لو سكتت الصحف ووسائل الإعلام العربية والإسلامية عن التشهير بالعرب والمسلمين، وتأجيج نار الفتن الطائفية والعرقية والسياسية بينهم، لكفوا الأمة مئونة الحاجة إلى الغير، ولأسهموا في دفع الضرر والضير.!
ولو تعاون العرب والمسلمون فيما بينهم للترويج لثقافة التسامح والقبول بالآخر لما كانوا بحاجة إلى الربيع الأخرق المجنون؛ الذي افقدهم صوابهم، وشبابهم، وثيابهم، وعراهم أمام الناس حتى من ورقة التوت الوحيدة.!
ولو أخذت الدول العربية الغنية على عاتقها، صرف جزء اقل من اليسير من خزائنها المتخمة، ترويجا لهذه الثقافة لكان الشعب العربي اليوم من اسعد شعوب الدنيا، بدل أن يتحول هو وعقيدته الدينية ومنظومته الأخلاقية إلى مسخرة للأمم.!
لكن لا الأغنياء ولا الفقراء، لا المثقفون ولا الأدعياء، لا الشرفاء ولا الحقراء، لا الأذكياء ولا الأغبياء، حاولوا مجرد محاولة بائسة، يوصلون من خلالها بعض إشراقات الأمل إلى الشباب التائه الحائر المضطرب المشوش؛ الذي يبحث عن استقرار ومستقبل وسعادة وأسرة ورزق، فلا يجد أمامه سوى الأبواب المغلقة وعشرات الحراس الذين ما إن يروه حتى يصرخون بوجهه: دفعا وطردا وتوبيخا واضطهادا، وهو المحتاج إلى “هيت لك”.
فالركن الأول من المعادلة (الأغنياء/المثقفون/الشرفاء/ الأذكياء) سادرون في غيهم أعماهم حب الدنيا والتلذذ بشهواتها وأطايبها عن فعل الخير والإتيان بالعمل الصحيح. والركن الثاني من المعادلة مغلوبون على أمرهم لا حول ولا قوة لهم.
ومن حاول منهم، لم يأت بما أتى عن طيب خاطر ونقاء نفس، وإنما اكتفى بإسقاط الواجب لا أكثر، وهذا على خلاف ما يحدث في العالم المتمدن المتطور المتقدم المستقيم الذي نصفه زورا وبهتانا بـ(الكافر). ففي الوقت الذي خصت فيه صحفنا الكثيرة؛ التي تصدر عن أحزابنا الدينية والمدنية، وعن مؤسساتنا المجتمعية، ومؤسساتنا الفكرية، والإعلامية، والتربوية، وأحزابنا السياسة جل وقتها للترويج لفكر الجهة التي تمولها وتشرف عليها؛ حتى ولو كان هذا الفكر قائما على منهج إكراهي عدواني يختزل الحياة بالقائمين عليه، ويرفض الاعتراف بالآخر، وحتى ولو كان السبب في تأجيج روح الكراهية بين الناس.
وهذا خلاف ما يحدث في دول (الكفر) الذي تكاد صحيفة (الميترو) (Metro) أن تكون شاهدا على (كفره)، فهذه الصحيفة التي صدر العدد الأول منها عام 1995 تتناول مختلف القضايا الإنسانية والسياسية والعلمية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والرياضية والترفيهية، وتوزع في حوالي مائة مدينة، تقع في أكثر من عشرين دولة أوربية وأمريكية وآسيوية، وتصدر بلغات مختلفة مثل الانكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والأسبانية والهولندية والروسية، وتستقطب يوميا أكثر من عشرين مليون قارئ. بمعنى أنها تطبع بأكثر من عشرين مليون نسخة، ولك أن تعرف المبالغ التي يحتاجها طبع هذا العدد من النسخ، وتوزيعه مجانا في أماكن ودول ومدن مختلفة متباعدة عن بعضها.
تصدر جريدة الميترو بطبعات يومية مختلفة، وكل نسخة منها تصدر بلغة البلد الذي توزع فيه، وإذا كانت في البلد أكثر من لغة مثلما هو في هولندا التي توجد فيها اللغة الهولندية (الفرنسية) واللغة الفلامانية، فالعدد يطبع باللغتين وبمضمون واحد.
تركز النسخة التي توزع في ذلك البلد عادة على قضايا وأحداث وحتى إعلانات ذلك البلد، وتوزع مجانا، نعم مجانا في جميع البلدان المذكورة، حيث يخصص لها كشك في جميع نقاط عبور وتلاقي وتجمهر الناس، وفي محطات التزود بالوقود والمناطق الحدودية، كما ويخصص لها كشك في كل حافلة أو ترام أو قطار في تلك البلدان، ليتيسر لكل من يستخدم هذه الوسائط الحصول على نسخته بدون مقابل.
وهكذا تصل المعلومة إلى المواطن طازجة محايدة غير متحيزة ساخنة مجانية ممتعة فيها الكثير من الترفيه والإفادة، ومع مرور الأيام لابد وأن تمر إلى عقله عشرات المعلومات والتجارب التي يختزنها في ذاكرته وفي لا وعيه لتترك أثرها على سلوكه وتعامله مع الآخر أي كان وبدون أن يدفع فلسا واحدا.
وبذلك تجاوزت أغلب تلك البلدان المشاكل التي تثيرها الكراهية والإقصاء في الوقت الذي تدفع بلداننا الإسلامية (المؤمنة) أضعاف ما يصرف على جريدة الميترو جراء الأعمال الإجرامية والتخريبية والتفجيرات الإرهابية وحرب الإبادة الجماعية التي تغذيها ثقافية الكراهية التي تبثها صحفنا ووسائل إعلامنا المؤدلجة والعقائدية، وهذه ليست قسمة ضيزى فحسب، وإنما خسارة كبيرة جدا، تدل على غباء مركب، غباء كنا لنتجاوزه لمجرد أنهم يسكتون.
بقلم: صالح الطائي