بقلم: وليد شاكر العبيدي

هكذا بدأت الأمور: تظاهر مواطنون بصريون على غياب الخدمات بعد صبر طويل وأموال هائلة هدرت فتردد صدى صوتهم في كل مكان في العراق…. وسرعان ما كشف المتظاهرون عن وعي سياسي- ليس غريبا على أبناء الرافدين- قادر على إصابة الهدف ولكن ليس بمقتل : إنه النظام السياسي القائم على المحاصصة والتي سمحت لكل كتلة في البرلمان ان تدافع عن رجالها (حصتها) مهما كان أدائهم مزريا لا بل أن بعض الكتل وعلى رأسها كتلة علاوي درجت ومنذ الوزارة الأولى للمالكي عامدة متعمدة على تقديم مرشحين لشغل مناصب تنفيذية لا تتوفر فيهم شروط الكفاءة متوقعة الرفض الذي سوف يأتي بعده الأزمة والأزمة- أي ما يبدو أنه انسداد للأفق- هو حوض السباحة الآسن الذي لا يتمتع السيد علاوي بالسباحة في غيره واليوم ينضاف للسيد علاوي منافح آخر اسمه “التيار المدني الديمقراطي” بزعامة السيد مثال الالوسي ربيب السيد أحمد الجلبي القديم والذي ذهب لإسرائيل حاملا لها هدية لا تقدر بثمن هي جزء من تاريخ العراق وليست جزءا من تاريخ أي من قادة إسرائيل واحدا من أقدم مخطوطات التوراة التي كان العراق يحتفظ بها…

وسرعان ما استجاب رئيس الوزراء حيدر العبادي لنبض الشارع بحزمة من الإصلاحات…لماذا هذه السرعة في الاستجابة وقد أرتنا الأحداث في العالم العربي أيام “الربيع” ان الاستجابة لمطالب الجماهير قد مر لدى الأنظمة العربية عبر مسار طويل من العنف الذي مارسته السلطة والمماطلات والألاعيب واستبدال وجوه بأخرى من نفس العصبة؟أن القول أنه نداء المرجعية ليس بكاف دون وجود إحساس ملح بالحاجة وإدراك نمته التجربة فقد أدرك العبادي من خلال تجربته أن المحاصصة هي ما يمنع التقدم إلى الأمام في عملية بناء العراق السياسي والاقتصادي وأنها هي الحاضنة والمولدة للفساد بحكم الحماية التي يتمتع بها الفاسدون من زعماء كتلهم ولم يكن بمقدوره -كما كان الحال مع سابقة او اي شخص بمحلهما- أن يقدح شرارة التغيير والخروج من الصيغة المكبلة والمدمرة في نهاية الأمر من دون أن يتهمه حلفاءه قبل خصومه من أنه قد خرج عن التوافق الذي ارسي عليه النظام السياسي والذي كان سينتهي لا محالة بنهايته. لذلك كان بحاجة لمن يطلق الشرارة ليحولها هو إلى لهب يكتوي به من يقف في طريقه…

هناك محركات ثلاث للتطورات الأخيرة أولها المحرك الجماهيري، ثم محرك المرجعية ومن ثم محرك إصلاحات العبادي التي جاءت استجابة للمحركين الأولين…

