهم المرشد وشيخ القبيلة ويقبلهم عبيداً فى عالمه الغيبى، من هنا يبرز دور وسائل الإعلام المختلفة فى توضيح الصورة الواقعية لما يتم أرتكابه يومياً من المشاركين فى تلك المظاهرات التخريبية، وأن التصعيد فى الحرب الإعلامية والمعلوماتية التى يقوم بها أنصار الجماعة المحظورة فى الخارج بالأخبار الكاذبة يراد بها تشوية صورة مصر وثورتها، لذلك فالإعلام الوطنى عليه ممارسة دوره فى مواجهة هؤلاء الذين يريدون تدمير الوطن لخدمة مصالحهم.

لابد أن تشعر تلك القلة المنحرفة الفكر والسلوك بأنها أقلية مرفوضة من الإرادة الشعبية، وأن الشعب المصرى الآن يمتلك إرادته وسيدافع عنها ضد كل عنف وفوضى وإرهاب، سيدافع عن وطنه مصر ضد أعداء الحرية ليضع كل أعداء المدنية والحضارة والتنوير والحداثة فى قفص الإتهام ليحاكموا عما أرتكبوه من جرائم فى حق مصر العظيمة الذين أرادوا بها شراً ليجعلوها قبيلة تخضع لشيخ الجماعة المحظورة وصالوا وجالوا فى جميع شوارع المجتمع المصرى يسيطر عليهم الأنفجار العدائى لكل ما هو مصرى، لزعزعة الأستقرار الأمنى والإجتماعى بعد أن عزمت ملايين المصريين على وضع حداً للفشل والأنهيار السريع فى مؤسسات الدولة بفضل سياسات مرسى وجماعته المحظورة.

إن جرى الصحفيين وراء كل من يقول عن نفسه أنه إسلامى أى أنه ينتمى لجماعات إسلامية لينقلوا عنهم ما يقولون من أخبار أو أحاديث، هو إعلان مجانى لنشر أفكار التخلف والعنف والأصولية لتلك الجماعات الإسلامية ومسمياتها المختلفة، إن الصحفيين بنشرهم ما يصدر عمن يزعمون أنهم قيادات فإنهم يعطونهم الشرعية فى الوجود والفرص الكبيرة لتصل أفكارهم إلى أكبر عدد من أبناء المجتمع لتضليلهم وإرهابهم، وبذلك يشترك الإعلاميون فى التواصل مع جماعات وأفراد يعملون فى الخفاء ضد الدولة وضد القانون، لأن ميثاق الشرف الصحفى والوطنى مغلق للتحسينات وكل ما يهتمون به هو القيام بسبق صحفى، عندما تنشر بعض الجرائد والمواقع الألكترونية فى صدر صفحاتها الأولى بعبارة: قيادى بالجماعة الإسلامية يشبه مرسى بحفيد الرسول والسيسى بمعاوية، وفى تفصيل الخبر نكتشف أن هذا القيادى هو مجرد فرد يطلق على نفسه شيخ وأنه عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية.

إن الإعلام المصرى غير المسئول وغير الوطنى يثبت بنشره تصريحات هؤلاء الأفراد أنه يبعث فيهم الحياة مرة أخرى، ليمارسوا مزيداً من الفوضى والعنف والأرهاب لأبناء الشعب المصرى، وأن وسائل الإعلام الغير أخلاقية تسلط الضوء على جماعات دينية خرجت ملايين المصريين لتخرجهم من دائرة الضوء بعد فشلهم إلى دائرة المواطنة ليكونوا مثلهم مثل أى مواطن يمارس حقوقه وواجباته نحو الوطن والمجتمع، لكنهم للأسف خرجوا على الإرادة الشعبية فى تظاهرات غير سلمية الغرض منها إشعال النار فى الدولة التى يعيشون تحت سقفها، بل أنهم أعلنوا بأعمالهم وتصريحاتهم أن المواطنة لا وجود لها فى مبادئ جماعاتهم وتنظيماتهم الإسلامية المحظورة.

للأسف فالإعلام الذى يمارس عمله بحرية أصبح يتخبط فى ممارسة دوره فى هذه الفترة الهامة من تاريخ مصر، ونسى الإعلاميون أن الوطن يحتاج إلى دعمهم لقيم الحداثة والتنوير وإعلام المواطن بدوره الوطنى فى بناء المجتمع وحمايته وإصلاحه من الأضرار اليومية التى يرتكبها أفراد فقدوا وطنيتهم وباعوا أنفسهم ليمارسوا أعمال التخريب والبلطجة وكأنهم عصابة إجرامية محترفة، لأن أهدافهم هى الخروج على القانون وإحداث الشغب فى المجتمع لخلق الصراعات والفتن التى تخدم مخططاتهم التآمرية على الوطن المصرى، فالأعمال الإنتقامية التى يمارسها المنتمين إلى تنظيم جماعة المحظورة منذ فوزهم فى الأنتخابات الرئاسية بالتزوير والتكفير وحتى اليوم، هى طعنات قاتلة فى قلب المجتمع المصرى ونحتاج الآن لإعلام نزيه قادر على تضميد جراح هذا الشعب وضرورة توعيته بحقوقه وواجباته