بقلم: حيدر فوزي الشكرجي

ثورة الخبز وقيام الجمهورية الأولى لحظة فارقة في التاريخ الفرنسي، وسبب التسمية أن ملكة فرنسا آنذاك (ماري أنطوانيت) خرجت للجموع الغاضبة، وسألتهم عن سر غضبهم فأجابتها إحدى المنتفضات: مولاتي لا نجد الخبز لنأكله، فردت عليها: أن لم تجدوا الخبز فبأماكنكم اكل الكيك بدلا عنه، لم يكن جوابها استهزاء أو تهكم، ولكنها كانت لا تعي حقيقة ما يحدث خارج بلاطها المخملي، وجهلها هذا كلفها حياتها.
قادة الثورة الفرنسية لم تكن لهم خطط مسبقة لما بعد الثورة، ووجدوا أن الناس أحبوا لعبة المقصلة، فتركوا الخبز وانشغلوا بأعداد قوائم طويلة من المتهمين، فأن كنت رجل دين فأنت متهم، وأن كنت ذا رأي مختلف فمصيرك المقصلة، وكانت الناس تصفق والرؤوس تتهاوى الواحد بعد الآخر، حتى تهاوت رؤوس قادة الثورة أنفسهم لاحقا، ولم يجد الفرنسيون طريقهم الى الديمقراطية إلا بعد عقود، عندما ثار الطلبة على بطل فرنسا بالحرب العالمية الثانية (شارل ديغول) لسوء أدارته البلد، وأصبحت فرنسا أمثولة للنظم الديمقراطية المتقدمة.
في العراق الأمر مغاير إلا بموضوع حداثة العراقيين بالديمقراطية، لم يفهم الناخب العراقي أهمية الانتخابات فالبعض أنتخب على أسس طائفية أو قبلية، والكثير لم يشارك، والقلة باعوا أصواتهم لساسة فاسدين، وذلك رغم تحذيرات المرجعية الرشيدة، بالمشاركة وعدم انتخاب من ثبت فساده.
النتيجة لم تبتعد عن المنطق، فلا يمكن أن تزرع الشوك لتحصد البطبخ، فرغم الميزانيات الانفجارية ألا أن البلد بات مفلسا وبأزمة اقتصادية خانقة وثلثه بيد جرذان الصحراء، نعم كان للبد أن يستيقظ النيام فلا تعين، ولا خدمات، والبلد غارق بديون لمشاريع لم تنجز بعد، وبعضها غير قابل للإنجاز أصلا.
شرارة الثورة، تصريح لوزير الكهرباء مطالبا المواطنين بإطفاء سخانات المياه (الكيزر) في ظل صيف تجاوزت حرارته ال50!
هب الناس مطالبين بحقوقهم ومحاسبة الفاسدين، لم يثني عزيمتهم حر ولا تهديد، خرجوا بالآلاف كاسرين قيودا دامت لسنين، المشكلة كانت غياب التوجيه، فلا توجد قيادة تتكلم باسم المتظاهرين، ولا توجد مطالب موحدة، وتحول البعض من مطالب مشروعة تعتمد على العقل والمنطق، إلى أحقاد شخصية لا أساس لها، فصوره مفبركة هنا وخبر كاذب هناك، ومهاجمة لرجال الدين وتداول ان لا حق لهم بالتظاهر، واصلين الى قمة التناقض، لأنهم خصوا لهم التظاهر، تاركين أرضهم وأعراضهم يدافع عنها رجال الدين ضد داعش اللعين!
كل هذا لا يتعدى التشتيت، لإعطاء فرصة للفاسدين بأعاده ترتيب أوراقهم أما للهرب أو حتى بالبقاء بعد تسويف المطالب، فالعراقيين غير مستعدين للديمقراطية بعد، فلا يمكن أن تحاسب وزير الرياضة على فساد وزارة الكهرباء، ولا يمكن أن تبدأ بمحاربة الفساد من أصغر مسؤول تاركا رئيس الوزراء، وبالتأكيد من المستحيل أن يكون طريق البناء مستندا على الإشاعات تاركا للحقائق، ففي النهاية طريق الحق لا يمر بالباطل