الإرهاب…لادين له…عبر التاريخ / 18
بقلم : عبود مزهر الكرخي

بيعة يزيد
وعَهِد لإبنه يزيد بولاية العهد.. يزيد وما أدراك ما يزيد؟.. الذي يصفه المؤرخون ومنهم الذهبي/ابن حزم، بأنه كان “ينكح الأمهات والبنات والأخوات في آن واحد”.. على شريعة اللاّت والعزّى.. ولم يكتف هذا الإرهابي اللعين بطلب البيعة من أهل المدينة بل طالبهم بـ (بيعة العبيد)، أي يبايعونه على أنهم عبيدا رقا أقنانا يمتلك يزيد كامل الحق بالتصرف في أملاكهم وحرياتهم وأرواحهم وأعراضهم، ولا ننسى ضربه لأقدس مقدّسات المسلمين (الكعبة المشرّفة) بالمنجنيق..
حتى الصحابي عبد الله بن حنظله قال عنه في وقعة الحرة خطب عبد الله بن حنظلة في الأنصار فقال يا قوم والله ما خرجنا حتى خفنا أن نرجم من السماء رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ، فهو شخص متهتك شارب لخمر ويلعب بالقرود ، ولا يملك أي معيار من الغيرة والشرف.
قال ابو الفرج الاصفهاني: «وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء أثقل عليه من أمر الحسن وسعد بن ابي وقاص، فدس اليهما سماً، فماتا منه (1)».
وقال ابن قتيبة الدينوري: «ثم لم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن الا يسيراً حتى بايع ليزيد بالشام وكتب ببيعته الى الآفاق (2)».
وتذكر الروايات عن بيعة يزيد ان معاوية أراد ان يعزل المغيرة بن شعبة عن الكوفة، ويستعمل عوضه سعيد بن العاص، فبلغه ذلك، فقال: الرأي ان أشخص الى معاوية فاستعفيه، ليظهر للناس كراهتي للولاية ، فسار الى معاوية وقال لأصحابه حين وصل اليه: ان لم أكسبكم الآن ولاية وامارة لا أفعل ذلك ابداً، ومضى حتى دخل على يزيد (3) وقال له: انه ذهب أعيان اصحاب النبي صلى اللّه عليه (وآله) وسلم، وكبراء قريش وذوو أسنانهم !(4) وانما بقي أبناؤهم، وأنت من أفضلهم ! وأحسنهم رأياً ! وأعلمهم بالسنة !! والسياسة !، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة ؟ قال: أَوَترى ذلك يتم ؟ قال: نعم. فدخل على أبيه، وأخبره بما قال المغيرة، فأحضر المغيرة وقال له: ما يقول يزيد ؟. فقال: يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان، وفي يزيد خلف (!)، فاعقد له، فان حدث بك حادث كان كهفاً للناس وخلفاً منك، ولا تسفك دماءٌ (!!). ولا تكون فتنة (!!).
والملاحظ أنه سئل المغيرة عن ذلك فأخبره وزخرف له القول بأحقية يزيد العابث الماجن بولاية العهد وحتى معاوية كان يتهيب من ذلك ومعرفته بابنه اللعين فقال للمغيرة وهو متخوف من الأمر (ومن لي بذلك) ، قال: ومن لي بهذا ؟ قال: أكفيك أهل الكوفة، ويكفيك زياد أهل البصرة، وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك. قال: فارجع الى عملك، وتحدث مع من تثق اليه في ذلك، وترى ونرى.
«فودّعه ورجع الى أصحابه. فقالوا: مه ؟. قال: لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد !!، وفتقت عليهم فتقاً لا يرتق أبداً ! (5)».
