((سلسلة نور المشكاة في الرد على أبرز الشبهات)) …الحلقة (2)
شبهات حول دور ومكانة وحقوق المرأة في الاسلام مع الدكتور خالد فائق العبيدي
اعداد وحوار / احمد الحاج
الدكتور المهندس خالد فائق صديق العبيدي،عضو فعال في اللجنة الدولية للاعجاز العددي في القرآن الكريم، وعضو الاتحاد العالمي ومركز الاعجاز في القرأن والسنة ومقره بلجيكا، وعضو مؤسس في هيئة تحرير وتحكيم المجلة العلمية الاكاديمية في القاهرة ، إضافة الى العديد من المؤسسات والهيئات العلمية المناظرة في كل من الامارات وقطر والسعودية والاردن والمغرب وماليزيا، وهو مكتشف منظومة الثوابت الهندسية في القرآن الكريم ، وله أكثر من 150 حلقة متلفزة بثت من محطات عديدة على مدار سنين في مجال الدعوة العصرية والاعجاز الهندسي في القرآن الكريم ،وهواستاذ جامعي ومحاضر سابق في الجامعة التكنولوجية والجامعة المستنصرية ببغداد ،علاوة على قسم الهندسة المعمارية بجامعة عجمان للعلوم والكنولوجيا ،وهوعضو مشارك محترف في مجلات علمية عالمية كمجلة “ساينس”؛ الصادرة عن الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم،ومجلة” نيتشر”العلمية البريطانية ، ومجلة “ساينتفيك اميركان “الشهرية العلمية الأمريكية ،اضافة الى” ناشيونال جيوغرافيك”، للدكتور العبيدي العديد من الكتب والبحوث والمؤلفات القيمة ومنها (المنظار الهندسي للقرآن الكريم)، (هندسة الدعوة العصرية: من المنطلقات إلى التطبيقات- دعوة للنهضة العصرية للأمة وفق القرآن والسنة)،(القوانين القرآنية للحضارات)،( ضعف الطالب والمطلوب)،(هو يشفين )،(الا يسبح بحمده) والثلاثية الأخيرة صادرة عن جائزة دبي للقرآن الكريم عام 2017م، للرد على الملحدين ،فضلا عن كتابه المهم ( ليس الذكر كالانثى ) وهو دراسة موضوعية توضح روعة التفصيل القرآني والتشريع الإسلامي لحقوق المرأة ويتطرق إلى مقارنة التشريعات الإسلامية العظيمة في حقوق المرأة وكيف أنها سابقة لكل تشريع منصف عادل يخصها في القديم والحديث بالدليل والبرهان بخلاف ما يروج له الإعلام المغرض .
التقينا الدكتور خالد العبيدي،لنتحاور معه في مسائل شتى كلها تدور في اطار الحلقة المخصصة عن شبهات تثار هنا وهناك عن حقوق المرأة في الاسلام، فآثر أن يعطينا تمهيدا يراه من الأهمية بمكان قبل الشروع بالإجابة على الاسئلة ضمن سلسلة (( نور المشكاة في الرد على أبرز الشبهات)) وقال لنا مشكورا :
– علينا تحديد بعض المفاهيم والتعريفات المهمة التي قد تشكل على كثير من الناس فتتصادم خلالها الأفكار وتتعارض ضمن طياتها المنطلقات. ولعل أهمها تعريف ما يسمى بالـ “الحرية الشخصية” خصوصاً في المفهوم الغربي وما تنص عليه دساتيرهم وقوانينهم.
مفهوم الحرية مفهوم قديم قدم العبودية – سواء كان ظهوره سابقاً عليها أو لاحقاً لها – فإنه لا يزال ينتابه الغموض ولا يعبر إلا عن التقابل بين العبودية والحريّة في كل اللغات التي ضمت في ثناياها ألفاظا تدل على الحرية ولهذا فأنه يمكن التخمين بأن مفهوم الحرية كان يعني إن الإنسان الحر هو ليس الإنسان العبد وهذا يعكس ان ظهوره جاء بعد وجود ظاهرة العبودية والا لماذا سمي شخص ما بـ (حر) إذا كان جميع الناس أحرارا و يشتركون في صفة الحرية .
تختلف النظرة إلى الحرية وإلى الأحرار من مجتمع إلى آخر، ومن مدرسة فكرية إلى أخرى، وكثيراً ما تجدّ تطورات اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك لتمد التعريف بأضواء كاشفة، أو بقيود جديدة، وما من شك في أن للحرية مقوماتها القانونية ومكوناتها الفلسفية والتي بدونها لا تعد شيئاً لدى المذاهب الفكرية المعاصرة .وغني عن القول أن معرفة الحرية – ثقافياً أو نظرياً – غير ممارستها وإن كانت الأولى أصلاً في تحقق الثانية..وإذا ما تأصل مفهوم الحرية في مجتمع ما فسيكون تأصله مطابقاً ومساوياً لمعنى الوجود والحياة ، وبدونه تبقى الحياة الإيجابية معطلة، ووجود مثل هذا المجتمع يكون متساوياً مع وجود سقط المتاع من الأشياء والمجتمع الذي يؤثر الحرية سيحرسها حراسة المحبة ، بينما العبيد يحرسونها حراسة الخوف ، والمجتمع الحر هو الذي يختار ويشارك فيما يمس وجوده فرداً أو جماعة” .
وفي موضوع الحرية يحلو للكثيرين أن يجعلوا من النموذج الغربي – أشخاصاً وأفكاراً – أساساً للانطلاق في أي بحث عن الحرية، ويرى هذا الفريق – المأسور أو المبهور بحضارة الغرب – أن كل كلام في الحرية يعارض كلام الغرب وكل تصرف لا يضارع تصرفه لا يؤذن له بالدخول إلى حلبة – الفكر السامي – .
هذه الشنشنة نجد أشباهاً لها ونظائر في عالم الأدب – ولا سيما الشعر – فلن يلج الشعر رتاج العالمية ولن تسلّم للشاعر مفاتح الأدب الخالد إن لم يبلغ القلق – على المصير – منه الحلقوم ،وتأخذ الحيرة بمجامع نفسه وأن يكون الرمز بل (اللغز) هو أخص لوازم هذا الشعر فلا يفهمه إلا نفر قليل وحبذا لو استعجم فهمه حتى على قائله ! ! ! ومن لم يرزق هذه النعم قذف بـ (التقليد – والكلاسيكية – والعمودية) إلى آخر ما هنالك من التسميات .
فما التعريف القانوني للحرية عند الغرب أصلاً يا ترى؟!
التعريف الغربي للحرية ببساطة هو: ( الحرية هي أن تفعل ما ترغب دون التأثير على حرية الآخرين أو أن تضر بمصالحهم). وهذا ما منصوص عليه في دساتير القوم.
دعونا نتأمل:
البيئة تشمل كل ما حولك من شركاء في المكان من بشر ومخلوقات وجمادات وطقس وموجودات، بل هي دالة للمكان وكل محتوياته المحسوسة وغير المحسوسة. وعليه ليس هناك حرية فردية مطلقة، فأي تعارض بين ما لك من حقوق وما لأولئك الشركاء من حقوق لا يسمح به أو لا يدخل ضمن حريتك الشخصية حتى وإن كان بالنسبة لك ضرورة.
فحرية المرأة أو الرجل في اختيار معشوقين أو أخدان أو شذوذ أو مثلية جنسية أو التدخين أو الإدمان أو السُكر أو أي تصرف يسئ للبيئة بما تحوي من تفرعات ليست حرية شخصية، بل تؤثر سلباً على من يشاركنا في بيئة الأرض تأثيرات مادية فيزيائية أو معنوية واعتبارية ونفسية،وهذا بدوره ينعكس على الآخرين وتصرفاتهم، ويسهم في تحطيم النظم البيئية سواء الاجتماعية او الاقتصادية او غيرها.
فالضرر النفسي الذي تسببه الخيانات اكبر من الضرر المادي، ولو أن قانوناً وضعياً يسن بدفع غرامات مالية على الزوج أو الزوجة الخائنة تعويضاً للضرر النفسي والمعنوي والاعتباري للطرف الآخر لما قام أحد بخيانة شريكه أو اتخاذ عشاق وصداقات وأخدان وما شاكل..
أرأيت لو أن شخصاً ما (رجل أو امرأة) عمل عقد عمل في شركة يتقاضى عليه مرتبا ويحتم عليه عدم العمل مع طرف ثالث، هل يستطيع ان يعمل في شركة أخرى رغم علمه بأن ذلك ممنوع عليه قانوناً بما يرتب عليه جزاء مالياً أو عقابياً؟! فذات الأمر في عقد الزواج وهو عقد اجتماعي وأخلاقي وقانوني أيضاً إلا أنه لم يسن قانون مشابه لحالة العمل العقابية، فالحالتان أعلاه تمثلان حرية شخصية لكن الاولى لم يسن لها قانون رغم أنها تصطدم بحرية شخص آخر ومشاعره بينما الثانية كان فيها عقوبات رادعة للجاني.
على هذا الأساس دعونا نناقش مسيرة ما سمي بحقوق المرأة عبر التاريخ، وكيف كان الإسلام سباقاًُ في وضعها وتشريعها، وأما ما سمي بحقوق للمرأة زوراً وبهتاناً لأنه ببساطة يتعارض مع شركائها في المجتمع فإن الإسلام منعه وحذر منه لأن نتائجه كارثية ووخيمة على المرأة قبل غيرها..
ولو أردنا التفصيل نجد أن الحقوق التي ناضلت المرأة من أجل تحقيقها في الغرب بعد الثورة الصناعية وخلال القرنين الماضيين كان الإسلام الحنيف قد أعطاها وكفلها للمرأة قبل أكثر من 1400 عام لأنها فيها حق وصلاح. ومن ذلك:
• حقوق الملكية (Property Rights)
• حق االتصويت والانتخاب (The Right to Vote)
• تشريع حق العملِ وحماية النساء العاملات (Protective Labor Legislation)
• قانون الحقوقِ المتساويِة (Equal Rights Amendment (ERA))
• قانون الأجور المتساوية (the Equal Pay Act)
• الحقوق المدنية (Civil Rights Act)
بينما التشريعات التي جاءت بعد تلك الحقب وخصوصاً خلال الستين سنة الماضية كانت قد تعدت مرحلة الحقوق إلى مرحلة الشذوذ عن الفطرة السليمة والحس الوجداني الكريم والأخلاق القويمة، فتلك ومثيلاتها قد منعها الإسلام لأنها مدمرة للأسرة والمجتمع. ومن تلك التشريعات :
• حقوق النسل والإنجاب والإجهاض(Reproductive Rights)
• ما سمي بحقوق الشواذ والساقطات .
• ما سمي بحق اتخاذ الأخدان.
فأي الفريقين أحق وأدق وفق أي عقل سليم ومنطق حكيم؟!
فلقد سبق الإسلام كل الحضارات بإعطاء حقوق المرأة بشكل متوازن غير فوضوي ولا عشوائي ولا مصلحي
فقد كانت المرأة مظلومة في جميع الحضارات السابقة له والمعايشة لصعود حضارته في فترتها الذهبية، كما ولم تتمكن الحضارات اللاحقة بما فيها ما بعد عصر انفجار الثورة الصناعية في بدايات القرن التاسع عشر وانطلاق المرأة للعمل ومطالبتها بالمساواة بالرجل في الولايات المتحدة والدول الأوربية الكبرى وما تبع ذلك كما بينا من أن تخلق توازناً في الحقوق والواجبات وتنظيماً بين الحقوق والحدود وتفصيلاً في تداخل الحريات كما فعل شرعنا الحنيف..
للمرأة في الإسلام حقوق كاملة كالرجل تماماً؛ في العلم والعمل والتصويت والانتخاب والسفر والتجارة والتملك . فقد كفل الإسلام للمرأة حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية وأسرية وشخصية، فلها حقوق عامة وحقوق خاصة. وقد فصل في ذلك العلماء الأفاضل في كتب مهمة مثل الأستاذ الدكتور عبد الكريم زيدان والشيخ الشعراوي وغيرهم فضلا عن كتب الأولين.
وقد وشهد التاريخ الإسلامي ازدهارا لدور المرأة في جميع المجالات وبرز دورها في جميع شؤون الحياة، وتراث الأمة يزخر بعشرات بل مئات النماذج، ولكن هذا الدور انحسر في القرون الثلاثة الأخيرة بسبب الجهل وعدم تطبيق الدين والشرع بالشكل الذي طبق في العصور الأولى أو الـ 1000 سنة الأولى من تاريخ المسلمين.
والإسلام أول من أنصف البنات في وقت كانت كل حضارات العالم بشرقه وغربه تنظر الى البنات على انهن جنس دوني لا خير فيه، فكانت تباع وتشترى وتسبى، تذبح قرباناً للآلهة عند الهنود والصينيين، عند الفرس تقدم قرباناً للنار، وعند الرومان كانت توضع تحت قدمي الامبراطور، بل وصل الأمر عند العرب بأن تدفن البنت حين ولادتها خوفاً من العار كما يظن القوم: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)} [ النحل] .. لاحظ تعليق القرآن الكريم (ساء ما يحكمون). وقال تعالى: { وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) } [التكوير]. فجعل هذا الأمر متوازياً في هذه السورة مع عظائم الأمور الكونية التي ذكرتها السورة المباركة.
والإسلام أول من أنصف المرأة بإزالة الظلم عنها حول عدم مسؤوليتها عن تحديد جنس الجنين، عكس ما هو سائد ومتعارف عليه في كثير من الثقافات العالمية في الشرق والغرب ، وهو بذلك سبق علم الوراثة الحديث الذي اكتشف هذه الحقيقة مؤخراً. قال تعالى: { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[البقرة:223]، والقرآن صرح بهذه الحقيقة التي توصل إليها علماؤنا اليوم تصريحاً لا لبس فيه, بقوله تعالى: { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)} [ لنجم:45-46] . وكذلك في قوله سبحانه: { أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)}[القيامة: 36- 40].
وقد أوصى الله تعالى ورسوله الكريم بالنساء في سور وآيات صريحة واحاديث صحيحة عديدة. قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [ لقمان:14]، وقوله سبحانه: {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [ الأحقاف: 15]. ولأجل ذلك أيضاً نبه تعالى عن تلك الآلام التي تعانيها المرأة عند الحمل والوضع وغيره والتي أثبت علمياً أنها أقوى أنواع الآلام من بين كل أنواع آلام الأمراض الأخرى التي تحصل للبشر في كتابه الكريم وسماه (وهناً ) بل وشدّد فقال (وهناً على وهن)، وفي الآية الأخرى بلفظ (كرهاً) وهذا كله تبياناً لشدة التعبير عن الألم ومعاناته.
فلم يبين القرآن الكريم في كل آياته تركيزاً على حالة ألم لمرض قدر تركيزه على ألم الوضع. بل أن المرأة التي تموت في الولادة تعتبر شهيدة، لذلك ذكرت أحاديث كثيرة للنبي r في الأم تبين لك منزلتها في الإسلام. ويالها من منزلة جعلت الجنة تحت قدميها، وجعلت منزلة الأم مقدمة على منزلة الأب بثلاثة أضعاف. ففي صحيح مسلم (البر والصلة والآداب 4622 ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ، قَالَ : (أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ ). وقال عليه الصلاة والسلام عن النساء في أحاديث عديدة مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)، وكذلك قوله: (اللَّهَ اللَّهَ فِي النِّسَاءِ)، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام الذي يحث فيه الرجال أن يكونوا خير الناس بأن يعاملوا أهلهم وأزواجهم بالخير والصلاح والبر والإحسان، فقد ورد في صحيح ابن حبان – محققا (9/ 484/ 4177) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “خَيْرُكُمْ خَيْرَكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خيركم لأهلي، وإذا مات صاحبكم فدعوه”.