بالنسبة للأول، اي الجماهيري، فإن أهم معلم أو ملمح له هو إدراك الجماهير أن أساس الفساد السياسي والمالي ينبع من طبيعة النظام السياسي القائم على المحاصصة الحزبية التي ورثناها عن نظام المحاصصة المذهبي القومي البريميري أيام تشكيل مجلس الحكم تحت مسميات خادعة مثل “الشراكة الوطنية” والتي ثبت أنها كانت شراكة من لا يتشاركون بشئ و أنها لم تكن أكثر من وسيلة لتوفير الغطاء السياسي للمفسدين من طرف زعماء كتلهم …يقول أحد أعضاء مجلس النواب ان ناهبي المال العام لم يكونوا يسرقون لأنفسهم وحسب بل ولكتلهم أيضا…وإذا صح هذا القول والذي يبدو منطقيا للغاية فإنها تكون سرقة مدروسة بحيث لا يستطيع زعيم الكتلة إلا حماية المنتمي له…هنا نجد من يبرأ الأمريكان من صيغة المحاصصة (عبد الحليم الرهيمي مثلا) وللدلالة يشير إلى مؤتمر لندن للمعارضة والذي خرج بصيغة: 51 للشيعة و 49 لبقية المكونات والتي اعترض عليها ممثلو الشيعة حسب قوله استنادا إلى أنهم يمثلون أكثر من هذه النسبة… لا أعرف شيئا عما دار في ذلك المؤتمر و لا مخرجاته لذلك أكتفي بالقول ان هذه الصيغة قد لاءمت كل من يبحث عن الشرعية باسم الإرث العائلي وليس باسم الدين كما يشاع إذ لو كان الأمر كذلك لحصد الحزب الإسلامي الجزء الأكبر من أصوات السنة ولكانت حصة المجلس الأعلى والتيار الصدري أعلى من حصة دولة القانون من أصوات الناخبين و لا يزال الملا مسعود العشائري -العلماني يتشبث بمنصبه باسم الأحقية النضالية المستندة إلى إرث الأب…

إن الجانب السئ في القصة هو ان هذه الصيغة قد أسست لمجموعة أو حلقة متضامة ومتضامنة من شخصيات سياسية تنتمي لمختلف الكتل السياسية تربطها يبعضها مصلحة واحدة قائمة على ضرورة المحافظة على ما حصلت عليه من امتيازات “مناصبية” وأموال والتي لا يمكن أن تدوم إلا بدوام صيغة المحاصصة وهي صيغة يجد فيها بهاء الأعرجي الشيعي على سبيل المثال نفسه اقرب لصالح المطلك السني منه إلى أي شخص شيعي لم يشاركه في حفلة النهب… ولو تركت هذه صيغة تترسخ لحصلنا في نهاية الأمر-وليس في زمن بعيد- على طبقة سياسية- مالية عابرة للطائفة من حيث الموقع الطبقي تسيطر على الواقع السياسي والاقتصادي للبلد يرثهم في ما بعد أولادهم في المناصب بحكم القوة الاقتصادية التي سوف يمتلكونها يوما ما في المستقبل الأمر الذي سيولد في النهاية نظاما رأسماليا تابعا اي نظاما سياسيا-اقتصاديا يتحكم به رأسماليون عراقيون غير منتجين جمعوا ثروتهم من النهب مرتبطون بالرأسمال الغربي والذي سيقوم بحماية أموالهم المنهوبة من المصادرة على يد أي قوة ثورية أو إصلاحية قد تأتي يوما…وهذا ما فعلته الحكومات الرأسمالية الغربية عندما حمت (وفي الواقع استحوذت على) الأموال التي نهبها زعماء الأنظمة التي أطاح بها الربيع العربي…لذلك فإن العراقيل التي ستواجه العبادي لن تكون عراقيل من صنع بضعة أشخاص فاسدين بل من لوبي، إن صح الوصف، مدعوم من أطراف إقليمية ودولية هي ذات الأطراف التي تدعم داعش وهنا بالذات أعتقد اعتقادا قويا أن التفجيرات التي حصلت في مدن ديالى ومدينة الصدر- وقد تليها تفجيرات أخرى- ليست مرتبطة بتراجع داعش على الجبهة العسكرية بل للتشويش على إصلاحات العبادي وحرف التركيز الشعبي نحو موضوع الأمن وبالتالي إضعاف الزخم الضاغط باتجاه الإصلاح…كما وأعتقد أن التفجيرات هي من صنع مخابرات الدول الإقليمية الداعمة لداعش وإسرائيل ليست مستبعدة من ذلك فهي أعادت بناء شبكة استخبارية داخل العراق وإن بعض ما يسمى ب “منظمات المجتمع المدني” إنما هي واجهة لأجهزة استخبارات غربية وتتمتع بتمويل عال وينظم إليها الكثير من الشبان (يختار منهم خاصة المحبين للظهور) الذين يتطلعون للعب دور في الحياة الاجتماعية معظمهم غير عارف بأهدافها الحقيقية وقد منعت روسيا مؤخرا هذه المنظمات من ممارسة النشاط وكذلك تفعل الصين منذ زمن بعيد وقد لعبت هذه المنظمات دورا في الانقلاب على الشرعية في أوكرانيا وليس لدي شك ان بعضا وربما جزءا كبيرا منها نزل إلى الشارع مع المحتجين وقد أشار النائب كاظم الصيادي في مقابلة تلفزيونية أن هناك معلومات عن قيام أشخاص من السفارة الأمريكية بالالتقاء ببعض من الرموز الشبابية التي نزلت إلى الشارع ويبدو ولحسن الحظ أن وعي المحتجين قد افسد عليهم ما كانوا ينوون عليه (وقد رأيت صورا لفخري كريم أيضا في الشارع وهو يحتل مرتبة متقدمة في الفساد ويقول من يعرفه أن محاط بجيش من الحماية بالطبع على “حسابة الخاص”)…

