الإرهاب…لادين له…عبر التاريخ / 14
بقلم : عبود مزهر الكرخي

حكم بنو أمية
وليأتي تاريخنا العربي المجيد كما يدعون بحقبة سوداء ظالمة سوداء وهو حكم بنو امية ، وبنو أمية، هم الفرع الثاني من قريش، حكموا في الدولة الإسلامية قرابة قرنٍ، واتّخذوا من الشام مقراً لهم ومن دمشق عاصمة لدولتهم، وكانت فترة حكمهم ما بين عام (41 هـ/ 661 م) إلى (132 هـ/ 750 م)، كما أنهم أسسوا لاحقاً دولة في الأندلس عاصمتها قرطبة.
أول خلفائهم معاوية بن أبي سفيان سنة 41 هـ، وآخرهم مروان الحمار.
ورد ذكر بني أمية في أحاديث الفريقين (الشيعة والسنة) على أنهم هم الشجرة الملعونة في القرآن؛ حيث نقلت رؤيا النبي (ص) لهم، وهم ينزون على منبره نزو القردة.
أمية
هو أحد أبناء عبد شمس بن عبد مناف، وعليه فبنو أمية يلتقون مع بني هاشم في عبد مناف، ويقال له أمية الأكبر في قبال أخيه أمية الأصغر (1).
لم يُذكر أمية هذا في الروايات إلا في مواطن ذكر مدى العداء الذي كان يكنّه لبني هاشم، وقد روي أنّ ولادة عبد شمس وهاشم كانت متزامنة، وكان إصبع أحدهما ملتصق بجبهة الآخر، ولما فصلوهما سال الدم (2).
وفي رواية أخرى أنّ أمية كان يحسد عمّه على ما له من منزلة ومقام، ومع أنّه كان ثرياً إلاّ أنه لم يتمكن من أن يكون مثله كريماً سخياً، ولقد صار ذليلاً حقيراً بين الناس، حتى أنّه كانت بينه وبين هاشم مناوشات ومحاكمات أدّت به إلى أن يخرج إلى الشام مدة عشر (10) سنين (3).
ومن جهة أخرى ذكرت بعض المصادر بأن أمية لم يكن من صلب عبد شمس وإنما هو عبد من الروم فاستلحقه عبد شمس ونسبه إلى نفسه، ولهذا وصفه الإمام علي (ع) باللصيق(4) ولكن يقول ابن أبي الحديد بأن الإمام (ع) يقصد باللصيق الذي أسلم تحت السيف أو رغبة في الدنيا، ومخاطبه معاوية وليس أمية (5).
و من كتاب علي عليه السلام إلى معاوية بن ابي سفيان
” واَمّا قَوْلُكَ: اِنّا بَنُوعَبْدِ مَناف، فَكَذلِكَ نَحْنُ، وَلكِنْ لَيْسَ اُمَيَّةُ كَهَاشِم، ولا حَرْبٌ كَعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ولا أبُو سُفْيانَ كَأبي طالِب، ولاَ الْمُهاجِرُ كَالطَّليقِ، ولاَ الصَّريحُ كَاللَّصيقِ، ولاَ الْمُحِقُّ كَالْمُبْطِلِ، ولاَ الْمُؤْمِنُ كَالْمُدْغِلِ. ولَبِئْسَ الْخَلَفُ خَلَفٌ يَتْبَعُ سَلَفاً هَوى فى نارِ جَهَنَّمَ! وَفي أيْدينا بَعْدُ فَضْلُ النُّبُوَّةِ التي أذْلَلْنا بِهَا الْعَزيزَ، ونَعَشْنا بِهَا الذَّليلَ. ولَمّا أدْخَلَ اللّهُ الْعَرَبَ فى دينِهِ أفْواجاً، وأسْلَمَتْ لَهُ هذِهِ الامَّةُ طَوْعاً وكَرْهاً، كُنْتُمْ مِمَّنْ دَخَلَ فِى الدّينِ اِمّا رَغْبَةً واِمّا رَهْبَةً، عَلى حينَ فازَ اَهْلُ السَّبْقِ بِسَبْقِهِمْ، وذَهَبَ الْمُهاجِرُونَ الاوَّلُونَ بِفَضْلِهِمْ ” (6).