س1 : من المفارقات العجيبة أن تتحول نجمة التلفزيون الالماني كريستيان بيكر،وهي في قمة عطائها وشهرتها وعن قناعة تامة الى الاسلام وتستعرض مسيرتها بعد اسلامها بكل فخر وإعتزاز في كتابها (من محطة التلفزيون MTV .. إلى مكة، كيف غير الإسلام في حياتي) لتثني بكتاب لاحق بعنوان (الإسلام كوسيلة القلب: لماذا أنا مسلمة؟)،في وقت تفاجأ فيه بـ “نسوية” من عائلة مسلمة “الدكتورة نوال السعداوي”وقد ندبت نفسها طوال حياتها لإستفزاز مشاعر المسلمين على خطى المستشرقين في محاولة منها لإثارة الشبهات حول الاسلام وثوابته ولعل من زوابعها التي ما انفكت تلوكها في تصريحاتها ومحاضراتها حتى وفاتها مسألة “للذكر مثل حظ الاثنيين”ولطالما جاهرت السعداوي،بأن “نظام الميراث في الاسلام ظلمٌ كبير للمرأة، ويجب مساواة ميراث الرجل والمرأة !”،كيف تردون على هذه الشبهة التي يتصاعد غبارها كعاصفة رملية في عصر التصحر المعرفي،والجدب الثقافي بين الحين والآخر على لسان-النسويات- من أشباه السعداوي ونظائرها ؟
-الجواب ببسط تفصيلاته كي نوضح لمثيريه كيف كذبوا عليهم ودلسوا الحقائق كي يجعلوهم يصدقون بتلك الفريات التي لا يقبلها من يملك ذرة من عقل سليم ومنطق حكيم.
دعونا نبين حقيقة الفروق الحقيقية بين الجنسين من عدة أبواب..
الفروق بين الأجناس كما توصل له العلم الحديث وفق آخر البحوث وأدقها وأرصنها تؤكد أن الكون كله يخضع للفروقات، وأنه ليس هناك تساوي بين أي جنس وآخر من الذرة وحتى المجرة، فالأزواج والزوجية والأضداد نظام كوني راسخ وحقيقة واضحة لا ينكرها إلا مكابر ومعاند وجاهل.
أما ما يتعلق بالفروق الخاصة المتعلقة بجنس البشر فثمة فروق كثيرة بين الجنسين ولا يمكن تساويهما فيزيائياً وفسيولوجياً وسايكولوجياً ودماغياً حتى أن هناك تقسيمات في هذا الموضوع أوضحتها في كتابي آنف الذكر وهي:
1. الفروق الفسلجية والجسمانية
2. الاختلافات الفيزيائية
3. الاختلافات السلوكية والمهارية والذهنية
4. الفروقات في الناحية المرضية
5. الفروق السلوكية عند الكبر
6. الفروق في الذكاء ووظائف الدماغ
7. من الناحية الاجتماعية ومجال النمو الجسماني واكتساب المهارات
8. من النواحي السلوكية والتطورات والتقلبات في العلاقات الاجتماعية
9. من الناحية الطبية وعلم وظائف الأعضاء
10. الاختلاف في تقبل التأثيرات البيئية
11. الاختلاف حتى في الأحلام
الأمر يطول في تفصيل كل ما تقدم من فروقات، ولكني سأختار لكم مقتطفات من بحوث ودراسات غربية تؤكد تلك الحقائق.
يقول الدكتور إبراهيم الفقي –اختصاصي النفس والذهن وصاحب المؤلفات والبحوث المعروفة عالمياً – أن العلم الحديث والمراقبة الترددية للدماغ البشري أثبتا باليقين أن أسلوب تفكير الجنسين مختلف بشكل كبير بل وجذري، فالرجل يمتاز بأسلوب تسلسلي للتفكير (Sequancial Way)، أما أسلوب تفكير المرأة فهو أسلوب حلزوني (Spiral Way). كما بينت البحوث النفسية أن معدل الإصابة بمرض الكآبة عند النساء أكثر بثلاثة أضعاف ما هي عند الرجال.
يقول الدكتور (أليكسس كاريل) الحائز على جائزة نوبل: ( يجب أن يبذل المربون اهتماماً شديداً للخصائص العضوية والعقلية في الذكر والأنثى، كذا لوظائفها الطبيعية. هناك اختلافات لا تنقص بين الجنسين ولذلك فلا مناص من أن نحسب حساب هذه الاختلافات في إنشاء عالم متمدن).
لنستمع جيداً لنتائج خطيرة واعترافات مهمة صادرة عن كبار متخصصين في مجال الفروق بين الجنسين..
فعن بحث بعنوان: الاختلافات بين الجنسين والأداء العِلْمِي (Gender Differences and Performance in Science)، نشر في مجلة ساينس الأمريكية العلمية المعروفة، العدد 307 في 18 فبراير –شباط- من عام 2005م، ص 1043.. (SCIENCE -VOL 307 – 18 FEBRUARY 2005 – P:1043). وقد اشترك في تلك الدراسات المهمة عدد كبير من كبار المتخصصين ذكرتهم في كتابي بالأسماء.. نقدم مختصرات لهذا البحث الشامل المهم:
في يوم 14 يناير – كانون 2- من عام 2005م، تحدث رئيس جامعة هارفارد (HARVARD UNIVERSITY PRESIDENT) الرّئيس لورانس سامرز (Lawrence Summers)، خلال اجتماع المكتبِ الوطنيِ للبحث الإقتصادي (National Bureau of Economic Research) عن حقيقة الفروق الطبيعية الخلقية بين الجنسين وقلة حظوظ النساء في التفوق العلمي بسبب عوامل طبيعية لا اجتماعية، واستند خلال حديثه بقلة عدد المتفوقات الإناث في اختبارات الرياضيات والعلوم الطبيعية الأخرى المطبقة في المدارس الثانوية، وموعزاً سبب قلة عدد الناجحات الإناث بل والوالجات في الحقول العلمية والتخصصات الطبيعية والرياضية إلى أسباب طبيعية خلقية وراثية تتعلق بقابليات المرأة الحقيقية الواقعية بعيداً عن التمنيات والشعارات.
واستند خلال حديثه لعدة بحوث ودراسات منها مثلاً بحث الفجوات العرقية بين الجنسين المنشور في أخبار الإسبوعِ في صفحة 492، عن أي. لولير في تفاصيل اختبارات قبول التدرجات العلمية [(gender, racial gaps,” News of the Week, A. Lawler, 28 Jan., p. 492). Well accepted, path breaking research on learning [for example, (1, 2)]].
وقد بينت الاختبارات والبحوث التي شارك فيها العديد من كبار المتخصصين في مجال القابليات العقلية والذهنية والنفسية والفيزيائية بأنّ التوقّعاتِ تُؤثّرُ على الأداءِ بشدّة، خصوصاً على الإختباراتِ. فإذا كان المجتمعِ العلمي ومؤسساته وباحثوه ومعلموه بل وزعماءه من امثال رئيس جامعة هارفارد (HARVARD UNIVERSITY PRESIDENT) الرّئيس لورانس سامرز (Lawrence Summers) يَتوقّعُون بشكل علني وفق دراسات وبحوث رصينة وليست أمراً تخمينياً أو حدسياً أو شعورياً بأن البناتِ والنِساءِ سوف لَنْ يُؤدّينَ بنفس الأداء المتميز للأولادِ والرجالِ في مجالات العلوم الطبيعية والتقنيات. على الصعيد ذاته، هناك القليل من الإثباتات تبين بِأَنَّ تلك المستويات المتدنية من الإنجاز والإحراز لدى الإناث في الإختباراتِ القياسيةِ يمكنه أَنْ يسجل نجاحات في مهن علمية وتقنية فعلية. وعليه فإن النتيجة الطبيعية تقول أنهن لن يؤدين بشكل أفضل في التطبيقات الحياتية العملية في المصانع والمختبرات والمراكز البحثية كذلك.
هناك الكثير من العوامل المتعلقة بالمسألة هذه كما يبين رئيس جامعة هارفارد لورانس سامرز (Lawrence Summers)، ومنها ما هو معقد ومتشابك، ولكن الدليل القاطع الذي ليس فيه مجال للبس يقول بأن الجُهود والإنجازات النِسائية في مجال العلوم التطبيقية والطبيعية والرياضيات ليست جيدة وغير كفوءة كما هي الحال عند الرجال. ويضيف: (نحن مَعْنيون بتثبيت حقيقة أن الوضع الراهنِ للنِساءِ في العِلْمِ والهندسة متدني وغير كفوء لأسباب قدْ تكون طبيعيَة، وراثية، أي بمعنى آخر أنها أمر حتمي وغير مرتبط أبداً بالعوامل الإجتماعية والتربوية). ويقول كذلك: (نحن كزعماء في العِلْمِ والهندسة والتعليم، فنحن قلقون حول الاقتراحِ الواجب تبنيه بأن وضع الإناث في هذه المجالات العلمية والتقنية ناجم عن أمر طبيعيَ، وهو أمر حتمي يجب الاعتراف به، وغير مرتبط بالمرة بأي عوامل اجتماعية).
لكن الأمر نفسه ينعكس عند الحديث عن مجالات تخصصية أخرى كالطب والقانون مثلاً كما يبين سامرز، ففي عام 1970م، كان النِساء يمثّلنَ 5 % فقط مِنْ طلابِ كليةِ الحقوق و8 % مِنْ طلابِ الكليّة الطبيّةِ. لكن هذه النِسَب المئويةِ المنخفضةِ زادتْ بشكل كبير وملحوظ بل جوهري بسبب التغيرات الإجتماعية والجهود المؤسساتيَة والفرديَة المعنية، واليوم النساء يشكلن حوالي 50 % في كُلّ حالة من حالتي الطب والقانون. ولعله من الواضح، أن النِسَب المنخفضة للإشتراكِ في تلك التخصصات في فترات السبعينيات من القرن العشرين كانت بسبب التأثيرات الاجتماعيةِ وليست الجينية الوراثيةَ، وأنها كانت تشكل موانع النجاحِ للمرأة في تلك الحقول، الأمر الذي لا يتطابق مع حالة العلوم الطبيعية والتقنية والهندسية والتطبيقة.
على أن الرجل حث في نهاية مقالته على خَلْق جيل واع لتشجيع وتطوير الوسائلِ الفعّالة للاستفادةِ من قابليات كل أفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً كل حسب قابلياته وإمكاناته، بضمن ذلك السياساتِ والممارساتِ المؤسساتيةِ، التي تُمكّن النِساءَ من إبراز إمكاناتهن سواء في مجالات العلوم الإنسانية أو الطبيعية والتطبيقية.
الدراسات والأبحاث التي أكدت وجود الفروق السلوكية والبيولوجية بين الرجال والنساء دفعت عدداً من التربويين إلى الافادة من هذه الحقيقة في مجال التعليم، ومن هنا ولدت فكرة مدارس الجنس الواحد في أمريكا وأوربا في سابقة يستغربها الكثيرون ويراها البعض طبيعية.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي الاسبق جورج بوش ،قد اعلنت في وقتها عزمها تشجيع مبدأ عدم الاختلاط بين البنين والبنات في المدارس العامة، وذلك في عودة لقانون كان سائداً قبل 30 عاماً.
وقد صدر إعلان عن هذا المشروع في السجل الفيدرالي وهو الصحيفة الرسمية الأمريكية بتاريخ 8/5/2002م، وجاء في بعض فقراته: ( أن وزير التربية ينوي اقتراح تعديلات للتنظيمات المطبقة حالياً تهدف إلى توفير هامش مبادرة أوسع للمربين من أجل إقامة مدارس غير مختلطة، وإن الهدف من هذا الإجراء هو توفير وسائل جديدة لمساعدة التلاميذ على التركيز في الدراسة وتحقيق نتائج أفضل).
وقد أثار القرار انتقاد فئة واستحسان آخرين. على إثر ذلك أكد البروفيسور أميليوفيانو أن ” العديد من الدراسات التي أجريت على تلاميذ وتلميذات أظهرت أنه في بعض مراحل نموهم يرتفع مستوى التحصيل الدراسي لديهم في حالة الفصل بين الجنسين أثناء الدراسة” .
وأضاف ( إن بعض الفتيات يشعرن بالميل إلى بعض الفتيان، الأمر الذي يحرمهن من تطوير حياتهن الاجتماعية والعلمية فضلاً عن التحصيل الدراسي، وكذلك الحال بالنسبة للتلاميذ الذين يفضلون الانفصال عن الفتيات حتى لا يتحتم عليهم الالتزام ببعض اللباقات والتصرفات التمثيلية التي تؤدى في حالة حضور الفتيات.
وأيدت الجمعية الوطنية لتشجيع التعليم غير المختلط هذه التوجهات وعرضت دراسة أجرتها جامعة ميتشيغان في بعض المدارس الكاثوليكية الخاصة المختلطة وغير المختلطة تفيد أن الطلاب في المدارس غير المختلطة كانوا أفضل في مستوى القراءة والكتابة والرياضيات.. كما صدرت شهادة أخرى بنفس الاتجاه عن الوكاة التربوية الوطنية الأمريكية أفادت نتائج بياناتها الاحصائية بأن الفتيات الأمريكيات في الفصول المختلطة أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والانتحار.. وفي دراسة لمجلة نيوزويك الأمريكية ذكرت بالأرقام والإحصائيات أن الدارسات في الكليات النسائية غير المختلطة هن الأكثر تفوقاً ونجاحاً في حياتهن الدراسية والمهنية بعد التخرج.. كل تلك الإعلانات تأتي لتهدم الصرح الكبير الذي بني ليحتضن النظرية القائلة بوجوب المساواة والاختلاط والشذوذ.
وفي بريطانيا أكدت بحوث نشرت في العديد من الدوريات أن المدارس التي حققت تفوقاً دراسياً في طلبتها هي تلك المدارس التي لا يوجد فيها اختلاط بين الجنسين، فقد حققت 15 مدرسة للذكور و 14 خاصة بالإناث التفوق في شهادة ( A-LEVEL).. هذه النتائج جعلت مجلس إدارة مدرسة (شين فيلد) الثانوية في منطقة برنت وود تقرر فصل الطلاب عن الطالبات، وقال المدير الدكتور أوزبورن (قد يبدو القرار عودة إلى الماضي، ولكنه اتخذ لمصلحة الطلبة ومستقبلهم من الجنسين، فقد اكتشفنا أن الطالبات في التعليم المختلط يضيعن جزءاً كبيراً من أوقاتهن في الاهتمام بالمظاهر والمكياج وأنهن مع وجود الطلاب الذكور يفقدن زمام السيطرة ولا يعرفن الهدف).. وتؤكد الإحصاءات أنه عندما يدرس الطلبة من كل جنس بعيداً عن الجنس الآخر فإن التفوق العلمي يتحقق، ففي وسط التعليم المختلط أخفقت البنات في تحقيق التفوق في مجال الرياضيات والعلوم والفيزياء والتكنلوجيا والكومبيوتر، وقد أيدت الإدارة التعليمية في منطقة نيوهام هذه الحقائق في دراسة تحليلية.