وأمر معاوية المغيرة أن يكتم الأمر ولا يظهره إلى الملأ من بني أمية والناس لمعرفته ودهاءه في تسيير الأمور وأستشار زياد أبن أبيه وأوصاه بالكتمان وعدم نشر الخبر ولم يمنعه زياد لمخافة أن يغضب عليه معاوية ويحرمه من المصالح والمزايا التي يعيش بها وحتى أهل بيته كانوا ممتعضين من بيعة يزيد وأرادت زوجته الأخرى فاختة أرادت البيعة لأبنها عبد الله وقالت له(ما أشار به عليك المغيرة؟…أراد أن يجعل لك عدواً من نفسك يتمنى هلاكك كل يوم )واشتدت نقمة مروان على يزيد لأنه كان يرى أنه أحق بالملك وعندما طلب أخذ البيعة من أهل المدينة كتب إلى معاوية(أن قومك قد أبوا إجابتك إلى بيعتك) فعزله معاوية وولى المدينة إلى سعيد بن العاص وحاول أقناع عبد الله أبن الزبير وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر والحسين(ع) ولكن لم تنفع معهم كل حيلة وتهديد فكتب معاوية إلى سعيد(فهمت ما ذكرت من أبطاء الناس وقد كتبت إلى رؤسائهم كتباً فسلمها إليهم ..وأنشد عزيمتك وتحسن نيتك وعليك بالرفق وأنظر حسيناً خاصة فلا يناله منك مكروه فأن له قرابة وحقاً عظيماً لاينكره مسلم ولا مسلمة.. وهو ليث عرين، ولست آمنك إن ساورته ألا تقوى عليه) ومن هذه المقولة لمعاوية اللعين يعرف منزلة أبي الشهداء ومقدار حب الناس له وشجاعته وصفاته الكريمة التي يشهد بها عدوه قبل صديقه ولم يستجيب له أي من الذين ذكرتهم وهدد المذكورين ماعدا الحسين الذين لم يحضر لترفعه عن الحضور في مجلس معاوية فعند ذلك قام وقام يخطب بالناس وجعل رجل سياف على كل من أبن الزبير وأبن عباس وأبن جعفر وأمر صاحب حرسه بضرب أعناقهم أن كذباه في حالة الخطبة لأخذ البيعة للملعون يزيد وقال(هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم لا يبرم أمر دونهم ولا يقضي إلا على مشورتهم ، وأنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد ) فبايعوه على أسم الله فبايع الناس وهكذا كانت البيعة المشبوهة في الحجاز والتي أخذت بالترهيب والتهديد ولم يبايع يزيد أهل البصرة والكوفة وخراسان إلا عدد قليل منهم ، ولم يبايع سيدي ومولاي أبا عبدالله (ع)فهل يرضى أمامنا بمثل هذه البيعة التي لا يقرها أي مسلم ولا حتى كافر ، وحتى مروان بن الحكم ثار ضده مع أخواله الذين ساندوه وذهبوا إلى الشام ولكن على عادة معاوية جرى لهم الأموال إليهم وإلى مروان فسكتوا وحتى سعيد بن عثمان بن عفان كان غاضباً على ملك يزيد ولكن معاوية رشاه وولاه خراسان فلذلك حتى بني أمية يبغضون يزيد وولدت البيعة في أضواء التوجس والخوف والإكراه وقطع الرقاب والذبح.
وفي روايات أخرى تذكر أنه «وكتب معاوية الى عبد اللّه بن عباس والى عبد اللّه بن الزبير والى عبد اللّه بن جعفر والى الحسين بن علي، يدعوهم الى البيعة ليزيد !.
” وكان كتابه الى الحسين عليه السلام ما لفظه -: «أما بعد. فقد انتهت اليَّ منك امور، لم اكن اظنك بها، رغبةً بك عنها، وان احق الناس بالوفاء من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك اللّه بها، فلا تنازع الى قطيعتك، واتق اللّه !!. ولا تردَّنَّ هذه الامة في فتنة !!. وانظر لنفسك ودينك وأمة محمد، ولا يستخفنَّك الذين لا يوقنون !!» (6).