حديث الشجرة الملعونة
1 ـ ورد في مصادر الفريقين أحاديث حول بني أمية متقاربة في اللفظ والمضمون، من ذلك:
عن طريق سهل بن سعيد،[٢٨] قال: رأى رسول اللّه صلی الله عليه وآله وسلم بني أمية ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحکاً حتّى مات، وأنزل اللّه تعالى: ﴿ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن﴾ (7) ، (8).
2 ـ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمران أن النبي صلی الله عليه وآله وسلم قال: رأيت وُلد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة، وأنزل اللّه في ذلك: ﴿ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة﴾؛ يعني الحَكم وولده (9).
3 ـ أخرج ابن مردويه عن الحسین بن علي عليه السلام أنّ رسول اللّه أصبح وهو مهموم، فقيل: ما لك يا رسول اللّه؟ فقال: «إني أريت في المنام كأنّ بني أمية يتعاورون منبري هذا»، فقيل يا رسول اللّه لا تهتم، فإنها دنيا تنالهم، فأنزل اللّه «و… ما جعلنا الرؤيا التي أريناك…» (10).
وكل تلك الأحاديث منقولة عن أبي هريرة في خصوص الشجرة الملعونة من تلك المصادر التي أشرت اليها في أسفل المقال ، وأن بنو امية هم يمثلون الانحراف الذي أخذ شكله الواقعي والفعلي والذي بدأ مع رزية الخميس ويوم السقيفة وبكل أشكاله ومعانيه ، ولهذا كانت رسالة الإمام علي(عليه السلام) إلى معاوية حول( الصريح واللصيق) هي تمثل مؤشر مهم في تشخيص الطاغية معاوية وهو مؤسس الحكم الأموي البغيض وما يمثله من انحراف ، لتاتي الاشارة المهمة الثانية والذي تمثل السهم الثاني المسدد إلى هذا الحكم المجرم الى بنو أمية بقول الإمام الحسين(عليه السلام) (ومثلي لا يبايع مثله )والذي يفسره بعض القصيري النظرة أنه خلاف شخصي!.
ولا شك في أن الشجرتين التي يقف على رأسها امير المؤمنين(عليه السلام)وهي الشجرة النبوية والدوحة الهاشمية ، والشجرة الملعونة التي يقف على رأسها أبو سفيان ومن بعده أبنه معاوية(لعنهم الله) ، حيث كان هناك خلاف جذري في كل المفاهيم وعلى مختلف المستويات لتتحول إلى حرب دائمة بين هذين البيتين ، وهو يمثل صراع واختلاف في مفاهيم الرسالة والنبوة والوحي والرسالة المحمدية التي حملتها الشجرة الهاشمية ممثلة بأمير المؤمنين(عليه السلام)ومن بعده أولادة المعصومين الذين هم خير من حملها وخير من كان لها أهلاً لها.
ولهذا يشير الكاتب المصري عباس محمود العقاد إلى هذا العداء فيقول ” تنافس هاشم وأمية على الزعامة قبل أن يولد معاوية، فخرج أمية ناقما إلى الشام وبقى هاشم منفردًا بزعامة بنى عبد مناف في مكة، فكان هذا أول انقسام وتقسيم بين الأمويين والهاشميين: هؤلاء يعتصمون بالشام، وهؤلاء يعتصمون بالحجاز.