أليزابيث فليجوري –رئيسة رابطة مدارس البنات الخاصة- لم تؤكد هذه الإحصاءات حسب، بل أكدت أيضاً أنه مع التوسع في استخدام التكنلوجيا في العملية التعليمية تزايد معدل التفوق لدى البنات في المدارس غير المختلطة، وأن نسبة النجاح بينهن ارتفعت في الشهادات العامة إلى 93% ونسبة التفوق بامتياز إلى 50%. وقالت فليجوري( في محيط نسائي خالص بعيد عن الضغوط النفسية والاجتماعية وتأثير الجنس الآخر، استطاعت البنات من أن يؤكدن تفوقهن وقدرتهن على استيعاب المعلومات واستخدامها وتحليلها واتخاذ القرارات فيها)…
ولعل شهادة شيرلي وليامز الأستاذة في جامعة هارفرد والتي أمضت حياتها الدراسية في مدارس غير مختلطة حتى حصلت على شهادة (A-LEVEL) ثم التحقت بكلية سرفيل – غير المختلطة أيضاً – بجامعة أوكسفورد، توضح الكثير من تميز التعليم غير المختلط، فتقول ( في هذا الجو الخالي من الضغوط التي يسببها وجود الرجال، يكون عطاء البنات عالياً وإيجابياً ومثيراً يؤكد قدرتهن على الإبداع والتفوق والعطاء، كما أن وجودهن لوحدهن دون الرجال يزرع في أنفسهن الثقة العالية والصداقة الحميمة البعيدة عن الأغراض والشبهات).
بدوره أعد عالم الاجتماع الأمريكي روس ستولز نبيرج دراسة لجامعة شيكاغو تحت عنوان (لماذا تشكل الزوجة العاملة خطراً على زوجها؟)، قال فيه ( إن السبب الرئيس في ذلك هو أن الأزواج والزوجات ما زالوا يؤدون أدواراً مختلفة في الزواج، وليس هناك مساواة بينهما في هذا، وأن مهمة الحفاظ على سلامة العائلة وصحتها تبقى ضمن مسؤوليات الزوجة، فالنساء يتدربن منذ الطفولة على التعامل مع المشاكل الطبية ونشر الوعي الصحي بين أفراد الأسرة ويلممن بالأعراض المرضية. كما وأنهن المسؤولات عن الحياة الاجتماعية)…
وحذر فلاسفة غربيون من مغبة المساواة المطلقة غير المنضبطة بين الرجال والنساء، فقد انتقد الدكتور اليكسس كاريل في كتابه (الإنسان ذلك المجهول) الحضارة المادية الغربية وما جنته من تحلل وانهيار للأسر والمجتمعات، عازيا ذلك للمساواة بين الجنسين رغم وضوح الفروق العضوية والجسدية والفيزيائية والنفسية بينهما.
وتشير عدة إحصاءات في دول متقدمة أن 70% من النساء يفضلن البقاء في البيت وعدم العمل إذا ما توفرت لهن القدرة المالية للعيش بسبب الضغوط الشديدة التي تتعرض لها المرأة في العمل والذي لا يتناسب مع قابلية تحملها، مما يزيد في تعرضها لتدهور في الصحة أو الحالة النفسية. وقد كشفت نتائج في الولايات المتحدة أن المرأة استطاعت أن تقلص الهوة بينها وبين الرجل في مجالات علمية مختلفة ولكنها تفوقت عليه في مجال الاكتئاب والتدخين والانتحار والمخدرات والكحول.
ويشير الدكتور محمد رشيد العويد رداً على الداعين للمساواة والمتقولين بأن الفروق إنما جاءت بسبب البيئة المحيطة والعادات التي نشآ وسطها والتربية التي تلقياها في الصغر بقوله ( الدراسة والبحث والعلم أثبتت أن الفروق بين الجنسين فروق عضوية موروثة وليست مكتسبة ومن ثم فإن محاولة المساواة بينهما محاولة فاشلة مناقضة لطبيعة كل منهما. لقد قام فريق بحثي بتشكيل معسكر ضم عدداً من الأطفال من الجنسين أشرف على تربيتهم مربون يتبدلون كل فترة زمنية معينة، وقد حذفت كلمة رجل وإمرأة في المعسكر وتم تجنب كل إشارة أو عمل أو سلوك فيه تفربق بين الجنسين من الأطفال الذين ترعرعوا أحراراً من كل قيد أو صفة يطلقها عليهم المجتمع حتى أنهم تركوهم يمارسون جميع الأعمال دون الأخذ بنوع العمل إذا كان يخص الرجل أو المرأة.. وحين كبر سكان المعسكر وخرجوا للمجتمع آثرت المرأة القيام بدور الأم وربة البيت، وآثر الرجل القيام بدوره في تأمين دخل الأسرة والعمل الشاق ومارس الحياة بشكل عادي جداً دون تأثير محسوس لذلك المعسكر وما بذل فيه من جهود وأموال وأمور أخرى لمحو الفروق بين الجنسين، فثبت بذلك أن نمط الحياة التي يختارها كل من الجنسين لنفسه تخضع لتحكم طبيعة الجنس وتكوينه العضوي ).
ولو أتينا على الفروق في الذكاء ووظائف الدماغ فملخص بعض البحوث كما يلي:
رغم أن الدماغ مسؤول عن كل ما سبق من فعاليات جسمانية أو وظيفية، نقول أن المسألة فيها بحوث تفصيلية تبين الفارق بين دماغ الجنسين في سبل تنظيمهما وأساليب عملهما رغم تساوي نسب الذكاء بينهما وتشابه الشكل العام فيهما. فقد قام علماء من جامعة ولاية نيويورك في بافالو في الولايات المتحدة بإجراء تجارب على 17 ولداً و 18 بنتاً تتراوح أعمارهم بين 8-11 عاماً، لدراسة كيف تتغير موجات الدماغ في جزأيه عند القيام بعملية التعرف على تعابير وجوه معينة عرضت عليهم، ووجد العلماء أن كل جنس استخدم جزءاً من الدماغ يختلف عن الجزء الذي استخدمه الجنس الآخر في معالجة المعلومات. ويعتقد العلماء أنه من المحتمل أن الأولاد تعرفوا على تعابير الوجوه بطريقة عامة، وهي مقدرة مرتبطة بالجزء الأيمن من الدماغ، بينما عالجت الفتيات معلومات التعرف على تعابير الوجه بطريقة خاصة، وهي قدرة مرتبطة بالجزء الأيسر من الدماغ…
أما مخ الرجل فيزيد وزنه عن مخ المرأة بمقدار 100 غرام ونسبة وزن مخ الرجل لجسمه تعدل 1/40 بينما نفس النسبة عند المرأة تعدل 1/44. ويقول الباحثون أنهم وجدوا أن تخزين المعلومات يختلف في الرجل عما هو في المرأة، وهو ما يفسر تفوق الرجل عن المرأة في عالم الاختراعات والابتكارات، بل أن جميع التخصصات في الفنون والأعمال الخاصة بالمرأة كالطبخ والأزياء زاحم الرجال بها النساء وتفوقوا عليهن. أما في حالة الدماغ لمراحل النشاط الذهني المتقد فقد تم الإثبات بالبحوث والتجارب والمراقبة أن لحقل الذاكرة في دماغ الرجل أكبر حجماً منه في دماغ المرأة.
وهنا يتجلى أمر الله تعالى بجعل الشهادة برجلين، فإن تعذر فرجل وامرأتان كي تذكر إحداهما الأخرى إن هي نسيت … فسبحان المُشرِّع الحكيم
أما في حالة الكبر والشيخوخة فإن المرأة المسنة تبدي مطولة أكبر من الرجل المسن في نواحي وظيفية عديدة للدماغ، فقد أثبتت الدراسات أن النساء يمضين سنين أطول بعقل سليم وذكاء يحسدن عليه، وجاء في الدراسة التي أجريت لمصلحة جامعة ليدن في هولندا وشملت 599 شخصاً تتجاوز أعمارهم الخامسة والثمانين، أن النساء المسنات أسرع استجابة وعقولهن أكثر حدة. كذلك أظهرت الدراسة أن النساء المسنات يتفوقن على الرجال المسنين في القدرة على استعادة الماضي والتذكر. والعجيب كما ذكرت الدراسة أن 70 % من المستطلعات لم ينلن تعليماً عالياً وعلى الرغم من ذلك سجل نتائج عقلية أفضل من الرجال، وعزا الخبراء السبب في ذلك إلى أن دماغ المرأة مهيأ ليعمل لمدة أطول لأنها تعيش عمراً أطول.
وأفادت نتائج بحث آخر لنفس الفئة العمرية روعي فيه أن النساء المبحوثات أقل تعليماً من الرجال أن قدرة النساء المسنات العقلية أفضل مما هي لدى الرجال المسنين، ويرجع ذلك إلى كونهن أقل عرضة للإصابة بالنوبات القلبية مما يجعل تدفق الدم إلى أدمغتهن أيسر. كما أجرى الخبراء في هذا البحث اختباراً لمعرفة سرعة التفكير والقدرة على التذكر لدى المبحوثين فحقق نسب أعلى في اختبارات سرعة الفهم والقدرة على الاحتفاظ بذاكرة قوية، وتبين أن سرعة الفهم كانت 33% لدى النساء مقابل 28% لدى الرجال، وقد عزي ذلك لأمور عضوية تتعلق بالغياب النسبي لأمراض الشرايين عند النساء.
من الناحية الاجتماعية ومجال النمو الجسماني واكتساب المهارات: تقول الدكتورة ستوبارد ( يتميز الأطفال بعضهم عن بعض سواء أكانوا أناثاً أم ذكوراً، ويؤثر الأهل في معدل سرعة التطور لاكتساب المهارات لدى الجنسين. فمن ناحية النمو الجسماني نرى الإناث أسرع في معدل نموهن فهن يسبقن الذكور في النضوج في مرحلة المراهقة، ويبدو نموهن أكثر انتظاماً وسرعة إلى أن يبلغ الصبي سن البلوغ فينضج ويصبح أكثر قوة وسرعة فتقوى لديه العضلات والعظام، ويصبح أقل سمنة وتنمو عضلة القلب والرئتين لتستوعب أكبر قدر ممكن من الأوكسجين الذي يحتاجه الدم لتغذية العضلات والعظام. وتكون الإناث في مرحلة ما قبل المدرسة أكثر رشاقة ومقدرة على القفز والوثب وفي الحركات الإيقاعية والتوازن، بينما يصبح الذكر في وقت لاحق أفضل في تلك النشاطات التي تحتاج إلى الركض والقفز…
: أما في النمو اللغوي نجد الإناث أسرع من الذكور في اكتساب المهارات الكلامية ويستطعن صياغة جمل أطول وتركيب أحاديث إنشائية وتلازم هذه الميزة الإناث في حياتهن المستقبلية، كما يبدو أنهن يستطعن الكتابة والقراءة أسرع وتبدو قواعدهن اللغوية ونطقهن أفضل). وتضيف ستوبارد: ( ويظهر أن الإناث وحتى سن البلوغ أفضل بقليل من الذكور في الرياضيات ولكن الذكور يظهرون مهارات أفضل أثناء سن المراهقة ولا سيما في الهندسة الفراغية وهم يستوعبون العلاقات الرياضية والأبعاد الهندسية، وهذا التميز يبقى واضحاً ومستمراً في سن ما بعد المراهقة).. وتضيف الدكتورة ستوبارد ( يكون الذكور عادة أكثر عدائية وسيطرة من الإناث، كما يظهر الذكر ميلاً إلى التنافس والطموح، ومما لا شك فيه أن الإناث أكثر اجتماعية ويقمن علاقات صداقة متينة وتغلب عليهن صفة المسايرة، ويكن لينات العريكة). وتنصح ستوبارد الوالدين بضرورة مراعاة الاختلافات الفطرية بين الجنسين لتقويم نقاط الضعف لدى كل منهما كتوفير الكتب والمستلزمات الأخرى التي تعين كل جنس على معالجة نقاط ضعفه عن الجنس الآخر، وعدم ذكر تلك العيوب أمامهما. وتذكر الأبحاث أن البنات أكثر اتساقاً ومرونة من الأولاد وأقل ميلاً للنوم وأكثر استعداداً لتهدئة النفس، بينما الأولاد أكثر حركة وميلاً للقوة.
من النواحي السلوكية والتطورات والتقلبات في العلاقات الاجتماعية: الدكتور حامد زهران أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس يتحدث عن الفروق بين الجنسين من ناحية النمو الاجتماعي قائلاً ( يتعلم كل جنس المعايير والقيم والاتجاهات المرتبطة بجنسه مما يؤدي إلى اختلاف الذكور عن الإناث في بعض أنماط السلوك. ويرى بعض الآباء أن بعض سمات السلوك الاجتماعي تليق بالذكور كالشجاعة والقوة الجسمانية والتحكم في الرياضة البدنية والميل إلى التنافس والاستقلال. بينما هناك أنماطاً سلوكية تجتذب الإناث حصراً كالوقار الاجتماعي والنظام والدقة. وفي مرحلة الطفولة الوسطى، نجد أن الإناث يسبقن الذكور دراسياً ويتفوقن عليهم، ورجع ذلك إلى أن نموهن أسرع عن أقانهن الذكور خلال تلك السنوات، ولأنهن يقضين أوقاتاً أطول في البيت مع الكبار. والذكور يتجهون ليصبحوا أكثر خشونة واستقلالاً ومنافسة من الإناث اللاتي يتجهن إلى يصبحن أكثر أدباً ورقة ورأفة وتعاوناً من الذكور. ويشير الدكتور زهران إلى التنميط الجنسي أي تبني الأدوار واكتساب صفات الذكورة بالنسبة للذكور والأنوثة بالنسبة للإناث، ويتضمن التنميط الجنسي اكتساب المعايير السلوكية والميول والاهتمامات ونوع الألعاب والنشاط العام. فنجد الذكور يهتمون بالنشاط التناافسي والألعاب الخشنة كالدراجات والمصارعة والفنون القتالية وكرة القدم وغيرها، بينما الإناث يهتمون بالنشاطات الرقيقة كالطبخ والحياكة والخياطة وأهمال المنزل.
فالجنسين إذن يختلفان بحكم الوراثة والبيئة العضوية ووظائف الأعضاء، ومع النمو يتميز الجنسان اجتماعياً من حيث الملابس والمعايير السلوكية وخصائص الشخصية. وفي نهاية مرحلة الطفولة يبتعد كل جنس عن الآخر، ويظل هكذا حتى المراهقة، وتكون الاتصالات الاجتماعية بين الجنسين مشوبة بالفظاظة ونقص الاستجابة والمضايقات والخجل والانسحاب).. وهنا تجدر الإشارة للحكمة الإسلامية في تشريع هذه النقطة، فالمتأمل للتشريع الإسلامي المتعلق بحضانة الصغار يلمس إدراكاً عبقرياً للفروق بين الاحتياجات التربوية للذكر عن تلك للأنثى، في عالم الطفولة. وفي ذلك تقول الدكتورة كوثر محمد المنياوي ( تنتهي حضانة النساء للصبي في الإسلام بانتهاء المدة التي يحتاج فيها للنساء، وذلك بأن يأكل ويشرب ويلبس وحده ثم يكون مع أبيه حتى يبلغ سن الرشد فيستقل حينئذ بنفسه. بينما حضانة البنت تنتهي إذا بلغت البلوغ الطبيعي للنساء).
أما من الناحية الطبية وعلم وظائف الأعضاء: فلقد ثبت علمياً أن المرأة أقدر من الرجل بما لايقاس على الصمود في وجه الأمراض، والمؤكد علمياً أنها متفوقة تفوقاً عضوياً واضحاً على الرجل. هذا التفوق يسميه العلماء (الانتقاء الطبيعي)، أي أن الله تعالى كما زود الرجل بقوة جسمانية فيزيائية في عضلاته فإنه زود المرأة بجهاز خلقي وقابلية يضمن لها الصمود أمام الإرهاق المفرط ومقاومة وتحمل الأمراض المختلفة وآلامها أكثر من الرجل. يفسر الدكتور محمد رشيد العويد ذلك بأن الخالق العليم جل شأنه قد ميز الأنثى بهذه القدرة لأنه تعالى أسند إليها مهمات عضوية مرهقة لم يسند مثلها للذكور مثل الحمل والولادة وما يسبق ذلك وما يليه من حمل ونفاس ناهيك عن التغيرات الهرمونية والعضوية، هذا فضلاً عن الحيض وآلامه.