أما الجانب الجيد في القصة (وهي على أولها وقد تشهد نهاية غير سعيدة من دون استمرار اليقظة الجماهيرية ) فإن نظام المحاصصة لم يمض عليه زمن طويل يسمح بترسخ إقدام المدافعين عنه في النظام السياسي والاقتصادي للبلد لذلك فهو ليس صعبا على التفكيك بشرط وجود قوة سياسية “ثورية” تقود الجماهير باتجاه المواصلة أي قوة تلعب دور الطليعة ليس بالمفهوم الشيوعي العراقي الجامد الذي يعتبر أن تكون طليعيا يعني أن تكون شيوعيا حتى لو كنت فاسدا كفساد فخري كريم أو جاهلا لا تحسن سوى قراءة اسمك طالما كنت “عاملا” او مثقفا متحذلقا يتقن بعض العبارات المنمقة…يضاف إلى ذلك، أي إلى الجانب الإيجابي، أن الدستور لا ينص على نظام المحاصصة لذلك يراد تكريسها من خلال تواتر التقليد ليصبح مع الزمن عرفا لا يمكن تجاوزه يجعل من الدستور حرفا ميتا لذلك فإن دعوة العبادي لتعديل الدستور والتي ستأتي لاحقا تشكل لبنة مهمة في عملية الإصلاح…

وإذا انتقلنا إلى المحرك الثاني وهو المرجعية فإن أبرز سمة لهذا المحرك هو تحوله أو تطوره من مرجعية ذات طابع ديني معني بالرجة الأولى بالفقه الديني وتفسيراته إلى قوة جماهيرية ذات طابع وطني عام وذلك من خلال تبنيها لهموم الناس الأمر الذي جعلها قوة تحظى بثقة الناس أكثر من أي قوة سياسية موجودة على الأرض وهذا الموقع لم يأتيها هبة من السماء بل لأنها سلكت سلوكا مدروسا فهي أبعدت نفسها عن القوى السياسية كافة وأكد السيد السيستاني مرارا، خاصة عشية الانتخابات حيث تكثر طلبات الزيارات له حتى من العلمانيين، أن المرجعية تقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية وأنها لا تدعم طرفا دون آخر ورفعت الغطاء عن كل من حاول ان يجعل من المرجعية “أبا شرعيا” له بحكم انتماءه لعائلة دينية معروفة وهذا ينطبق بشكل خاص على السيدين عمار الحكيم ومقتدى الصدر… وهكذا أصبحت المرجعية عنصرا هاما من عناصر السياسية ليس باختيارها هي بل باختيار الجماهير لها بسبب مواقفها القريبة من همومهم… وبالطبع كان مباركتها للحشد الشعبي وتأكيدها على ضرورة أن يلتزم من ينتمي إليه بالسلوك الإنساني القويم في معاملته للناس في المناطق المحررة قد اكسبها احتراما مضاعفا من قبل السنة والشيعة عل حد سواء…

