عند الشدائد وعند الضراء والبأساء تعرف معادن الرجال، فكم من رجل يضعف عندها وتخور قواه، وكم من صديق يخون ويبدو مينه وألاعيبه، وكم من قائد يرى عندها مجرد لعبة كارتونية لا تستهوي إلا الأطفال قال الله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيب).
والحقيقة أن هذا هو حال العراق في مرحلة ما بعد التغيير الذي حصل بفعل الاحتلال الأمريكي، ولا سيما بعد نكسة حزيران التي أدمت قلب كل غيور على العراق وأرضه وشعبه، إذ أننا تكشفت أمام أعيننا الصورة واضحة لا لبس فيها إلا لمن قال فيهم الشاعر:
والذي كان قذى في عينه قد يرى الليل بصبح سرمدي
فالأرض العراقية غدت مستباحة، والرجال مهددون بالقتل والصلب والحرق، والنساء و الأطفال بالسبي والبيع في سوق النخاسة، والآثار والحضارة موجهة نحوها معاول الجهل والتخلف والوحشية والانتقام.. ونحن والحال هذه أمام مفترق طرق أما السكوت واجتياح “داغش” لكل الأرض العراقية بما فيها من بشر وحجر ووبر، وإما النهوض بالمسؤولية الـتاريخية التي يفرضها علينا حب الوطن والعقل والنصوص الدينية الصريحة كقوله تعالى:( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان( وقوله: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) ويا للأسف، فقد انقسم العراقيون إلى صفين صف سكت أو استبشر بذلك، وأظن أن تصريحات النجيفيين ومسعود البار..زاني، وما يسمى الحراك الشعبي في المحافظات الغربية وما يسمى زوراً وبهتاناً مفتي العراق(رافع الرفاعي) كل أولئك كانت تصريحاتهم تصب في مصب هذا الصف وهي عبارة عن فرح وسرور بالانتكاسة التي لحقت بالجيش العراقي الباسل الذي يفترض أنه حاميهم وحامي كل مواطن عراقي ومحافظة عراقية، لكن كان في الجهة الأخرى رجال لا تلهيهم تجارة ولا لهو ولا ركوب يخت الفجور والاستهتار ولا السياحة في لندن ودبي وأربيل وعمان عن إقامة أعظم فرض على الإنسان ألا وهو واجب الجهاد والذود عن الأرض والعرض، وقد كانت فصائل المقاومة الإسلامية بكل تشكيلاتها والعشائر السنية العربية الأصيلة التي لم ترضَ أن تُدَنَّس أرضها وعرضها كانت هذه الجهات على رأس الانتفاضة والثورة؛ من أجل تطهير الأراضي العراقية المحتلة ورفع راية العراق عالياً وإرجاع الهيبة لبلدنا، وإنني على الرغم من اختلافي في الاتجاه السياسي للسيد(هادي العامري) المشرف العام على هيئة الحشد الشعبي بيد أنني أقرُّ بأن الموقف الشجاع الذي اضطلع به(أبو حسن) وعزمه على عدم ممارسة بعض الفعاليات سواء السياسية في مجلس النواب أو غيرها بعد أن آلى على نفسه أن يطهر الأرض العراقية من دنس الأوغاد الأرجاس ممن تربوا في أحضان العواهر وممن هم نتاج المؤامرات الإقليمية والدولية ضد محور الممانعة، وإن الانتصارات المتلاحقة في ديالى وصلاح الدين لهي أكبر شاهد على ذلك، ولا إخال أن هناك فخراً أو جهداً يطاول هذه الأوسمة التي تقلدها أبو حسن عن جدارة واستحقاق، وأجدني في حيرة من أمري، فأنــى لي بكلمة مدح وثناء على هذه القائد الذي لا يغادر الميدان، فهو في لهوات الوغى مع رجاله، ولا يريدهم لحفظ حياته، بل يريد نفسه لحياتهم، وأظن أن أبيات أبي الطيب المتنبي خير خاتمة لتتويج انتصارات هذا المغوار:
الجَيشُ جَيشُكَ غَيرَ أَنَّكَ جَيشُهُ
في قَلبِهِ وَيَمينِهِ وَشِمالِهِ
تَرِدُ الطِعانَ المُرَّ عَن فُرسانِهِ
وَتُنازِلُ الأَبطالَ عَن أَبطالِهِ
كُلٌّ يُريدُ رِجالَهُ لِحَياتِهِ
يا مَن يُريدُ حَياتَهُ لِرِجالِهِ
دونَ الحَلاوَةِ في الزَمانِ مَرارَةٌ
لا تُختَطى إِلا عَلى أَهوالِهِ
فَلِذاكَ جاوَزَها عَلِيٌّ وَحدَهُ
وَسَعى بِمُنصُلِهِ إِلى آمالِهِ
وحقاً لقد تجاوزها بفخر أبو حسن الحاج هادي العامري.
بقلم: علي محمد البهادلي