ويضيف لبروفيسور الألماني المعروف في جامعة برلين رودولف باوماشن (إن المرأة قادرة على تحمل الإرهاق والصدمات النفسية أكثر من الرجل)، وأضاف استناداً لنتائج سلسلة من التجارب الطبية والعلمية أن جسم المرأة يتفاعل بسرعة عنيفة وسريعة مع حالات الإرهاق النفسي ويفرز كميات كبيرة من هرمونات الإرهاق كمادة الأدرينالين والنورادنالين وأسيدات دهنية متحركة، إلا أن هذه الهرمونات تتقلص بسرعة كبيرة لدى المرأة بعد الإرهاق والانفعال النفسي. واستخلص البروفيسور من هذه التجارب أن المرأة تنفعل بصورة أسرع من الرجل إلا أنها تهدأ بالسرعة نفسها. وخلافاً لذلك فإن جسم الرجل يفرز هذه الهرمونات الناتجة عن الإرهاق بشكل بطيء مما يجعلها تستقر لمدة أطول في الدورة الدموية، فالإرهاق أثره أطول في الرجال مقارنة بالنساء. كذلك فإن للنساء عاطفة جياشة وحس مرهف ورقة في المشاعر بشكل أكبر من الرجل لأن تعاملها مع الأطفال بشكل مباشر يتطلب ذلك.. لأجل ذلك جهز الله تعالى النساء بكل تلك الإمكانات ولم يزودها للرجال لأن لكل واحد منهما مهام تختلف عن الآخر وأحدهما يكمل الآخر ولا يتضاد أو يتقاطع معه لبناء أسرة أساسها المودة والرحمة لبناء المجتمع الفاضل الراقي .
كما أثبتت البحوث الطبية أن الجنسين يستمران بفروقهما بعد البلوغ والكبر ، بل ويتطور الأمر إلى نشوء الخلاف الحقيقي بين الجنسين جسدياً وعضوياً ونفسياً. في الذكور تبدأ الخصية بإفراز هرمونات جنسية ذكرية المعروفة بالـ أندروجين، أهم ما فيها التيستوستيرون (يلاحظ السبق القرآني حول تأثير هرمون التيستوستيرون في النظام الهرموني في سورة مريم) الذي يسبب العديد من التأثيرات الجسدية المسؤولة عن كل الخصائص الذكورية للذكر، وهكذا تحصل مجموعة من الظواهر الجنسية الثانوية كنمو الذقن وشعر الصدر فضلاً عن عمق الصوت، كما يعزى للتيستوستيرون النمو السريع الذي يحصل في هذا السن. هذا النمو يحصل متأخر لدى الذكور لكنه يدوم فترة أطول مما لدى الإناث، ويتجسد ذلك بنمو أشد وضوحاً في تركيبة العضلات وقوة الأطراف السفلية التي يعتمد عليها نمو الشباب أطول من الفتيات.
كما أن توزيع الدهون لدى الرجال يختلف بحيث يذهب السواد الأعظم منه للمعدة والجزء الأعلى من الجسم.. بينما الفتاة عند بلوغها تبدأ بإفراز هرمونات جنسية هي الإستروجين من مبيضها، والتي تأثيرها عن تأثير التيستوستيرون بحيث تنمي المبيض والرحم وتدفع الإباضة الأولى. ويعتبر الإستروجين المسؤول أيضاً عن الشكل الأنثوي الذي يتميز باتساع الحوض وضيق الكتفين. كما وتختلف المرأة في توزيع الدهون وكميتها، إذ يحتوي جسم المرأة على ضعف ما يحتويه الرجل من الدهون ويذهب أغلبه للفخذين والردفين. كما ويحوي جسم المرأة على صنف آخر من الهرمونات الجنسية هو البرجيستيرون الذي يكون فعالاً خلال المرحلة الثانية من دورة مبيضها أي بعد كل إباضة فيتولى نمو النهدين وبدء المحيض.
وقد توصلت البحوث الحديثة التي أجريت في جميع أنحاء العالم حقائق جديدة لم يكن بالمتيسر التعرف عليها قبل التطور التقني والثورات العلمية المتلاحقة:
1. النساء يفكرن بكلا النصفين بينما الرجال بالنصف الأيمن.
2. التعليم الحديث لا يناسب أسلوب الرجال للتفكير.
3. يجب أن يكون لكل جنس أسلوب تعليمي خاص وهو ما طبقته مدارس بريطانية ثانوية .
4. قاموا بإعداد دورات وبرامج تناسب الصبيان والفتيات وعمل اختبارات لفهم كيف يفكر كل جنس، وقد لوحظ أن النساء اللواتي كان لهرمون التيستوستيرون الذكري أثر أكثر في كونهن أثناء طور الجنين يكن أكثر ذكاء ونشاطاً من أقرانهن.
5. تقول إحدى المختصات ليس من المنطقي إزالة الفروق الجسدية والذهنية والفيزيائية بين الجنسين وأن القول بالمساواة لا يعني التساوي المطلق في كل شيء بل هو حق كل فرد في أن ينال ما يناسبه من التعليم والتدريب .
وثمة مزيد ومزيد من الحقائق العلمية التي لا يذكرها المتنطعون والجهلة والمغرضون كي يجعلوا من الناس تصدق فرية المساواة بين الجنسين.
ولعل تلك الدراسات تشير لنا بشكل واضح إلى سبق إسلامي قرآني نبوي عظيم في أن التعليم والإبداع النسوي يمكن أن يكون في مجالات وعلوم إنسانية وتربوية كالتعليم والتمريض والتطبيب والعلوم الأنسانية بشكل عام، بينما العلوم الأخرى المجهدة ذهنياً وفيزيائياً وعقلياً للمرأة ستكون وبالاً عليها وعلى المجتمع..
ولا يعني هذا بأي حال من الأحوال منعها من تلك العلوم فإن هناك نابغات وعبقريات يمكن الاستفادة منهن، لكن الأمر على وجه العموم والإجمال.
وعليه وبناء على ما اتقدم لا بد من وجود اختلافات شرعية مستمدة من الاختلافات الخلقية والحقائق العلمية التي بينتها البحوث الحديثة أكدت أن العلم يذعن للقرآن الكريم ..
وهكذا:( الاختلافات التركيبية والوظيفية للمخ وبقية أعضاء الجسم)، تعني: (الاختلاف في التقبل والسلوك والإدراك )، وبدوره يعني: (الاختلاف في الفعاليات والنشاطات )، بما يفضي بالضرورة إلى: (اختلاف في الحقوق والواجبات )… وهو ما أكده كتاب الله تعالى والشرع الحنيف من قضايا ترتبط بالميراث وغيره.
بناء على ذلك جاء الأمر من الله تعالى بتحديد القوامة للرجل، وهي واجب تكليفي لا منصب شرفي بقوله جل وعلا في سورة النساء: { الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34)}، فبين سبب القوامة التفضيلية هو أنه بسبب بنيتهم الخلقية القوية التي توجب العمل والكد لتحصيل رزق الأسرة وحمايتها من نوائب الدهر، ثم أردف مبيناً حال النساء الصالحات اللاتي يصدقن بأوامر الله تعالى ويطعنه قانتات حافظات لشرف أسرهن وتربية اولادهن وحفظ أزواجهن مالياً واعتبارياً وما إلى ذلك، وأما من يحصل منهن الرفض والاعتراض والنشوز فأولاء يتدرج في حل أشكالاتهن ابتداء من النصح والوعظ والتذكير بأوامر الله تعالى، ثم الهجر في المضجع تأديباً لهن، ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي الضرب وهو بشروطه التي نذكرها لاحقاً إن شاء الله تعالى، فإن حصل في أي من تلك المرحال التراجع عن العصيان والرفض فلا تبغوا أيها الرجال عليهن ولا تظلموهن بالاعتداء عليهن بدون وجه حق.
وقد بينت آية أخرى أن تلك الأفضلية للرجال الناجمة عن قيامهم بأعباء الرزق والحماية والرعاية هي ليست سوى درجة واحدة فقط، فقال تعالى في سورة البقرة: { …. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}.
ما يحصل في مجتمعاتنا هو أن بعض من المفضلين تكليفاً لا تشريفاً- وهم الرجال بسبب ما بيناه- يعتقدون أو يتوهمون أن تفضيلهم إنما هو تفضيل تشريفي وليس تكليفي فيعتدون على النساء أحياناً بدون وجه حق ويعطون لأنفسهم الحق بالتصرف المطلق باعتبارهم أسياد الموقف ولا مجال للنقاش أو التفاهم، وهنا تكمن المعضلة التي أكد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوصياته المتكررة عن النساء والتي بيناها سابقاً.
لذلك كله ولغيره من التفاصيل جاء الشرع الحنيف ليعطي المرأة نصف ميراث الرجل، علماً أن الثقافات والتشريعات السماوية الأخرى بل حتى الأرضية منها لم تعط هذا المقدار للمرأة بل أن بعضها تعتبرها ليست من جنس البشر، فجاء الإسلام لينصفها ويعطيها حقها الذي يكفل لها التصرف به حيثما شاءت.
س2: سويسرية متخصصة بعلم الاديان ،الدكتورة نورا إيلي، ابنة الطبيب السويسري الشهير إيلي فشنتياغيرد ، تعتنق الاسلام وتلبس الحجاب ،ويسلم علي يديها عشرات النساء الغربيات تفتخر بحجابها قائلة بالحرف ” قبل أن ألبس الحجاب كان الشباب يعاملونني كسلعة ولم يجذبهم الي سوى جسدي ،وبعدما لبسته أصبحوا يعاملونني كامرأة “، في وقت تجد فيه امرأة عربية أمثال الكاتبة والاعلامية المصرية فريدة الشوباشي،وهي تتحامل على الحجاب الشرعي في كل شاردة وواردة وتصفه بأنه “ليس فرضا بل هو عادة كانت تناسب البيئة الصحراوية في عهد الرسول ﷺ..وتأسيسا على ذلك فقد صرحت مرارا وتكرارا بأنها لن ترتديه حتى الموت ،اما عن النقاب فهذا من وجهة نظرها يشبه “التك تك” الذي يسير في الشوارع بدون أرقام، وكذلك المرأة المنتقبة تسير في الشارع ولا يعلم من هي، ولا يرى وجهها، متوعدة برفع مقترح قانون الى مجلس النواب المصري يقضي بتحريم النقاب ومنعه نهائيا تمهيدا في حال تطبيقه للتحول الى منع الحجاب ، ما ردكم على شبهة عدم فرض الحجاب في الاسلام وأنه عرف وعادة متوارثة وليس بعبادة قط ؟
سورة الأحزاب نزلت بعد حادثة الإفك المعروفة والتي حصل فيها لغط كبير آذى رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى نزلت الآيات الكريمات بتبرئة الطاهرة أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، فكان أن حذر الله تعالى نساء المسلمين من مغبة حصول مثل تلك الأمور المتعلقة بالشك والإفك على النساء المؤمنات: فذكر في بعض الآيات من تلك السورة الكريمة: { يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) يَا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) } [الأحزاب: 30-34]، وقال: { يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (59) } [الأحزاب: 59]
الحجاب ستر ووقاية تمنع حصول التحرشات من أصحاب الشهوات وناقصي العقول والأخلاق وهي بذلك إنما تمنع مبتغيات الشيطان التي أخرجت أبوينا من الجنة على إثرها وهو طاعته في الفاحشة حتى وإن كان ذلك عن جهل وعمى. قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) } [الأعراف: 27-28].
أما كيفيته الشرعية فهي حجاب الرأس وستر الجسد بملابس لا تشف ولا تخف ولا تبين مفاتن الجسد. وأما عن النقاب فذلك كان خاصاً بنساء النبي عليه الصلاة والسلام كما هو واضح من الآيات الكريمات، وذهب بعض العلماء بوجوبه على كل النساء بينما ذكر آخرون أنه ليس بفرض موجب بل هو سنة مستحبة، فمن رأت أن تتشبه بأمهات المؤمنين فلها أجرها المضاعف ونعما هو، ومن لم ترد واكتفت بالحجاب الشرعي المفروض فذلك خير. أما القول أن النقاب فرض فهو قول انفرد به بعض الفقهاء وإنما أغلب الفقهاء حددوا الفرضية بالحجاب لوحده فقط.
قول هذه المرأة عن الحجاب واستهزائها بها لن يغير من حقيقة الأمر من شيء كون الحجاب راحة نفسية لكل عفيفة شريفة صادقة مع نفسها طائعة لربها ومتبعة للفطرة السليمة التي كانت عليها جميع نساء الأنبياء والصالحات القانتات الكريمات وعلى رأسهن السيدة مريم عليها السلام.
س3: “لم أكن أعرف الإسلام الحقيقى،واخترت أن أتغير ونجحت فى ذلك.. والآن أحاول ومن خلال كتابى أن أروى حياة امرأة أوروبية مسلمة “،بهذه الكلمات العطرة تحدثت الصحفية الاسبانية أماندا فيجوراس، التي أشهرت اسلامها اثناء عملها في صحيفة”إلموندو” الإسبانية وارتدائها الحجاب الشرعي عن قناعة تامة حول كتابها “لماذا الاسلام ؟” بينما تجد شاعرة ومترجمة عربية – تزويرية -يحلو لها تسمية نفسها بـ تنويرية، تدعى فاطمة ناعوت ،وهي تجهد نفسها رغبة منها بمزيد من الشهرة كلما توارت عنها الانظار ببالونات تطلقها لتثير جدلا نحو شبهة” لماذا يبيح الإسلام للرجل المسلم الزواج من الكتابيات،بينما يحرم ذلك على المرأة المسلمة؟ مؤكدة بانها لا تمانع من زواج ابنتها من نصراني إذا كان زواجا مدنيا ، لأن تركيبة عقلها علمانى على حد وصفها، كيف تردون على هذه الشبهة التي تتكرر كأسطوانة مشروخة يحلو للـ نسويين والناعوتيين تشغيلها بين الفينة والفينة بحثا عن الشهرة تارة ، وبهدف التشويش وإشغال الرأي العام عن قضايا مصيرية كبرى دولية واقليمية ومحلية تارة أخرى ؟!
الإسلام جاء كي يدوم ويحفظ بحفظ الله تعالى كي لا يعتريه التغيير والتحريف كما حصل لما سبقه من تشريعات سماوية كاليهودية والمسيحية فقال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (9)} [ الحجر: 9]، وعلى نقيض ما هو شائع أن كلمة الإسلام تخص المسلمين فقط فإن الدين هو دين واحد لكل الأنبياء وهو دين الإسلام حيث يسلم المرء أمره كله لله تعالى ويؤمن بتوحيده ونبذ كل معتقدات الشرك والباطل وكذلك يؤمن بحقيقة يوم الحساب بعد الموت وتصديق جميع الأنبياء والمرسلين والكتب المنزلة معهم. وأما التسميات الدينية السائدة فهي للتشريعات التي اختلفت مع كل نبي منزل ورسول مرسل، إذ يقول تعالى: { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) } [الشورى]. وقال تعالى: { وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) } [البقرة]. فقول الله تعالى في سورة الفاتحة وهي أم الكتاب : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } .
