الإرهاب…لادين له…عبر التاريخ / 15
بقلم : عبود مزهر الكرخي

ونحن قد أهل علينا شهر محرم الحرام ، وهو شهر أحزان محمد وآل محمد(صلوات الله عليهم أجمعين ، لابد أن نستعرض فاجعة الطف الاليمة والتي فيها يستذكر كل الموالين والمسلمين والبشرية أجمع على ما جرى على سبط رسول الله(صل الله عليه وآله)وخامس أصحاب الكساء الإمام الحسين(عليه السلام)من قتل وعنف ودم بحقه وبحق آل بيته الطيبين من ذراري رسول الله(صل الله عليه وآله)واصحابه المنتجبين ، والتي فاقت ما جرى فيها كل مراتب الإرهاب وبكل صنوفه وحيثياته ، والتي ترتقي إلى جرائم بحق الإنسانية في قتل وهتك حرمات أهل بيت النبوة ، ومن هنا كان حريَّ بنا أن نستعرض كل الوقائع التي حدثت في تك المأساة الإنسانية وبكل فصولها قبلها وبعدها ، ومن هنا سوف نحلل كل تلك الأحداث والوقائع ونلقي الأضواء عليها وبكل واقعية وموضوعية.
الإرهاب وبنو أمية
وكما استعرضنا من قبل أن للجريمة جذور موغلة في القدم والتي القينا الضوء عليها ومنذ قابيل وهابيل والتي اطلقنا عليها صفة الإرهاب وإلى يومنا الحاضر ، وكان التفنن في القتل والعنف هو الصفة الملازمة لتلك الأقوام والتي لاحظنا كان فيها الأنبياء والرسل والصالحين في مقدمة تلك الضحايا ، وكان يتراوح أن يتخذ بين الطابع الجنائي والطابع السياسي في كل ما جرى في ذلك الأجرام المتعدد الوجوه والأشكال.
ولكنه أتخذ الطابع السياسي وليطفو على السطح وبصورة واضحة ، هو في عهد الشجرة الملعونة الأموية ، وفي ذلك يقول الرسول الأكرم (ص): ..(“ما أوذي نبي مثلما أوذيت”)، ولاشكّ بأن الأذى الذي كان يقصده النبي (ص) هو الأذى الذي لحق به و ذريته على يد الشجرة الملعونة في القرآن (بنو أمية) كما يصفهم القرآن عن لسان الرسول الأكرم وعن طريق أم المؤمنين، أو بنو الزرقاء كما سمّاهم المؤرخون ومشاهير الكتّاب، فقد وصفهم سعيد بن جهمان بـ (بنو الزرقاء)، مثلما وصف الخوارج بـ (الأزارقة)، وهذان الفريقان هما أصل الإرهاب في التاريخ.
وبنو الزرقاء هم الذين جمعوا بين البغي والبغاء…والذي أشار إلى هذا الأمر الكاتب المصري (أسامة أنور عكاشة) في مقاله الجريء “لاغرابة أن نرى الدماء تلّون كل أوراق تاريخنا”.. حيث يشير فيه الى أن الزرقاء بنت وهب، هي من البغايا وذوات الاعلام والرايات ايام الجاهلية وتلقب بالزرقاء لشدة سوادها المائل للزرقة وكانت اقل البغايا اجرة، ويعرف بنوها ب (بني الزرقاء) وهي زوجة ابي العاص بن امية، ام الحكم بن ابي العاص (طرده الرسول من المدينة).
ومن تتبع التاريخ والسيرة المجرمة الى بنو الزرقاء أي(بنو أمية) ، وعلى رأسهم رأس الشرك والنفاق وشيخ البغايا(أبو سفيان) ، أنهم كانوا في طليعة المحاربين إلى النبي الأكرم محمد(صل الله عليه وآله)وبكل قوة وعنف للإبقاء على نفوذهم التجاري والاجتماعي كونه ينظر الى استحالة توحيد الآلهة (اللاّت والعزى وغيرهما) في إله واحد، فهؤلاء (الآلهة) هم آلهة “عبادة وتجارة وسلطة “.. كما أشار أبو سفيان الى ذلك في حديثه الى عمار بن ياسر (ع) في بداية الدعوة حينما كان يعذبّه على مرأى ومسمع (آكلة الأكباد) هند بنت عتبة التي اشتهرت وكما يصفها (أسامة أنور عكاشة) بالبغاء السري.. هند التي يتراءى الى الأذهان موقفها الشنيع بتقطيعها كبد سيدنا الحمزة (ع) بأسنانها الصفراء، تماما كما فعل أفراد ما يسمى بـ (جبهة النصرة ولواء شهداء اليرموك) بجسد جندي سوري فتحوا صدره وهو حي ، اقتلعوا قلبه ليقطعوه بأسنانهم.. المشهد الذي استنكرته الأمم المتحدة والذي لا يمكن أن تجد له مثيلا في التاريخ سوى ما فعلته شيخة البغاء السري، فهؤلاء الأحفاد من تلك الجدّة.. شرُّ خلَفٍ منحرف جانح لأشرُّ سلفِ تعسِ طالح.