و لا شك أن المرجعية قد أصبحت مصدر قلق ليس للسياسيين الفاسدين وحسب بل وللدول الإقليمية الداعمة للإرهاب وللولايات المتحدة نفسها إذ عبر الرئيس الأمريكي أوباما عن قلقه من أن يستخدم العبادي دعوات المرجعية كمصدر للشرعية على حساب الشرعية الدستورية وكانت تصريحات الجنرال أوديرنو الذي قال أن أفضل حل في العراق ربما يكون بالتقسيم هي أيضا تعبير عن القلق الأمريكي من الدور التوحيدي للمرجعية فنحن نعرف أن الولايات المتحدة لا تعتبر أن استقرار النظام السياسي بالعراق وتطوره اقتصاديا هو من بين أمنياتها المفضلة ونحن نسمع مثل هذا التصريحات تصدر من مسؤولين أمريكيين (سابقين خاصة) كلما ازداد العراقيون اقترابا من بعضهم البعض سواء على المستوى السياسي أم المستوى الشعبي…وقد أحسست من جانبي أن دعوة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري لزيارة الولايات المتحدة في الشهر المنصرم جاءت على إثر موافقته على طلب العبادي لإدراج إقالة أثيل النجيفي من منصبه كمحافظ للموصل على جدول أعمال البرلمان وقد حصلت الإقالة وهو مؤشر إيجابي مهم على تناغم السلطتين التشريعية والتنفيذية عكس ما رأيناه من التناقض الذي كان قائما بين البرلمان تحت رئاسة أسامة النجيفي ورئيس الوزراء نوري المالكي ولو كان النجيفي رئيسا للبرلمان الآن لكانت مهمة العبادي الإصلاحية أصعب بكثير مما تبدو عليه…و لا شك ان التناقض بين البرلمان والحكومة يخدم القوى الإقليمية التي تجد مصلحتها في تعزيز الانقسام من خلال تصوير التناقض على أنه تناقض شيعي سني بحكم كون رئيس الوزراء شيعي ورئيس البرلمان سني…

إن أخطر شئ على أعداء العراق هو عندما يجد صوت المرجعية الدينية صدى له في الوسط السني وابرز ما يمكن ملاحظته في هذا الصدد هو تأييد رئيس هيئة إفتاء السنة والجماعة الشيخ مهدي الصميدعي لبرنامج العبادي الإصلاحي ودعوته القوية للتحقيق في الفساد الذي شاع في أروقة ديوان الوقف السني (في عهد رئيسه السابق أحمد عبد الغفور السامرائي)…وكما أن الفساد عابر للانتماء فكذا سيكون محاربته…

وننتقل الآن إلى المحرك الثالث وهو برنامج العبادي الإصلاحي هنا يمكن أن نتحدث هنا عن مسألتين الأولى الإصلاحات بحد ذاتها والتي تستهدف الفساد المالي (السرقة والإهدار) والإداري (نظام المحاباة على أساس الانتماء العائلي أو الحزبي) ومن ثم تقديم المورطين للعدالة…يقول العبادي في منتدى الشباب الحر أن الفساد اتسع أفقيا أي أنه لم يعد ينحصر بالمتنفذين بجهاز الدولة بل بالموظفين من الدرجات الدنيا…إن محاربة الفساد الأفقي يتطلب ثورة في الوعي الوطني وأن جل ما يستطيع العبادي عمله هو المباشرة بإصلاحات إدارية جذرية هدفها تبسيط الإجراءات (مرور المعاملة عبر اقل عدد من الموظفين) وجعل أكبر عدد ممكن منها يمكن أن يتم إلكترونيا والقسم الآخر يتم عن طريق ما يسمى “الشباك الموحد” أي أن المعاملة تقدم بكامل الوثائق اللازمة إلى موظف يجلس وراء شباك يقوم بالتأكد فقط من أن جميع الأوراق المطلوبة متوفرة ثم يقوم بإعطاء المراجع ورقة برقم وتاريخ المعاملة ومعها تاريخ المراجعة لاستلام المعاملة منجزة وبذلك فإن المراجع لا يتعامل إلا مع موظف واحد…و كان العبادي قد سبق وان تحدث عن هذا الأمر ولكني أعتقد أن هذا غير كاف بدون رقابة جماهيرية على أداء الجهاز التنفيذي لذلك يتطلب الأمر من الجماهير أن تشكل في كل محافظة ومدينة توجد فيها دوائر تابعة للدولة وحدات رقابة تطوعية يتم اختيار أعضاءها من بين المعروفين باستقامتهم تكون جزءا من شبكة منظمات مجتمع مدني عراقية وليس موحاة بها وممولة من الخارج تقوم بالرقابة على عمل الموظفين وتعالج شكاوى المواطنين وتدلهم على الطريق الذي يجب أن يسلكوه لنيل حقوقهم بما في ذلك اللجوء إلى القضاء…