فكلمة الإسلام والمسلمون هم كل أتباع الأديان الحقيقيون الصادقون الذين اتبعوا أنبيائهم وكتبهم قبل أن تحرف وتميل عن الحق المنزل من رب العزة، وحيث أن أولئك بعد عصر تنزيل كتبهم حصل لهم انحرافات عقائدية بسبب تحريف كتبهم فقد خرجوا عن ملة الإسلام الحقيقية التي ختمت رسالاتها وكتبها مع مبعث خاتم الأنبياء رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
من هذا الباب جاء التحريم لزواج المرأة المسلمة من الكتابي بسبب شركه وانحراف معتقده بما يؤثر على حياتها وتربية اولادها على الدين الحق والمنهج السليم.
أما هؤلاء الناعوتيين والنسويين والعلمانيين والمنبطحين ومن ساكلهم فلن يؤمنوا لو أتيتهم بملء الأرض أدلة وبراهين ، لأنهم ببساطة وكما وصفهم الله تعالى في سورة الزمر: { وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)}.
س4: لم تقل الكاتبة والأديبة الروسية، عضوة اتحاد الكتاب الروس “فاليريا بوروخوفا “يوما وبعد أن أشهرت اسلامها وغيرت اسمها الى “ايمان” في أعقاب زواجها من داعية مسلم – الدكتور محمد سعيد الرشد – بأن الاسلام قد غمط حقوقها وحجم مواهبها، وصادر حريتها، بل على العكس من ذلك تماما فلقد قامت بترجمة معاني القرآن الكريم كاملا الى الروسية حتى عدت ترجمتها تلك الأفضل لكل الشعوب الناطقة بالروسية ولولا دخولها في الاسلام وترجمتها الشهيرة تلك لما عرفها أحد ولما نعاها الملايين في أرجاء المعمورة بعيد وفاتها رحمها الله تعالى ، وهي القائلة عن اسلامها “لدي احساس بأنني كنت مسلمة طوال حياتي. ولم أعرف الإسلام إلا عندما قرأت القرآن الذي أجاب على العديد من تساؤلاتي في الحياة ” الا أن نسويات محليات لايدخرن وسعا في محاولة اشاعة شبهة مفادها بأن” الاسلام يقيد حرية المرأة ويغمط حقوقها” دائرين كقطب رحى حول مسألة ” القوامة ” في الاسلام وانها السبب الرئيس في تحول المجتمعات الاسلامية الى مجتمعات ذكورية ، ابوية ، تسلب حقوق المرأة ، ،تهين كرامتها ، تحجم دورها في الحياة ، وقد شطت النسوية الخليجية هنون الفاسي،بعيدا حين زعمت في أحد كتبها،بأن” بعض القيود المفروضة على المرأة المسلمة كنظام المحرم مثلا، قد تم اقحامه في الشريعة الاسلامية نقلا عن القوانين الاغريقية والرومانية القديمة !! نرجو من جنابك الكريم أن ترد على هذا الفهم الخاطئ لقوامة الرجل على المرأة في الاسلام بعد أن حاول النسويون والتزويريون الجدد ولا اقول “التنويرون” تسويقها على أنها شبهة ومثلبة بحق الدين الاسلامي الحنيف .
بينا في بداية التعليق بعضاً مما أكرم الإسلام به المرأة وخصها بكل تلك الحقوق العظيمة، وسواء اعترفت هذه النسوية وغيرها بذلك فلن يغير من الأمر شيء.
قضية المحرم هذه جاءت وقاية حالها حال الحجاب لئلا يحصل المكروه وتقع المشاكل سواء بالتحرش أو الأذى أو أية مشاكل أخرى واردة خصوصاً مع حياتنا المعقدة هذه. وليعلم أن الشيطان يظل يوسوس لكل من خلا بنفسه رجلاً كان أم امرأة ويحاول أن يغويها بمفاتن وشهوات وغرائز عديدة ترغب بها النفس البشرية، فكون أن المحرم الرجل يكون مع محرمته فإنه سيعينها على نفسها اولاً ثم على مشاكل الحياة وصعوباتها مع علمنا أن المرأة أضعف من الرجل من الناحية البنيوية والجسمانية فهو يتحمل عنها أعباء كثيرة في حال السفر والحضر.
ثم ما يضير المرأة أن يكون لها عوناً؟1 أليس هذا من تكريم الله تعالى لها أن جعل لها حارساً ومعاوناً في حلها وترحالها؟! فهل هذا عيب أو مثلبة أم كرامة وهبة؟!
إلا إذا كانت الرافضة المنزعجة من هذا التشريع لها مآرب أخرى غير شريفة تروم فعلها لوحدها دون رقيب.
س5: شهادة المرأة في المحاكم ، واحدة من الشبهات التي تثار على الدوام ،حبذا لو تلخص لنا جانبا من أراء العلماء حول هذه المسألة ولاسيما بوجود قصور وجهل مطبق عن تفاصيل شهادة المرأة في المحاكم اذ ان معظم القراء والمتابعين لايعلمون بأن شهادة المرأة لاتقبل مطلقا في الحدود والقصاص، بينما تقبل في المبايعة والمداينة التي يطلب فيها شهادة رجلين، أو شهادة رجل وامرأتين، فيما تتفرد المرأة لوحدها بشهادة الولادة والرضاع واثبات النسب ، وتتساوى مع الرجل بشهادة اللعان .
كما ذكرتم في سؤالكم الكريم أن شهادة المرأة في تفصيلات الفقه الإسلامي تتنوع في حالات المنع وحالات المشاركة مع الرجل وحالات الإفراد لوحدها دون الرجل. ففي حالات المنع كما في الحدود والقصاص وما شاكل من الحالات القضائية والقانونية، وفي حالات المشاركة برجل وامرأتان أو رجلين كما في حالات البيوع والأمور المالية وما شاكلها، وتتساوى معه بشهادة اللعان، في حين تنفرد بالشهادة في حالات الولادة والرضاع واثبات النسب والأمور العائلية الشخصية المرتبطة بمقتضيات واجباتها. ولعل الأمر لا يتسع لذكر تفصيلات الفقهاء في هذا الباب الواسع.
أما لماذا كل تلك التفصيلات والتشعبات فللشرع الحنيف حكمه العظيمة في ذلك. فقد بينا في جوابنا على السؤال الأول تفاصيل عن البحوث الحديثة التي توصلت إلى حقيقة الفروق الفسلجية والوظيفية بين دماغ الرجل والمرأة وكذلك الفوارق المهارية والسلوكية والصحية بين الجنسين بما يترتب عليه من نتائج تؤكد عظمة التشريع الإسلامي في هذا الأمر.
س6 : في هذا السؤال دعنا نخوض سوية ونبحر في الشبهة الأعم والأشهر وآعني بها شبهة “ظلم المرآة بقضية تعدد الزوجات” التي أباحها الدين الحنيف ولكن بشروط وضوابط ، ولنفصل المسألة قليلا ونسبر أغوارها ، ونميط اللثام عن بعض ما أسيء فهمه بشأنها، ونسلط الضوء على بعض ما ظل معتما ومشوشا منها لدى شرائح واسعة من النساء والرجال على سواء وذلك من جراء الجهل والتجهيل والتقاعس في طلب العلم الشرعي وفهم مقاصد الشريعة الغراء .
لنتأمل سبب نزول آيات تعدد الزوجات، كما جاء في قوله تعالى: { يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (3) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) } [النساء: 1-4 ]
فالأصل إذن هو سبب موت واستشهاد الصحابة في الغزوات وكثرة الأرامل والخوف عليهن من الضياع فجاءت الآيات شرطية السبب وشرطية النتيجة بذلك الأمر. فأما شرطية السبب فهي أن تحصل حالات ازدياد للأرامل في المجتمع والخوف على ضياع النساء والأجيال، وأما شرطية النتيجة فهي حصول حالات المساواة بين الزوجات دون تفرقة مالية أو حقوقية أو من حيث المعاشرة وحقوق الفراش.
لكن لدينا آيات أخرى تكمل المعنى وتبين أنه لا يمكن أبداً المساواة بين النساء مع الحرص على ذلك كما في قوله تعالى: { وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) } [النساء: 129 ]، لذلك جاء في الحديث الصحيح في سنن أبي داود (2/ 242/ 2133 – ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِل). فحقوق الزوجات واجبة التنفيذ قد تصعب تحقيقها خصوصاً مع تقدم العمر للزوج أو قلة الموارد المالية والمعيشية وفقدانه السيطرة على إتمام تلك الحقوق أو غيرها من أسباب حياتية واردة الحصول.
عليه؛ فالأمر فيه شروط وليس متاحاً مباحاً وفق الأهواء، فمن يستطع تحقيق تلك الشروط فيمكنه أن يعدد وإلا فسيدخل في متاهات حقوقية وشرعية للزوجات والأولاد صعب الخروج منها في الدنيا والآخرة ولا يلومن إلا نفسه.
المشكلة أن بعض الرجال يستسهل الأمر خصوصاً مع تيسر حالته المالية لكنه لا يأخذ بالاعتبار مشاكل الزوجات مع بعضهن أو مشاكله الصحية المستقبلية أو غيرها لذلك يدخل في هذا الأمر ولا يستطيع الخروج منه وبالتالي قد يعرض نفسه لتداعيات وإحراجات دنيوية وعقوبات أخروية.
س7 : واحدة من الشبهات التي تثار هنا وهناك ولاسيما في المجتمعات ذات الخلفيات والطابع – العشائري والقبلي – قضية ” دية المرأة ” والتساؤل عن اسباب تحديدها بنصف دية الرجل ومحاولة اثارة شبهة انحياز الاسلام للرجل على حساب المرآة في الديات ما يشكل إهدارا لكرامتها وتضييعا لحقوقها بزعمهم ..لنتحدث قليلا عن هذا الموضوع .
الطابع القبلي والعشائري سائد في الأمة بعد فترات انحسار مجدها وتمكينها الحضاري وسيادة الجهل والتخلف والعصبية والتزمت والانغلاق الفكري وهذا يحصل في كل المجتمعات المسودة غير السائدة والمقادة غير القائدة والتابعة غير الرائدة. لذلك تجد اليوم، حتى في قضايا الميراث الواضحة في كتاب الله تعالى من يسعى لتذكيرها وليها باتجاهات لم يقصدها الشارع الحنيف فتشيع المظالم والمفاسد فيها.
المشكلة ليست في التشريعات الحكيمة وإنما في لي النصوص وتغيير المحتويات وتكييف التفسيرات وفق الإهواء والشهوات لذلك الطرف أو ذاك. كما لا ننسى أن للتشريعات الوضعية والقوانين الغربية التي أقحمت على مجتمعاتنا أثراً كبيراً في انحراف بوصلة الحق والعدل نحو الباطل والظلم والفساد والإثم.
قضية دية الرجل والمرأة في الفقه فيها كلام وتفاصيل كثيرة وفيها يقول الدكتور عارف الشيخ في تفصيل مسألة الدية هذه ما نصه: (( المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق وأهلية التصرف حق مشروع، وإذا كانت هناك فوارق بين الجنسين فلحكمة إلهية أيضاً، وهذه الفوارق لم تشمل جانب الكرامة الإنسانية ولا الأهلية في الحقوق والتصرف ،بل هي جوانب اجتماعية ونفسية تعرفها المرأة نفسها أكثر من الرجل. هذا هو ما اتفق عليه الفقهاء، ولكن ما هي تلك الجوانب النفسية والاجتماعية؟ هي ما لم يتفق عليه الفقهاء، فبقيت المسألة دائرة بين المانع والمجيز والمتشدد والمعتدل، ومن هذه المسائل مسألة دية المرأة . فالمذاهب الفقهية الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية ذهبت إلى أن دية المرأة نصف دية الرجل، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الجناية على نفسها كاملة بإزهاق الروح، أو على أحد أطرافها. ونلاحظ أن تلك الفتوى لم تستند إلى آية قرآنية واحدة، وإنما استندت إلى بعض الأحاديث التي لم يتجاوز عددها حديثين أو ثلاثة أحاديث وهي لم ترد في الصحيحين، وهذه الأحاديث هي قول الرسول صلى الله عليه وسلم «دية المرأة على النصف من دية الرجل» (رواه البيهقي). وقول الرسول صلى الله عليه وسلم «عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديته» (رواه النسائي والدارقطني وابن خزيمة). وورد أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه أصدر مرسوماً قوم الدية وعادلها، فجعل المائة من الإبل تساوي ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم، وجعل دية المرأة المسلمة الحرة إذا كانت من أهل القرى خمسمئة دينار أو ستة آلاف درهم أي نصف دية الرجل. وقد فهم من عمل عمر هذا بأنه سمع ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا كيف يعمل بعقله واجتهاده في مثل هذا الأمر؟ ومثل ما ورد عن عمر ورد أيضاً عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم. وقد ناقش الإمام الشافعي ما إذا كان المقصود من السنة هي سنة زيد بن ثابت الذي قال بهذا الرأي، أم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الشافعي بأن السنة إذا أطلقت يراد بها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم)).
ويكمل: ((وقد رأينا كيف فهموا من هذا الأثر وغيره بأن دية المرأة في الأطراف نصف دية الرجل، أو أنها تستوي مع الرجل إلى الثلث، وبعد ذلك تنزل إلى النصف. وقد أفتى الحنفية والشافعية بأنها النصف من دية أطراف الرجل مطلقاً. أما المالكية والحنابلة فإنهم قيدوها فقالوا إنها تتساوى مع الرجل حتى الثلث، وترجع إلى النصف من بعد الثلث)).
ثم يستنتج: ((إذن كان ذلك إجماعاً من بعض الصحابة، وبناء عليه أخذ به أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة، إلا أن الآخرين رأوا بأن عدم المساواة يعني عدم الإنصاف، والقرآن الكريم لم يذكر نصاً قطعياً يدل على أن دية المرأة نصف الرجل، أما الحديثان الواردان فيقول عالم مجتهد مثل أبي زهرة إنهما من أحاديث الآحاد على افتراض حجة ورودهما، وأحاديث الآحاد لا تنسخ الحكم القطعي الوارد في القرآن الكريم. وعليه؛ وجب أن تكون دية المرأة مثل دية الرجل صوناً لكرامتها الإنسانية، ولقوله عليه الصلاة والسلام «وفي النفس المؤمنة مئة من الإبل» (رواه النسائي) أي دية كاملة، وقد ذكر الرازي في تفسيره بأن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى أن دية المرأة نصف دية الرجل إلا أن الأصم وابن علية ذهبا إلى أن ديتها مثل دية الرجل لقوله تعالى «ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله» فهذه الآية ساوت بين الرجل والمرأة، وهي نص قطعي)).
لذلك؛ تجد أخي الكريم أن الأمر فيه سعة وليس أمراً قطعياً ملزماً بل فيه أخذ ورد بين الفقهاء والعلماء، وبالتالي؛ لا يمكننا أن نقول أنه مثلبة ومنقصة، والله تعالى أعلم واكرم.
س8 : لاتكاد الذكرى السنوية لما يسمى باليوم العالمي للمرآة تمر علينا حتى تضج العديد من المواقع والفضائيات بقضية حقوق المرآة ، ليأتي موضوع ضرب النساء وتعنيفهن في مقدمتها ، والسؤال المطروح هاهنا ، هل اباح الاسلام ضرب المرأة وتعنيفها بالمفهوم الدارج كما يزعم مثيرو الشبهات ، ام أن هناك سوء فهم وخلط وهرج وتداخل غير محمود وقصور في التفريق وفك الارتباط بين الاعراف والتقاليد البالية الممجوجة من جهة ، وبين أحكام وتعاليم الشريعة الغراء من جهة أخرى ؟
أعيروني مسامعكم وانتباهكم للتفصيل التالي الذي يحدد هذه المسألة التي تشكل على الكثيرين:
قال تعالى في نفس تلك الآية الكريمة -التي بيناها آنفاً – في سورة النساء: { الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34)}، فبين سبب القوامة التفضيلية هو أنه بسبب بنيتهم الخلقية القوية التي توجب العمل والكد لتحصيل رزق الأسرة وحمايتها من نوائب الدهر، ثم أردف بقوله فالنساء الصالحات اللاتي يصدقن بأوامر الله تعالى قانتات حافظات لشرف أسرهن وتربية اولادهن وحفظ أزواجهن مالياً واعتبارياً وما إلى ذلك، وأما من يحصل منهن الرفض والاعتراض والنشوز فأولاء يتدرج في حل أشكالاتهن ابتداء من النصح والوعظ والتذكير بأوامر الله تعالى، ثم الهجر في المضجع تأديباً لهن، ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي الضرب وهو بشروطه التي نذكرها لاحقاً إن شاء الله تعالى، فإن حصل في أي من تلك المرحال التراجع عن العصيان والرفض فلا تبغوا أيها الرجال عليهن ولا تظلموهن بالاعتداء عليهن بدون وجه حق.