– فكتب اليه الحسين بما يلي -:
( أما بعد فقد جاءني كتابك، تذكر فيه أنها انتهت اليك مني أمور لم تكن تظنني بها رغبةً بي عنها، وان الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد عليها الا اللّه تعالى. واما ما ذكرت انه رقى اليك عني، فانما رقاه الملاقون المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الجمع. وكذب الغاوون المارقون، ما أردت حرباً ولا خلافاً. واني اخشى اللّه في ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المحلين ، حزب الظلم وأعوان الشيطان الرجيم. الست قاتل حجر وأصحابه العابدين المخبتين، الذين كانوا يستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ؟. فقتلتهم ظلماً وعدواناً، من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكدة، جراءة على اللّه واستخفافاً بعهده، أَوَلست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة ؟ فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم (7) لنزلت من شعف (8) الجبال. أولست المدعي زياداً في الاسلام فزعمت أنه ابن أبي سفيان ؟، وقد قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه (وآله) وسلم، أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، ثم سلطته على أهل الاسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ويصلبهم على جذوع النخل !. سبحان اللّه يا معاوية، لكأنك لست من هذه الامة وليسوا منك !!. أولست قاتل الحضرمي الذي كتب فيه اليك زياد أنه على دين علي ؟، ودين علي هو دين ابن عمه صلى اللّه عليه وسلم الذي أجلسك مجلسك الذي انت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين، رحلة الشتاء والصيف، فوضعها اللّه عنكم بنا، منةً عليكم !.
وقلت فيما قلت: لا تردَّ هذه الامة في فتنة. واني لا أعلم فتنة لها أعظم من امارتك عليها.
وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولامة محمد، واني واللّه ما أعرف أفضل من جهادك (أي: قتالك)، فان أفعل، فانه قربة الى ربي، وان لم أفعل، فأستغفر اللّه لذنبي، واسأله التوفيق لما يحب ويرضى.
وقلت فيما قلت: متى تكدني أكدك، فكدني يا معاوية فيما بدا لك، فلعمري لقديماً يُكاد الصالحون، واني لأرجو ان لا تضر الا نفسك، ولا تمحق الا عملك، فكدني ما بدا لك !.
«واتق اللّه يا معاوية !، واعلم ان للّه كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها ! واعلم ان اللّه ليس بناس لك قتلك بالظنة وأخذك بالتهمة، وامارتك صبياً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب !!. ما أراك الا وقد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعية، والسلام (9)».
ثم قدم معاوية بعد ذلك الى المدينة، ومعه خلق كثير من أهل الشام عدهم ابن الاثير بألف فارس. قال: «ثم دخل على عائشة، وكان قد بلغها انه ذكر الحسين وأصحابه وقال: لاقتلنهم ان لم يبايعوا.. فقالت له فيما قالت: وارفق بهم فانهم يصيرون الى ما تحب، ان شاء اللّه !! (10)».
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ المقاتل (ص 29).
2 ـ الامامة والسياسة (ج 1: ص 160).
3 ـ وذكر البيهقي في المحاسن والمساوئ (ج 1: ص 108) مناورة المغيرة بن شعبة هذه، ولكنه رأى أو روى ان المغيرة ابتدأ بمعاوية اولاً، وان معاوية لما وثق منه أرجعه الى عمله وقال له: «انصرف الى عملك، وأحكم الامر لابن اخيك، وأعاده على البريد يركض (كذا)».
4 ـ انظر الى مكانة السن في عرف المغيرة..
5 ـ كامل ابن الاثير (ج 3: ص 198 – 201). وفي هذا الحديث ما يشعرك بروحية المغيرة بن شعبة ومدى غيرة هذا الصحابي ذي الفتوق على أمة محمد (ص) !.
6 ـ الإمامة والسياسة: 1 / 201.
7 ـ العصم [جمع اعصم] وهو: (الظبي في ذراعيه او في احداهما بياض وسائره أسود او احمر).
8 ـ الشعفة بالتحريك: (رأس الجبل). وشعفة كل شيء: (اعلاه) وجمعه: [شعف] محركاً في النص.
9 ـ ابن قتيبة (ج 1 ص 63 – 65). موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ – ج ٥. ص 302 . منشورات المكتبة الشيعية. لإمامة والسياسة: ١ / ٢٠٢؛ رجال الكشي: ١ / ٢٥٢ / ٩٩، الاحتجاج: ٢ / ٨٩ / ١٦٤ كلاهما نحوه، بحار الأنوار: ٤٤ / 212 / 9.
10 ـ أقول: ولنا ان نفهم من هذه اللغة أن ام المؤمنين نفسها كانت قد صارت الى ما يحب معاوية من البيعة ليزيد !!