وفيما يخص امتيازات أعضاء مجلس النواب والتي لم نسمع ببعضها إلا مؤخرا عبر وسائط الإعلام ومنها مخصصات “تحسين معيشة” تبلغ 50 ألف دولار سنويا (هكذا أتصور لأن الإعلام لم يفصل بذلك) اي بما يزيد عن 4 آلاف دولار شهريا وكذلك المبالغ التي تكلفها حماية أعضاءه وكذلك الرئاسات الثلاث فإن كتلة حزب الدعوة كونها الكتلة الأكبر والتي كانت تحظى بثقة الجماهير تتحمل مسؤولية كبيرة عن السكوت عن هذه الامتيازات والسماح بتمريرها دون معارضة ونقاش والأسوأ من ذلك دون إعلام الناس بما يجري و لا شك أن السيد نوري المالكي يتحمل قسطا من المسؤولية فقد تحدث كثيرا عن الفساد وبذل جهودا لمحاربته في أوقات صعبة كان رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي يعرقل فيها جهوده ولكنه لم يفعل بما يكفي لأنه لم يعتمد على الجماهير في بحثه عن وسائل الإسناد واتخذ موقفا محافظا عندما كان يتطلب الأمر منه أن يكون ثوريا وهذا ما سوف يكلفه هو وحزب الدعوة الكثير في الانتخابات القادمة ما لم يتدارك الحزب نفسه بما في ذلك عقد مؤتمر استثنائي يقيم فيه الموقف ويتخذ جملة من الإجراءات لدعم العبادي…وكنت أود وأتطلع إلى أن يكون السيد المالكي أول من يضع استقالته تحت تصرف العبادي في بيان واضح يعلن فيه دعمه لإصلاحات العبادي عندما اقترح الأخير إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لا يضيره في ذلك كونه أمينا عاما وكونه قد حصل على أصوات أكثر من العبادي بكثير في الانتخابات الأخيرة فهذه الاعتبارات لم تعد لها قيمة بنظر الجماهير فالجماهير تسير وراء الرجل المقدام والذي يعبر عن همومها ويتحدث بغلة تفهما….ومن بين الأمور التي تستطيع كتلة الدعوة على الأقل- إن لم يكن كتلة دولة القانون- أن تفعلها لاستعادة ثقة الجماهير أن تدعو مجلس النواب إلى منح حيدر العبادي صلاحيات استثنائية ( لا يعود فيها كل مرة إلى مجلس النواب للموافقة) من أجل محاربة الفساد والمفسدين وبذلك تساعد على قطع الطريق على المندسين والانتهازيين الذين يحاولون الركوب على موجة الاحتجاجات…

أما المسألة الثانية في برنامج الإصلاح والمتعلقة بتجاوز نظام المحاصصة فهي المهمة الأكثر صعوبة لأن قوى كثيرة ركبت على ظهر السنة والشيعة ستقف في وجهها وستجد هذه القوى دعما إقليميا ودوليا (الولايات المتحدة بشكل خاص) للحفاظ عليه وسنجد السعودية أو تركيا مثلا تدافع عن حصة القادة الشيعة بنفس القوة التي تدافع فيها عن حصة السنة وسنجد كذلك الملا مسعود يسخر كل قواه لدعم الإبقاء على المحاصصة…لذلك فأن نجاح برنامجا كهذا، والانتخابات بعيدة، تحتاج إلى كتلة قوية داخل مجلس النواب تدعم هذا التوجه وليس هناك ما يعول عليه رئيس الوزراء سوى كتلة دولة القانون فقد سبق لها عشية الانتخابات الأخيرة أن طرحت على لسان نوري المالكي ما سمي ب “حكومة الأغلبية السياسية” اي أن تقوم الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد بتشكيل الحكومة خارج إطار المحاصصة بحيث يكون لرئيس الوزراء كامل الحرية في اختيار فريقه الحكومي على أساس الكفاءة والنزاهة وكان من نتائجه أن خسر المالكي حقه الانتخابي في تشكيل الحكومة الثالثة ولكن “رب ضارة نافعة” كما يقو المثل و لا بد للمالكي نفسه أن يذكر الناس بأنه كان أول من طرح حلا للخروج من المحاصصة وأنه يعيد طرحه الآن كجزء من عملية الإصلاح ودعما للعبادي ويمكنه أن يفعل ذلك من خلال الدور الذي يمكن أن يلعبه في مجلس النواب بعد أن يكون قد تخلى عن منصبه الحالي….