لنستعرض معاني الضرب الواردة في القرآن الكريم كي نفهم المغزى منه:
1. المعنى الأول : وهو المعنى الحقيقي الظاهر وهو : إيقاع شيء على شيء ، ويعني تحريك أداة لصدمها بالمضروب ، وقد تكون هذه الأداة يداً أو عصا أو ضغثاً أو سيفاً أو غيرها وعلى هذا جاءت بعض الآيات الكريمة منها :قوله تعالى : ( فراغ عليهم ضربا باليمين ) الصافات93، وقوله تعالى : ( يضربون وجوههم ) محمد27، وقوله تعالى : ( واذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشره عينا … ) البقرة 60، وقوله تعالى : ( وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث انا وجدنه صابرا نعم العبد انه اواب ) ص 44 ، وقوله تعالى : ( واضربوا منهم كل بنان ) الأنفال 12
2. المعنى الثاني : ضرب الأمثال : مثل قوله تعالى : ( ويضرب الله الامثل للناس والله بكل شىء عليم ) النور 35 .
3. المعنى الثالث : السفر والانتقال : مثل قوله تعالى: ( وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلوة .. ) النساء 101 .
4. المعنى الرابع :التغطية والحجب ؛ مثل قوله تعالى : ( فضربنا على ءاذانهم فى الكهف سنين عددا ) الكهف 11 .
5. المعنى الخامس – الجعل والصنع ؛ مثل قوله تعالى : ( ولقد اوحينا الى موسى أن أسر بعبادى فاضرب لهم طريقا فى البحر يبسا … ) طه 77 .
وعندما نستعرض هذه المعاني لتطبيقها على قوله تعالى : ( وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) فإن المعنى الثاني وهو ضرب الأمثال فإنه لا معنى له في سياق هذه الآية فلا ينصرف المعنى إليه ، وكذلك المعنى الثالث وهو السفر والانتقال لأنه يقتضي أن يضاف حرف الجر ( في ) إلى فعل الضرب ( ضربتم في الأرض ) ، ( لا يستطيعون ضرباً في الأرض ) ، والآية التي نحن بصددها “وَاضْرِبُوهُنَّ” لم تستخدم ( في ) ، ولذلك لا ينصرف المعنى إلى السفر والانتقال، والمعنى الرابع وهو الحجب والتغطية ، فلأنه يحتاج إلى حرف الجر ( على ) ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) ، أو حرف الجر ( عن ) ( أفنضرب عنكم الذكر ) ، أو ظرف المكان ( بين ) ( فضرب بينهم بسور ) . بينما لم يأت مثل هذا في الآية التي نحن بصددها ، وأما المعنى الخامس وهو الجعل والصنع فليس له في سياق الآية نصيب .ولذلك فلا يبقى لدينا إلا المعنى الأول، وهو الضرب بمعناه الحقيقي الذي ذهب إليه جميع علماء التفسير واللغة ، ولكن الضرب ليس متروكاً لمزاج الرجل بل محكوم بضوابط قرآنية أيضاً ، تشير إلى أن الضرب المقصود ليس هدفه إيقاع الألم البدني بالمرأة ، بل جعلها تحس بمدى ضيق زوجها من نشوزها فيكون الأثر المطلوب إحداثه أثراً نفسياً معنوياً لا ألماً جسدياً.
رغم أن الرؤية الأخرى لمعنى الضرب قد طرحها علماء ازهريون وبعضهم معروف ذائع الصيت، وتبناها الدكتور عمر عبد الكافي، حيث قالوا أن معنى الضرب في الآية الكريمة يعني (الهجر) واستشهدوا أن الضرب بمعناه الدارج يأتي بصورته كأن يقول ركله، ولطمه، ووكزه، ونحو ذلك. كما أن لصاحب التحرير والتنوير تفصيلات جميلة في هذا الباب ممكن الاستشهاد بها والله تعالى اعلم واكرم. ولعل ما ذكروه من صفات الضرب تلك للرجال فتعني القوة والشدة بل حتى جاء معنى الضرب المشركين في المعارك بقوله تعالى؛ (فضرب الرقاب) في حين للنساء تكون رقيقة خفيفة.
ولعل الجواب المفحم عليهم هو في قوله تعالى في النساء ١٦: {.وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا ۖ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (16)}؟! وقد نزلت في تبيان كيفية التعامل مع المرأة التي تأتي بالفاحشة كالخيانات وما شاكلها، فقال نفر من الصحابة انه الايذاء هنا هو الضرب.
كما أن لدينا أحاديث صحيحة تبين ذلك وترجحه. فقد جاء في صحيح ابن خزيمة (4/ 251/ رقم 2809) قوله عليه الصلاة والسلام: (اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِينَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ).. وورد في صحيح البخاري (4/ 133) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ».. وفي مصنف عبد الرزاق الصنعاني (6/ 173/ 10391 ) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَنَاكَحُوا، تَكْثُرُوا، فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَنْكِحُ الرَّجُلُ الشَّابَّةَ الْوَضِيئَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَإِذَا كَبِرَتْ طَلَّقَهَا، اللَّهَ اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، إِنَّ مِنْ حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ يُطْعِمَهَا وَيَكْسُوَهَا، فَإِنْ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ فيَضْرِبُهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ».
المشكلة هي في كيفية ونوعية الضرب، وقد بينها عليه الصلاة والسلام عندما ضرب صحابياً بالسواك على بطنه أو صدره ولم يؤذه بل كان للتقريع والتنبيه فقط، فهذا مع الرجال، فكيف بالنساء اللائي هن أرق جسماً وأقل تحملاً؟! فبالقياس يكون الضرب أقرب للمعنوي منه للمادي الحسي. فلو تتبعنا سنته عليه الصلاة والسلام نجد أنه لم يضرب امرأة ولا طفلاً قط طوال عمره الشريف، وبالتالي فتلك سنة واجب اتباعها لمن يتحرى السنة، وهو من أوصانا بالنساء خيراً وذكر لنا أن خير الناس خيرهم لأهله كما سبق لنا تبيانه آنفاً. بالتالي؛ فمعنى الضرب هنا هو ضرب خفيف غرضه التقريع لا التعنيف أو إحداث الضرر والعاهات كما يحصل في مجتمعاتنا للأسف الشديد، وفيه شروط أن يكون غير مبرح ولا شديد وأن يتحنب الوجه والمناطق الحساسة التي تحصل معها عاهات وأمراض ومشاكل.
من ذلك نستنتج أن لدينا آيات تبيح حالات الضرب وفق التسلسل والكيفية المبينة أعلاه، بالمقابل لدينا فعل النبي عليه الصلاة والسلام الذي لم يضرب امرأة ولا طفلاً طوال حياته، وهذه درجة الإحسان التي يحبها الله تعالى لعباده، وفقاً لقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) } [التغابن]، أي حتى لو كانت من بعض أزواجكم وأولادكم ما يشير لضررهم عليكم في أمور الحياة والمعيشة والعشرة فبإمكانكم العفو والصفح عنهم كي تنالوا عفوا الله وصفحه عنكم في الآخرة، وهو تماماً كما في قوله تعالى في الآية الأخرى: { وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} [النور ]. وهذا يعني بالضرورة أنه حتى لو أبيح الضرب في حالات معينة وبالكيفية المشروطة المبينة أعلاه فإن الإحسان بالعفو والصفح يكون الأفضل والأقرب للتقوى، والله تعالى أعلم وأكرم.
ما يحصل في مجتمعاتنا هو أن بعض من المفضلين تكليفاً لا تشريفاً- وهم الرجال بسبب ما بيناه- يعتقدون أو يتوهمون أن تفضيلهم إنما هو تفضيل تشريفي وليس تكليفي فيعتدون على النساء أحياناً بدون وجه حق ويعطون لأنفسهم الحق بالتصرف المطلق باعتبارهم أسياد الموقف ولا مجال للنقاش أو التفاهم، وهنا تكمن المعضلة التي أكد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوصياته المتكررة عن النساء والتي بيناها سابقاً.
س9 : “أتمنى أن يفكر الذين لم يعتنقوا الإسلام بعد والذين انخدعوا بمظاهر الحضارة المادية الحاكمة أن يرجعوا إلى أنفسهم ويزيحوا عن أبصارهم الغشاوة الخادعة لهذا الكم الهائل من المعلومات غير المفيدة والعبثية التي أخذت بأبصار وأسماع أهل عصرنا” بهذه الكلمات الصادعة بالحق جاهرت المطربة والاستاذة الجامعية الروسية عضوة فرقة – فابرك- الغنائية المعروفة ” ماشا ايلي كينا “بعد اعلان اسلامها ، وهنا لابد لنا من أن نقارن في سطور بين مكانة المرأة العظيمة في الاسلام ، وبين مكانتها ضمن بنود اتفاقية -سيداو – المشبوهة التي تهين المرأة وتضطهدها من حيث تعلم ولا تعلم ولكن بشعارات براقة ومخادعة تزعم رعايتها والدفاع عن حقوقها فيما تعمل واقعا على تحويلها الى دمية جنسية،وجسد عار، واعلان تجاري، ومخلوق يبذل الغالي والنفيس للتشبه بالرجال وتحاول مجاراتهم وكأنهم خصومها بزعم المساواة بين الجنسين ، وتحويلها الى مجرد “عابر سرير” على حد تعبير احلام مستغانمي، لكل من هب ودب .
لعلنا تحدثنا عن مكانة المرأة في الإسلام وكذلك دورها الريادي في صناعة حضارة الإسلام أيام عزها وعصرها الذهبي.
كذلك بينا في المقدمة كيف أن حقوق المرأة الغربية في موجتها الأولى بعد عصر الثورة الصناعية كانت منطقية بسبب الغبن البين عليها وأوضحنا كيف أن الإسلام قد سبقهم بتوفيرها للنساء قبل أكثر من 1400 عام خلت. أما في موجتها الثانية بعيد النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي وما تبعه فكانت كلها تصب في مصلحة الشذوذ والفسوق والدعارة والانحلال حيث حرمها الإسلام لأسباب موضوعية جلية محقة
لقد شجعت الأمم المتحدة موضوع المساواةَ في فرص العمل بين الرّجالِ والنِّساءِ عندما تَبنّت عدة اتفاقيات تهتم بهذا الأمر منها مثلاً، المكافأةَ المتساويةَ للرّجالِ والنِساءِ (the Convention Concerning Equal Remuneration for Men and Women)، فرص نيل القيمةِ المساويةِ للعمال من الجنسين (Workers for Work of Equal Value) وذلك عام1953م، وأيضاً الإتفاقيةِ التي تَهتمُّ بعدم التمييزَ فيما يتعلق بالعمل (the Convention Concerning Discrimination in Respect Occupation of Employment and) في عام 1960م، وقد صادقت أكثر من.100 دولة على تلك الاتفاقيات والمقاييس.
وقد اعتبرت الأعوام العشرة بين 1975م لغاية 1985م من قبل الأمم المتحدةِ ما يعرف بالعقدَ الخاص بالنِّساءِ، عشَر سنوات من الجهود المركزة على قضاياِ النِّساءِ، وقد تم تنظيم العديد من المؤتمرات واللجان والتظاهرات والفعاليات خلال تلك الفترة من قبل مجموعةِ دوليةِ تُشكلت لعقد هذه السلسلة من المؤتمراتِ والتي نَظّمتْ حول مواضيعَ المساواةِ، التَطَوّر، والسلام.
ولقد تحدث خلال تلك المؤتمرات العديد من الزّعماء والمتخصصون في شؤون المرأة والمجتمع، وتم التركيز على حل قضايا المرأة في المجتمعات المتوسطة والفقيرة في الدول النامية..
وفي نهاية هذا العقد النِّسائيِ توّجَ الموضوع بعقد مؤتمرِ نيروبي من قبل الأمم المتحدة في العام 1985م، في نيروبي بدولة كينيا، وقد حضره 375 وفداً نسِوياً من جميع الأممِ حول العالم.
ثم توالت المؤتمرات والاتفاقيات والتوصيات والفعاليات الدولية، ومنها المؤتمر العالميِ الرابع للأمَم المُتّحِدةِ حول النِّساءِ والذي عقد في بيجينج، الصين (Beijing, China)، في عام 1995م، وقد شهد الحدث أكثر من 17,000 إنسانِ بضمن ذلك المندوبون من 200 بلدِ تقريباً. ركّز المؤتمر على إزالةِ جميع العقباتِ التي تحول دون الاشتراكِ المتناظر والمتساوي للنِّساءِ في جميع فعاليات المجتمعِ، كما اهتمّتْ مقاطع أخرى من المؤتمر بالموضوع الأكثر جدالاً وهو حقوقَ النسل والإنجاب، خصوصاً حق الإجهاضُ. الوثيقة النّهائية اعلنتْ بأنّ ” للنِّساءِ المقدرة على أَنْ تُسيطرَ على خصوبتهن الخاصةِ بما يُشكّلَ قاعدة مهمة لمتعةِ الحقوقِ الأخرىِ”، وصَرّحَ بحق النِّساءِ والرّجالِ لأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ كل الوسائل للوصولُ إِلى كل ما يعين على تقنين الخصوبةِ.
الكاتبة الأمريكية المؤمنة بمساواة الجنسين نعومي ويث (Naomi Wolf With) قامت بنشر كتابيها، أسطورة الجمالِ (The Beauty Myth) عام 1991م، ونار بنارِ (Fire With Fire) عام 1993م، هذه الكاتبة الأمريكية التي أصبحَت الأكثر شهرَة والأصغرَ سناً بين أدباء الحركة النسوية أوائل وأواسط التسعينيات.. وقامت بإعداد والقاء عدة مُحاضرات في الجامعات والكليات المختلفةِ في الولايات المتحدة بينت خلالها أنها تؤمن بَجعلَ العمل في مجال المساواة بين الجنسين يأخذ منحاً جديداً، وأنها تريد خلق جيلِ جديدِ.يأخذ على عاتقه نقلة نوعية في مجال حرية المرأة من منظرِ ويث نعومي، وأنه بإمكان النساء الافادة من القوةِ السّياسيةِ التي امتلكوها حتى الآن كي يَمتلكوا حقوقا أكثر وبشكل فعّال. من بين القضايا المثارة أنه رغم كل النضال عبر القرن العشرين لم تزل النساء يتقاضين في المعدلّ ثلاثة أرباع ما يتقاضاه الرّجالِ فقط كدخل متوسط.
في 5 نيسان/أبريل, من العام 1992 تم تنظيم تظاهرة وموكبِ عرف بموكب لحياةِ النِّساءِ، وذلك في العاصمة واشنطن، دي. سي، قامت برعايته وضمانه كجهة رئيسية المنظمةَ الوطنيةَ للنِساءِ (The National Organization for Women (NOW) ) كأحد النّشاطاتِ العديدة التي نَظّمتْ مِن قِبل هذه المنظمة، والتي سعت فيها لترسيخ طموحاتها لأن تَرقى حقوق المساواة للنِّساءِ حتى يُعَبَّر عن تشريع بمَنعَ التمييز بين الجنسين من قبل الدولة.