ثم علا نجم “أبى سفيان بن حرب بن أمية” في الحجاز، فأصبحت له زعامة مرموقة إلى جانب الزعامة الهاشمية، فلما ظهرت الدعوة المحمدية أخذته الغيرة على زعامته، فكان في طليعة المحاربين للدعوة الجديدة، وندرت غزوة من الغزوات لم تكن فيها لأبى سفيان إصبع ظاهرة في تأليب القبائل وجمع الأموال، وشاءت المصادفات زمنًا من الأزمان أن يظل وحده على زعامة قريش في حربها للنبي(صل الله عليه وآله)، فمات الوليد بن المغيرة زعيم مخزوم، ودان زعماء تيم وبنى عدى وغيرهم من البطون القرشية الصغيرة بالإسلام، وبقى أبو سفيان وحده على رأس الزعامة الجاهلية والزعامة الأموية في منازلة النبي ومن معه من المهاجرين والأنصار، وبلغ من تغلغل العداء في هذه الأسرة للنبي(صل الله عليه وآله )أن أبا لهب عمه كان أوحد أعمامه في الكيد له والتأليب عليه، وإنما جاءه هذا من بنائه بأم جميل بنت حرب، أخت أبى سفيان التي وصفها القرآن بأنها “حمالة الحطب” كناية عن السعي في الشر وتأريث نار البغضاء.
ثم فتحت مكة، فوقف أبو سفيان ينظر إلى جيش المسلمين، ويقول للعباس بن عبد المطلب: “والله يا أبا الفضل لقد أصبح مُلك ابن أخيك اليوم عظيمًا”، فلما قال العباس: “إنها النبوة”، قال: “نعم إذن!”
وقد أسلم أبو سفيان وابنه معاوية عند فتح مكة، وكان إسلام بيته أعسر إسلام عرف بعد فتحها، فكانت زوجه هند بنت عتبة تصيح في القوم بعد إسلامه: “اقتلوا الخبيث الدنس الذى لا خير فيه، قبح من طليعة قوم، هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم!” (11).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ السدوسي، مروج الذهب، ص 30 ـ البلاذري، ج 5 ص 7.
2 ـ الطبري، التاريخ، ج 2، ص 252.
3 ـ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 68 ـ الطبري، التاريخ، ج 2، ص 253.
4 ـ المجلسي، بحار الأنوار، ج 33، ص 107.
5 ـ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ص 75.
6 ـ نهج البلاغة – خطب الإمام علي (ع) – ج ٣ – الصفحة ١٧. منشورات المكتبة الشيعية.
7 ـ [ سورة الإسراء: 60 ] 8 ـ جامع البيان، ج 15، ص 113-112. هذا وقد استبدل الطبري لفظ بني فلان ببني أمية. ابن كثير – البداية والنهاية – ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين ومائة. ذكر ما ورد في انقضاء دولة بني أمية وابتداء دولة بني العباس من الأخبار النبوية وغيرها. الجزء : ( 13 ) – رقم الصفحة : ( 269 ).
9 ـ السيوطي، الدرّ المنثور، ج 5، ص 309. الحاكم النيسابوري – المستدرك على الصحيحين. كتاب الفتن والملاحم – إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا. الجزء : ( 4 ) – رقم الصفحة : (480). والحديث منقول عن أبو هريرة.
10 ـ السيوطي، الدرّ المنثور ، ج 5، ص 310. ابن حجر العسقلاني – المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية. كتاب الفتوح – باب لعن رسول الله (ص) الحكم بن أبي العاص وبنيه وبني أمية. الجزء : ( 18 ) – رقم الصفحة : ( 279 ). البيهقي – دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة. الشمائل ونحوها – باب ما جاء في رؤياه في ملك بني أمية. الجزء : ( 6 ) – رقم الصفحة : ( 511 ابن عساكر – تاريخ دمشق – حرف الميم 7312 – مروان بن الحكم بن أبي العاص بن امية …الجزء : ( 57 ) – رقم الصفحة : ( 265 / 266 )). المتقي الهندي – كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال. الجزء :(11) – رقم الصفحة : ( 167 و 358 و341 ).
11 ـ الحسين (عليه السلام) أبو الشهداء. مؤلف: عباس محمود العقاد. باب الخصومة. أسباب التنافس. ص 25.الناشر: منشورات الشريف الرضي. مكتبة الامامين الحسنين للتراث والفكر الإسلامي.