إن معركة الخروج من نظام المحاصصة معركة كبيرة لا يمكن للعبادي أن ينتصر فيها وهو وحيد والاعتماد على الجماهير كعنصر ضغط لا يمكن التعويل عليه طويلا دون وجود قوة منظمة وقائدة في مواجهة قوى تحاول أن تجهض وأخرى تجير الضغط الجماهيري لصالحها أما موقف المرجعية فلا يمكن النظر إليه إلا ساندا في عملية التقويم ومحاربة الفساد و لا أظنها سوف تورط نفسها في معركة المحاصصة دون ان تتهم أنها قد تخلت عن دورها الإرشادي لتلعب دورا سياسيا هذا إذا لم يكن بالأساس من يوجد من بينها من يرتضي نظام المحاصصة وهذا موضوع نفضل تجنب الخوض فيه تفصيلا في الوقت الحاضر… وعلى الجماهير أن تدرك مبكرا أنه دون وجود قوة سياسية مهمة أو مجموعة قوى داخل البرلمان العراقي تساند العبادي فإنه لن يستطيع الانتصار في معركته ضد المحاصصة وأن من يقول من بين عامة الناس أن المعركة هي مع البرلمان بكل تلاوينه إنما هو جاهل أو مغرض ويخاطر بالمشروع الإصلاحي بكامله وعلى العبادي أن يدرك أيضا أنه دون وجود مثل هذه القوة السياسية الساندة فإن مهمته غاية في الصعوبة لذلك لا يمكنه سوى التعويل على ائتلافه وحزبه ومن يؤيده في مسعاه من السياسيين النظيفين وليس أمام ائتلاف دولة القانون من خيار سوى الخروج الوقوف بقوة وراء العبادي” إذا ما أراد أن يحافظ على موقعه الجماهيري وأن لا يفقد زمام المبادرة لصالح قوى سيئة النوايا تحاول أن تصور الموضوع مرة أخرى وكأنه صراع العلمانية في مواجهة الأحزاب الدينية غاضة الطرف عن حقيقة أن النظام السياسي السائد في العراق هو نظام مدني وليس ثيوقراطي (الحكم باسم الدين) يعتمد الآليات الديمقراطية الغربية (العلمانية) في الحكم وأن أن أيا من هذه القوى (اليسارية أو العلمانية) لم تثر اعتراضا على نظام المحاصصة الحزبية كونه أم الأزمة وهو الذي آل إلى ما رأيناه من فشل وفساد وتشيح بنظرها عن حقيقة ان من يقود المعركة ضد نظام المحاصصة ينتمي لحزب ديني يجدر بهم إسناده لو كانت نيتهم صحيحة بدلا من “النبش في قمامة الحراك الجماهيري” بحثا عن دور مفقود ضيعته في تحالفاتها الانتهازية مرة تحت قيادة علاوي وأخرى تحت قيادة نسخته المكررة مثال الآلوسي الذي كان يناضل من أربيل أيام حكومة المالكي…
وبكلمة أخيرة أقول أن على العبادي أن يخاطب الجماهير كل يوم إن تطلب الأمر سواء من خلال المؤتمرات الصحفية أو من خلال البيانات ليوضح لهم ويحذرهم من الانجرار وراء الدعوات التي تستهدف البرلمان لأنه بدونه لا يمكن السير بالإصلاحات وأن البرلمان كما أنه هو المشكلة فإنه هو الحل وهذا يأتي عن طريق اصطفاف القوى البرلمانية المخلصة لعملية الإصلاح والتغيير وهي موجودة لا شك…