أما في الألفية الجديدة فقد استمرت الندوات والمؤتمرات والتشريعات التي تتبنى فكرة انطلاق حرية المرأة نحو المزيد من التحلل والانفلات والتفسخ كتكملة طبيعية لما خططته تلك الحركات التحررية المزعومة خصوصاً بعدما تحول الأمر من اكتساب حقوق مهضومة للمرأة إلى انتزاع تشريع قوانين انفلاتية وتدميرية بعد النصف الثاني من القرن الأخير للألفية السابقة.
وهكذا نجد أن المرحلة الجديدة لتحرر المرأة التي بدأت مع بدايات القرن العشرين وتعززت بعد النصف الثاني منه كانت تسعى لسن قوانين ظاهرها حرية المرأة وباطنها دمار المرأة ومعها الأسر والمجتمعات وتفسخها.
أما ما حصل لاحقاً في العقد الأخير فهو بحق لطمة أخلاقية كبرى ووصمة عار عظمى على المنظمات الدولية حيث أبيح تقنين الشذوذ والمثلية واتخاذ الأخدان حتى غدا تشريع تلك القوانين الإجرامية هو الحق وما يعارضه هو الباطل. وما اتفاقية سيداو ومثيلاتها إلا تكملة سلسلة الحلقات المتداعية المتراكمة لتفسخ القيم والأخلاق والفطرة السليمة.. ألا ساء ما يحكمون.
كما وتميزت هذه المرحلة لسعي النساء الحثيث لنيل مناصب حكومية نافذة تمكنهن من سن قوانين جديدة لصالح المرأة، كما يزعمون، لكنها في الحقيقة تؤدي لدمار وضياع المرأة قبل غيرها .
ولعل ما نلحظه اليوم في الغرب عموماً من تفسخ أسري خصوصاً للأسر اللادينية وغير الملتزمة وكذلك ما يعرف بانقراض الجنس الأبيض أو انعدام توالده وزيادة معدلات الانتحار بسبب تلك القوانين المنافية لفطرة البشر يعتبر أكبر دليل على فشل تلك الرؤيا القاصرة
فخلاصة تلك التشريعات هو:
لا بد من الثورة على الأسرة كنمط اجتماعي كرّس لظلم المرأة ووأد دورها الاجتماعي والطبيعي لتخرج إلى نطاق الشواذ باسم الحرية والمساواة وضرورة إزالة الملكية الخاصة حتى لا يتحكم الرجل في المرأة بماله.. لذلك تطالب (النوعيات) بتطهير التلفاز من كل أنماط الصور المعهودة حتى ينمو الأطفال معتادين على الصور الجديدة غير المقيدة بإطار جنسي معين، وأنه لا بد من صياغة وتحديد العلاقات بتغيير كلمة (زوج) إلى كلمة (شريك). ولهذا ركزت الحركة النسوية في حديثها عن تلك الحقبة على موضوع المساواة ونسب الأولاد والوراثة كحقوق اغتصبها الرجل من المرأة واستقوى بها عليها.
وقد هيمنت (النوعيات) على برامج المرأة في أغلب الجامعات الأمريكية، ففي مادة بعنوان (إعادة صياغة صور النوع – الجندر- ) تشرح المادة الموزعة على الطالبات والطلاب فكرة الأمومة المكتسبة وتحث على حق الإجهاض من منطلق أن زواج المرأة بالرجل ظلم ونكاحه لها اغتصاب، كما تشرح المادة أن الذكورة والأنوثة لا تعني شيئاً فهي مجرد نمط اجتماعي يحدده الدور الاجتماعي، وتركز المادة على فكرة التخلص من النوع الذي يعتبره مفتاح التخلص من النظام الأبوي والمجتمع الذكوري وظلم الرجل.
في عالمنا العربي والإسلامي نشأ مصطلح “تحرير المرأة” في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في ظل الاحتكاك المباشر بالغرب والتأثر به ، والانبهار بواقع المرأة فيه ، بالمقارنة مع واقع المرأة في العالم العربي ( وفي مصر خاصة ) آنذاك ، الأمر الذي أفرز خطاب تحرير المرأة في العالم العربي ، وأحدث إرباكاً شديداً للفكر الإسلامي طيلة قرن ويزيد، نتيجة ذلك الاحتكاك المباشر ، وأدى إلى تخبطات كثيرة، واضطرابات فكرية لا زلنا نجني ثمارها . ومصطلح “تحرير” يتجاذبه عدة اتجاهات متباينة في العالم العربي ، ولكلٍّ مفهومه وتعبئته الأيديولوجية لذلك المصطلح ، فالتحرير ممَّ ، ولماذا ؟ ولصالح من ؟ وأسئلة كثيرة تطرح نفسها بشدة .
وجوهر الإشكالية الذي ينبغي أن نلفت الأنظار إليه في هذه المسألة هو قضية المفهوم والمرجعية والمشروعية، أي مفهوم التحرير ، ومرجعية خطاب التحرير ، ومشروعيته ، والإطار الشمولي الذي يجمع هذا كله هو مكانة المرأة في المجتمع ودورها في بنائه وأهليتها في صنع القرار.
فالمجال التعليمي والوظيفي والمهني وغيره، وكذلك المجالات الاقتصادية والسياسية التي ولجت فيها المرأة آخذ بالتطور بشكل مضطرد، ولكنه يعتمد على أمور داخلية في المجتمع منها ثقافته وعاداته ونموه الاقتصادي والاجتماعي وغير ذلك.
و بالنسبة لحقوق النساء في النسل والإنجاب فإن ذلك يعتمد على عادات البلدان وتقاليدها وثقافاتها ومعتقداتها.. فمثلاً مانع الحمل متوفرُ في أكثر البلدانِ، بإستثناء بعض البلدان الإسلامية، وعلى أية حال، فالنِساء في العديد من البلدانِ الفقيرة أو المتخلفة جداً لا يمكنهن الحصول على تحديد النسلِ الفعّالِ. كذلك بالنسبة لقانون الإجهاض الذي شرّع تحت الظّروفِ المحدّدةِ في العديد من الأممِ الغربيةِ الصّناعية، وبعض البلدانِ ذات الزيادة السكانية الحادّةِ مثل دولة الصين التي تُشجّعُ العوائل أَنْ يَكُونَ لديها طفل واحد فقط، فمثل هذه الدول لديها سياساتُ الإجهاضِ أكثر تحرّراً.
والمتدبر للحركة النسوية العالمية يجد ببساطة وجود تأثيرات جوهرية للمنظمات الصهيونية والتنويرية (الماسونية) على الحركة النسوية منذ نشاتها من حيث التمويل والمساندة السياسية والاجتماعية وغيرها. فلقد أثرت منظمات صهيونية عديدة منها نسوية ومنها عامة على تأسيس ونشأة الحركة النسوية العالمية سواء أكان ذلك بالدعم الفكري والثقافي والمعنوي أم بالدعم المادي المباشر. والسبب بسيط جداً، فنظرة ثاقبة لأهداف هذه الحركات النسوية الصهيونية وتوجهاتها يعطي للمتفحص والمحلل رؤيا واضحة وجلية للنوايا والفوائد التي تهم تلك المنظمات من دعم لحركات التحرر النسوية خصوصاً حق التصويت والانتخاب فذلك يشكل أصواتاً مهمة لهؤلاء المدعومات مادياً لانتخاب أشخاص لهم ميول سياسية تصب في مصلحة المشروع الصهيوني، وهو الأمر الذي يفسر لماذا كان هذا الحق مقدماً على الحقوق الأخرى الأكثر اهمية في تلك الفترة!، وكما رأينا من خلال السرد التاريخي لنيل حقوق النساء. ومن تلك المنظمات:
1. صالونات النسـاء الألمانيات اليهوديات Salons of German Jewish Women :
2. ويــــــــــــــزو (WIZO (Women’s International Zionist Organization :
3. إيمونــاه Emunah:
4. حركة مزراحي Mizrahi :
5. هاداســاه Hadassah :
6. بنــاي بريـت B’nai B’rith :
7.الصندوق القومي اليهودي-كيرين كايميت-(Jewish National Fund (Keren Kayemet :
وفي الأمر تفصيلات كثيرة بيناها في كتابنا (وليس الذكر كالأنثى) يمكن الرجوع إليها.
س10 : النسويات أمثال السعداوي وناعوت وشوباشي وغيرهنَّ لم يحاولن يوما ان يتطرقنّ الى سير نساء مبدعات ، متألقات ،عالمات ، مربيات فاضلات ،سابقات ولاحقات لم يقف الدين الاسلامي العظيم يوما حجر عثرة بينهن وبين ابداعهن وتألقهن وكن انموذجا حيا للمرآة الملتزمة بدينها ، المتألقة في مجتمعها ، المعطاء في محيطها ، ولاشك ان الاديبة والروائية الهندية الشهيرة المرشحة السابقة لجائزة نوبل للاداب ،كمالا داس التي اشهرت اسلامها وغير اسمها الى ثريا ، واحدة من هؤلاء اللائي تغض النسويات الطرف عن ذكرهن عمدا لاسهوا حتى لايتحولن الى ايقونات ولا يصرن مثالا يحتذى حذوه ، ولله در الشاعرة الهندية كمالا داس القائلة في الاسلام ” عليكم أن تفهموا جيدا أن الإسلام لا يمكن أن يقيد إبداع الإنسان ..الإسلام دين السماحة، الله هو إله المحبة والتسامح وهو يحب الجميل فكيف يمنعني من الإبداع؟”..كثير من الناس يسألونني لماذا اختارت امرأة حرة مثلي الحجاب، وأقول لكم: الحجاب يجعلني أشعر أكثر تحررا، .. الحجاب أمان وحماية”، وهنا لايسعني الا ان انوه الى ان هناك شبهات لاتمل النسويات من اثارتها تدور حول قضايا نحو ” النساء ناقصات عقل ودين ” و ” ما افلح قوم ولوا امرهم امرأة ” و ” الشؤم في ثلاث ، ومنها المرأة ” و ” خلقت المرآة من ضلع اعوج ” ، فضلا عن حرمة الاختلاط ،ختان الاناث، زواج القاصرات ” وما شاكل ، اتمنى أن نتوقف برهة عند هذه المحطات واحدة تلو الاخرى لوضع النقاط على الحروف .
ذكر الله تعالى قصة الملكة بلقيس ملكة سبأ وكيف أنها كانت تمارس المشورة ومناقشة الآراء مع مستشاريها وقد امتدحها القرآن في هذا الأمر ولم يذمها بل ذم معتقدها الباطل وليس فعلها وسلوكها المشوري الحميد فقال تعالى حاكياً عنها: { قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33)} [النمل: 32-33 ]
البحوث العلمية أثبتت أن للنساء نسبة إبداع أكثر من الرجال بنسبة 25%.. ولهن القدرة على التخطيط أكثر من الرجال لذلك كان قول الله تعالى عنهن: (إن كيدهن عظيم)، الآية، بينما كان قوله تعالى عن كيد الشيطان وهو أعدى أعداء البشر: (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً)، الآية، والكيد كل أمر كان به تخطيط وبعد نظر سواء في الخير أو في الشر. كما أنهن يبدين رغبة في المشاركة أكثر من الرجال. لذلك كان جواب بلقيس ملكة سبأ عند وصول كتاب نبي الله سليمان عليه السلام لها كما يبن القرآن الكريم أن (ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون) فهذا توجه تشاوري، بينما كان أمر الرجال: (..الأمر إليك..)، الآية، فذاك توجه استبدادي تسلطي، والله أعلم.
قوله عليه الصلاة والسلام عن قضية تولية النساء هل يؤخذ على إطلاقه أم لمناسبته حسب فذلك موضع خلاف بين العلماء والمفسرين والمختصين. فالحديث جاء في معرض جوابه عليه الصلاة والسلام على خبر موت كسرى وتولية ابنته بعده وهو بشرى خير للمسلمين أنهم سيفتحون فارس بسبب تلك التولية، فجاء الحديث في ذلك السياق، وهو حديث صحيح ذكر في صحيح البخاري (6/ 8/ 4425)؛ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ، قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً».
جاء في كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 16) عن سَبَب قَول رَسُول الله هَذَا أَنه لما قتل شيرويه أَبَاهُ كسْرَى لم يملك سوى ثَمَانِيَة أشهر، وَيُقَال سِتَّة أشهر، ثمَّ هلك فَملك بعده ابْنه أردشير، وَكَانَ لَهُ سبع سِنِين فَقتل، فملكت بعده بوران بنت كسْرَى، فَبلغ هَذَا رَسُول الله، فَقَالَ: ” لن يفلح قوم ولوا أَمرهم امْرَأَة “. وَكَذَلِكَ كَانَ، فَإِنَّهُم لم يستقم لَهُم أَمر. والفلاح المقصود في الحديث: الْفَوْز بالمطلوب، وَالتَّدْبِير يحْتَاج إِلَى كَمَال الرَّأْي، وَنقص الْمَرْأَة مَانع. ثم قال: وَفِي الحَدِيث دَلِيل على أَن الْمَرْأَة لَا تلِي الْإِمَارَة وَلَا الْقَضَاء وَلَا عقد النِّكَاح.. أما في شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (6/ 460) فقال: ومذهب الجمهور أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء، وأجازه الطبري في رواية عن مالك وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء، والغرض من ذكر هذا الحديث هنا بيان أن كسرى لما مزّق كتابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعا عليه سقط الله عليه ابنه فمزقه وقتله ثم قتل إخوته حتى أفضى الأمر بهم إلى تأمير المرأة فجرّ ذلك إلى ذهاب ملكهم ومزقوا واستجاب الله دعاءه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.. فالراجح عدم التولية في الأمور الكبرى كالإمارة الكبرى والقضاء ولكن ثمة قول مرجوح يبيح ذلك بشروط.
حديث الضلع ذكرنا مفهومه آنفاً كما جاء في حديث البخاري (4/ 133) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ». فإن الله تعالى بعد أن خلق آدم أخذ جزءاً من ضلعه وخلق منه حواء (وهذا النوع من التخليق توصل له البشر اليوم في الهندسة الوراثية والاستنساخ الحيوي) فوصف الضلع بالأعوج هو توصيف فسلجي وليس مثلبة لأنه أعوج فعلاً، بل إن الحديث فيه ترقيق بمعاملة النساء حينما شبه تعامل الرجل مع ضلع أعوج يريد إصلاحه بتقويمه بالقوة فإن الناتج هو كسره وليس تقويمه وبالتالي خسارته، وهكذا لو أردت تقويم المرأة لا يكون بتعنيفها ودفعها بالقوة نحو فعل شيء.
وقد كان سلوكه عليه الصلاة والسلام مع أزواجه ما تؤلف حوله مؤلفات كثيرة في ترققه لهن ومساعدتهن في امور المنزل وطريقة محاورتهن والتلطف معهن والمزاح معهن وما شاكل، ولم يرد عنه عليه الصلاة والسلام أنه ضرب امرأة ولا طفلاً قط وهو ما يتوجب على الرجال الانتباه له لأنها سنة متروكة.
أما عن الشؤم في ثلاث فهو حديث فيه تفصيلات لا يقتطع هكذا. بل إن حديثه عليه الصلاة والسلام عن السعادة ذكر منها الزوجة الصالحة حيث جعلت أعظم كنز يعطى للرجل في دنياه . ففي سنن أبي داود (الزكاة 1417 ) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ … )، قَالَ كَبُرَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَا أُفَرِّجُ عَنْكُمْ فَانْطَلَقَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّهُ كَبُرَ عَلَى أَصْحَابِكَ هَذِهِ الْآيَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام : (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلَّا لِيُطَيِّبَ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ لِتَكُونَ لِمَنْ بَعْدَكُمْ )، فَكَبَّرَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ لَهُ ( أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ ).