ومن هذا السلف المجرم خرج خلف أشد أجراما وفتكاً حيث ولدت الجدة الأولى للإرهاب(خال المؤمنين)فيما بعد ، كما يصفه بعض الكتاب والعلماء من أصحاب الهوى الأموي ، وهو معاوية ، لكن مما لم يتم التأكد منه، إن كان معاوية بالفعل هو ابناً لأبي سفيان أم أن الحال كما ذكر الكاتب عكاشة وفقا لمصادر تاريخية موثوقة حيث يقول “أن معاوية بن هند يعزى الى أربعة نفر غير أبي سفيان”.. وذلك ما يرجحه كل ذي عقل عندما يعلم بأن معاوية قد قتل خير أهل زمانه سواء بالسُم عندما قتل الإمام الحسن بن علي (ع)، وقتل عمّار بن ياسر، وحِجر الخير بن عدي، وحرق محمد بن أبي بكر النقي حيّا بعد أن وضعه في جوف حمار وكما ذكر (النووي/الهيثمي/ الطبراني).. وثنّى الجريمة بأخته أم المؤمنين عائشة زوجة الرسول الأكرم (ص)،عندما أصدر أمرا مباشرا منه لجلاوزته بنصب فخ لها ودفعها الى حفرة عميقة مع حمار كانت تمتطيه لتلقى حتفها في تلك الحفرة…وقد لعنهم رسول الله(صل الله عليه وآله) في حديث مسند في كثير من أهل السنة ، والرواية تذكر : نظر رسول الله(صل الله عليه وآله) الى ابي سفيان وهو راكب ومعاوية واخوه احدهما قائد والآخر سائق ، فلما نظر اليهم رسول الله قال ( اللهم العن القائد والسائق والراكب ) قلنا انت سمعت رسول الله ؟ قال : نعم والا فصمت اذناي (1) . وانظر الى رسالة محمد بن ابي بكر الصديق التي وجهها معاوية فقد جاء فيها : وقد رأيتك تساميه وانت انت وهو هو اصدق الناس نية وافضل الناس ذرية ، وخير الناس زوجة ، وافضل الناس ابن عم اخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة وعمه سيد الشهداء يوم احد ، وابوه الذاب عن رسول الله ونحن حوزته . وانت اللعين ابن اللعين لم تزل انت وابوك تبغيان لرسول الله الغوائل وتجهدان في اطفاء نور الله ، تجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل ، وعلى ذلك مات ابوك وعليه خلفته (2)ولم ينف معاوية لعنة ولا لعن ابيه مع انه قد رد رداً بليغاً على هذه الرسالة (3)
وأن من يستنكر لعن معاوية وبالتالي بنو أمية فهو ما يكون إلا تأسياً بالرسول الأكرم الذي وفي احدى سفراته (ص) سبق وأن لعن معاوية مع عمرو بن العاص عندما كانا يتغنيان معا كالغجر استهزاءً بالآخرين من أقرانهم في السفر، وكما ذكر أحمد في مسنده /الهيثمي في مجمع الزوائد ، حيث حدثنا : ‏ ‏عبد الله بن محمد ‏ ‏وسمعته ‏ ‏أنا من ‏ ‏عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ‏ ، حدثنا : ‏ ‏محمد بن فضيل ‏ ‏، عن ‏ ‏يزيد بن أبي زياد ‏ ‏، عن ‏ ‏سليمان بن عمرو بن الأحوص ‏، ‏قال : أخبرني ‏رب هذه الدار ‏ ‏أبو هلال ‏، ‏قال : أسمعت ‏ ‏أبا برزة ‏، ‏قال : ‏ ‏كنا مع رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏في سفر فسمع ‏ ‏رجلين ‏ ‏يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر وهو يقول :
لا يزال ‏ ‏حواري ‏ ‏تلوح عظامه ‏ * ‏زوى ‏ ‏الحرب ‏ ‏عنه أن يجن فيقبرا‏.
‏فقال النبي ‏ (ص) ‏: ‏انظروا من هما قال : فقالوا : فلان وفلان ، قال : فقال النبي ‏(ص) :‏ { ‏اللهم ‏ ‏أركسهما ‏ركسا ‏ ‏ودعهما إلى النار دعا }.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ ابن مزاحم المنقري ، وقعة صفين ص 220 . تاريخ أبي الفداء – أحداث سنة مئتين وثلاثة وثمانون – ( 30 من 87 ). مسند البزار – البحر الزخار – ما أسند سفينة. الهيثمي – مجمع الزوائد ومنبع الفوائد – الجزء: ( 1 ) – رقم الصفحة: ( 113 ). الطبري – تاريخ الطبري – الجزء: ( 8 ) – رقم الصفحة: ( 185 )
مسند البزار – البحر الزخار – ما أسند سفينة الهيثمي – مجمع الزوائد ومنبع الفوائد – الجزء: ( 1 ) – رقم الصفحة: ( 113 ). الطبري – تاريخ الطبري – الجزء: ( 8 ) – رقم الصفحة: ( 185 )
2 ـ راجع مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 14 وقد نقلت هذا المقتطف حرفياً .
3 ـ راجع المرجع السابق ج 3 ص 15 و 16 من مروج الذهب للمسعودي
4 ـ أحمد بن حنبل – مسند الإمام أحمد بن حنبل ، أول مسند البصريين – حديث أبي برزة الأسلمي (ر). الجزء : ( 4 ) – رقم الصفحة : ( 421 ). الهيثمي – مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. كتاب الأدب – باب ما جاء في الشعر والشعراء. الجزء : ( 8 ) – رقم الصفحة : ( 121 ). لذهبي – سير أعلام النبلاء – الصحابة رضوان الله عليهم – معاوية بن أبي سفيان. الجزء : ( 3 ) – رقم الصفحة : ( 132 ). الطبراني – المعجم الكبير – باب العين – من اسمه عبد الله. الجزء : ( 11 ) – رقم الصفحة : ( 38 ). الطبراني – المعجم الأوسط – باب الميم – من اسمه محمد. الجزء : ( 7 ) – رقم الصفحة : ( 133 ). ابن حجر العسقلاني – المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية كتاب الأدب – باب الشعر. الجزء : ( 11 ) – رقم الصفحة : ( 538 ).