وقد حدد رسول الله عليه الصلاة والسلام ثلاثاً من السعادة ومنها الزوجة الصالحة.. فعن محمد بن سعد عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ثلاث من السعادة و ثلاث من الشقاوة فمن السعادة المرأة تراها تعجبك و تغيب فتأمنها على نفسها و مالك و الدابة تكون وطية فتلحقك بأصحابك و الدار تكون واسعة كثيرة المرافق و من الشقاوة المرأة تراها فتسوءك و تحمل لسانها عليك و إن غبت عنها لم تأمنها على نفسها و مالك و الدابة تكون قطوفا فإن ضربتها أتعبتك وإن تركبها لم تلحقك بأصحابك و الدار تكون ضيقة قليلة المرافق ). والحديث في المستدرك على الصحيحين للحاكم مع تعليقات الذهبي في التلخيص: قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد من خالد بن عبد الله الواسطي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم تفرد به محمد بن بكير عن خالد إن كان حفظه فإنه صحيح على شرط الشيخين.. تعليق الذهبي قي التلخيص : محمد قال أبو حاتم صدوق يغلط وقال يعقوب بن شيبة ثقة.
تجد في الحديث أن الزوجة الصالحة تكون مصدراً للسعادة وعكسها الطالحة تكون مصدراً للتعاسة والشقاء. تماماً كما هو حال الزوج الصالح وعكسه الطالح، وهذا أمر معاش ومعروف، فأين الغرابة فيه؟!
قضية الاختلاط هي كحال تقريب النار من الزيت لأن الشهوة الجنسية عند الرجل متقدة ولا بد أن يحصل ما لا يحمد عقباه من ممارسة للجنس الحرام، ولقد تطرقنا في جواب السؤال الأول للأمر من خلال البحوث التي نشرت في بريطانيا وأمريكا عن خطورة الاختلاط في المدارس والمؤسسات والجامعات. ونضيف هنا عن الباحث الطبيعي الروسي (أنطون نميلاف) في كتابه الذي أثبت فيه عدم المساواة الفطرية بينهما بتجارب العلوم الطبيعية ومشاهدات توثيقية: (ينبغي أن لا نخدع أنفسنا بزعم أن إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في الحياة العملية أمر هين ميسور، الحق أنه لم يجتهد أحد في الدنيا لتحقيق هذه المساواة بين الصنفين مثل ما اجتهدنا في روسيا السوفييتية، ولم يوضع في العالم من القوانين في هذا الباب مثل ما وضع عندنا، ولكن الحق أن منزلة المرأة قلّما تبدلت في الأسرة، لا في الأسرة حسب بل قلّما تبدلت في المجتمع أيضاً)..
ويقول في مكان آخر: ( لا يزال تصور عدم مساواة الرجل والمرأة ذلك التصور العميق راسخاً ليس في قلوب الطبقات ذات المستوى الذهني البسيط فحسب، وإنما في قلوب الطبقات السوفييتية العليا أيضاً)..ويقول عن الفوضى الجنسية التي أحدثتها محاولات تطبيق المساواة: (الحق أن جميع العمال قد بدت فيهم أعراض الفوضى الجنسية، وهذه حالة جد خطرة تهدد النظام الاشتراكي بالدمار، فيجب أن نحاربها بكل ما أمكن من الطرق، لأن المحاربة في هذه الجبهة ذات مشاكل وصعوبات. ولي أن أدلكم على آلاف من الأحداث يعلم منها أن الإباحية الجنسية قد سرت عدواها ليس في الجهال الأغرار حسب، بل في الأفراد المثقفين من طبقة العمال).
قضية الاعتراض على زواج القاصرات هذه بدعة حديثة جاءتنا مع زمن تحكم الرأسمالية الحديثة بالعالم، إذ كان في جميع المجتمعات المدنية والريفية في كل العالم أمر عادي جداً أن تتزوج المرأة عند بلوغها، فالمرأة الريفية تبلغ أسرع من نظيرتها المدنية بسبب البيئة ونوع المعيشة والغذاء والحركة وما شاكل فتصل للبلوغ عند التاسعة والعاشرة والحادية عشرة، في حين أن المدنية قد تتأخر سنة أو سنتين عن الريفية. وأنا شخصياً خالاتي وجدتي من والدتي تزوجوا عند تلك الأعمار وكانوا من مدينة الموصل. ولكن بعد بدء التأثيرات الأعلامية والفنية لعالم بدايات القرن العشرين وبدء الفكر التحللي والانفلات الخلقي بدأت تنتشر تلك الدعوات المضللة أن زواج المرأة يجب أن يتأخر كي تستمتع بحياتها، وهذا لعمري هو الفكر العاهر الداعر لأصحاب الشهوات بدعاوي الحرية الزائفة وهم من يريدون التمتع بجسد النساء ورميهن بعدها وقد حصل هذا مع الأسف في كل مجتمعات العالم وكانت نتائجه كارثية في أن تبلغ نسب اللقطاء وأبناء الزنا في العالم الغربي إلى أكثر من 60%، ولله المشتكى.
س11: في كتابيها ذائعي الصيت ” دفاع عن الاسلام ” و ” محاسن الإسلام” لخصت المستشرقة والباحثة الايطالية المنصفة، استاذة اللغة العربية في جامعة نابولي ، لورا فيشيا فاغليري ، جانبا من مكانة المرأة في الاسلام ، وقالت عن الحجاب والاختلاط ” انه واجتنابًا للإغراء بسوء السلوك ودفعًا لنتائجه، يتعين على المرأة المسلمة أن تتخذ حجابًا، وليس هذا ناشئًا عن قلة احترام للنساء، أو ابتغاء كبت إرادتهن، ولكن لحمايتهن من شهوات الرجال ..لقد أعلن محمد باسم الإسلام المساواة بين البشر” ..الا انه وبرغم شهادات الغربيات المنصفات، وسعادة النساء المتدينات المسلمات الملتزمات بما حباهن الله تعالى من تكريم قياسا بسواهن من النساء المسترجلات او المتحررات حول العالم قديما وحديثا ، فإن النسويات يحاولن اثارة موضوعات مثل” عمل المرأة خارج بيتها ” و ” تنقل المرأة وسفرها “و ” حرمان المرأة من التعليم ” في ظل المجتمعات الاسلامية ضمن مسلسل الشبهات لتشكيكهن بدينهن الحنيف ودفعهن للتمرد عليه ،والتنصل منه ، ارجو التطرق الى ما سلف ذكره بإيجاز ليكون القراء ولاسيما النساء منهم على بينة من أمرهم .
عمل المرأة خارج بيتها كان فيه الخير الكثير يوم كانت حضارتنا الإيمانية الأخلاقية هي من تقود العالم، أما اليوم مع كثرة الخبث والدرن والسوء والفحشاء والقذف والهمز واللمز وكل سبل الشيطان متاحة مباحة فإن الأحوط والأسلم هو البقاء في المنزل لتربية الأولاد ورعاية شؤون الأسرة وهي بذلك تطبق حديث النبي عليه الصلاة والسلام بكونها راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيتها، إلا في حالات الاضطرار للعمل بسبب قلة الموارد وتعسر العيش واختلال الموازين التي كانت معينة في أزمنة سابقة مثل حالات تعدد الزوجات حيث كان الرجل يصرف على زوجاته دون الحاجة لهن للعمل خارج المنزل ولعل ذلك كان من أبرز أسباب تشريع تعدد الزوجات كما أسلفنا سابقاً.
بينا في جوابنا على ما سبق من أسئلة مكانة المرأة في الإسلام، وتدلنا الدراسات والمؤلفات والمخطوطات والبحوث كيف أن المرأة في الإسلام استلمت مكانتها في العمل في الأسواق والجيوش والطبابة والقضاء والبحث العلمي وغيرها من أنواع الحرف والمهن. ولقد لعبت المرأة دوراً جلياً في تاريخ الإسلام، في السلم والحرب، وأسهمت في إثراء الحراك الإنساني والثقافي والإداري. وقد فرضت المرأة نفسها على ساحات العلم المختلفة خلال فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي وعُرفت بدورها في مجالات الفقه والأدب والشعر والفلسفة، كما ارتبط اسمها وقتئذ بتأسيس مؤسسات خيرية وتعليمية ودينية، فمنذ السنوات الأولى للإسلام، كان للنساء أدوار حاسمة في مجتمعهن، حيث ساهمن بشكل كبير في بروز الحضارة الإسلامية وتطوير علومها.
ولو أردنا ضرب الأمثلة لطال بنا المقام والمقال، ومن ذلك أن سيدنا عمر رضي الله عنه قد وكل أمر مراقبة السوق في عهده إلى امرأة من المدينة صحابية رسمت بحروف من نور ذلك التاريخ الناصع، وهي: “الشفاء العدوية”، التي تعتبر أول امرأة تولت إدارة الأسواق في عهد خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب، وكانت تلك الولاية باختيار الخليفة نفسه، وقد كانت “أهلا لذلك” برواية ابن حزم. فهي تعتبر من أوائل المعلمات الجليلات في الإسلام، ومن النساء القلائل اللائي يعرفن القراءة والكتابة، واسهمت منذ وقت مبكر في تاريخ الدعوة الإسلامية في تعليم النساء تطوعاً منها، وممن تعلمن على يدها السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب، إحدى زوجات النبي الكريم.
وفي العصر العباسي برزت عالمة الجبر والرياضيات البغدادية أمة الواحد ستيتة المحاملي ،المتوفاة سنة 377هـ. كذلك من الأمثلة على ذلك زبيدة بنت جعفر المنصور، التي أنشأت أول مشروع مائي منذ أكثر من ألف ومئتي عام، وبنت أحواضا لسقاية الحجيج خلال رحتلهم من بغداد إلى مكة، إضافة إلى فاطمة الفهرية التي أسست جامع القرويين في المغرب، الذي يُقال إنه أول جامعة في العالم، وغيرهن الكثيرات من اللواتي علا شأنهن وذاع صيتهن في مجالس العلم.
بحسب كتاب “النساء ومهنة الطب في المجتمعات الإسلامية”، فإن النساء تخصصن بصفة عامة في 3 مجالات: جراحة الحروب، القبالة وأمراض النساء، والكحالة وأمراض العيون، فهناك 7 طبيبات من 24 طبيبة تخصصن في جراحة الحروب بينما 11 اشتغلن في القبالة وأمراض النساء، واثنتان فقط عملتا في مجال طب العيون، والبقية لم تحدد تخصصاتهن، ولعل أهمها كان المجال الأول، إذ كان يعتمد على النساء بشكل أساسي في إخراج السهام من جرحى الحروب وتطهير الجروح والمحافظة على نظافتها ووقف النزيف وأحيانًا البتر والكي. وإذا أردنا أن نتصور دورهن بشكل أدق، فقد كانت مسؤولياتهن تتراوح بين الإسعاف المباشر في ميادين القتال بين السهام والخيول إلى نقل الجرحى تجاه الخطوط الخلفية إلى خيم المداواة، ثم نقل الجثث على ظهور الجمال إلى أماكن الدفن.
ولعل من أبرز تلك الشخصيات رفيدة الأسلمية ( أول ممرضة في التاريخ الإسلامي) وهي أشهر من نار على علم، واسمها الكامل رفيدة بنت سعد الأسلمية الخزرجية الأنصارية، تنتمي إلى قبيلة بني أسلم، إحدى قبائل الخزرج في المدينة المنورة. تعلمت حرفة التمريض والتطبيب بمساعدة والدها سعد الأسلمي الذي كان طبيبًا، كرست رفيدة نفسها للتمريض والعناية بالمرضى، فأصبحت معالجةً خبيرةً وبدأت تصاحب النبي محمد ﷺ في غزواته، إذ اعتاد الرسول أن يأمر بنقل الجرحى إلى خيمتها حتى تتمكن من معالجتهم وتضميد جروحهم.
س12: كلمة اخيرة ونصيحة للجميع
ليس فقط من ذكرتم من شخصيات نسوية ضمن سياق أسئلتكم الكريمة، فمن يدخل الإسلام اليوم فئات نخبوية من علية القوم في بلدانهم شرقيها وغربيها من الرجال والنساء من علماء ومفكرين وأساتذة ومتخصصين وسياسيين وفنانين ورياضيين وغيرهم فضلاً عن عامة الناس، وهذا لعمري مصداقاً لوعد الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، فلقد بين لنا جل وعلا نهاية الأمر سيكون لصالح دينه القويم وكتابه الكريم فقال جل وعلا: { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) } [التوبة: 32-33]، { يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)} [الصف: 8-9 ]. ولدينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه نفر من أهل السنن، واللفظ هنا في صحيح ابن حبان – محققا (ج15/ص 92) عن الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “لَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْإِسْلَامَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ”. أو ما جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم (ج4/ ص 477) [وعلق عليه الذهبي في تلخيصه: برقم 8326 بأنه: صحيح على شرط البخاري ومسلم]؛ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَبْلَغَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، يُعِزُّ بِعِزِّ اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَيُذِلَّ بِهِ فِي الْكُفْرِ» وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرَ وَالشَّرَفَ وَالْعِزَّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ كَافِرًا الذُّلَّ وَالصَّغَارَ وَالْجِزْيَةَ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ “. أو كما جاء في رواية لمسلم من قصة فتح رومية: أنها تفتح بالتكبير ولم يرموا بسهم. وهو ما نشهده في أيامنا هذه من دخول الغربيين في الإسلام وازدياد التكبيرات في العيدين في شوارع مدن وعواصم الغرب والشرق، فلله الحمد والفضل والمنة.
أما الفريق المعارض والمكابر فلابد ان نعلم أن صراع الحق والباطل ماض إلى يوم القيامة، وأنه لا بد أن يكون للجنة أهلها وللنار أهلها، فمن شرح الله صدره للخير والحق فسيكون من أهل الفوز وإلا فهو من الخاسرين الذين اختاروا الحياة الدنيا الفانية واطمأن بها على حساب الآخرة الباقية، وكما قال تعالى عن أصحاب الأهواء منبهاً رسوله عليه الصلاة والسلام بأنه ليس لك عليهم سبيل لأنهم أصحاب أهواء وقد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله فقال عنهم : {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43)} [الفرقان: 43]، وربما يكون بعضهم قد أخذت منه العزة بالإثم كل مأخذ فتراه يؤمن بالحق لكنه يكابر ولا يعلنه أو يجهر به : {وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)} [النمل: 14]، وبعضهم لو ذكرته بالله تعالى تغير لونه وارتعدت سريرته كأنما ذكرته بالموت في حين لو ذكرت أي أمر دنيوي تراه يهش ويبش وتنفرج سرائره وتنتفخ أوداجه وتعلو ضحكاته فهؤلاء قال فيهم رب العزة: { وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)} [الزمر: 45].
فالأمر بيد المرء إن شاء آمن وإن شاء كفر وكل يأخذ جزاءه يوم التغابن والمحكمة الكبرى: { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (29) } [ الكهف: 29 ]، فلا نحزن عليهم حزناً عظيماً لأنهم هم من اختار الباطل واشترى به ثمناً قليلاً، تماماً كما أوصى الله تعالى نبيه الرحمة المهداة والنعمة المسداة حينما كان يتألم عندما يرى نفر من قومه يصرون على الكفر والشرك والضلال فقال له: { لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) } [الشعراء: 3]، أي مهلك نفسك حزناً وشفقة عليهم، وقوله جل وعلا: { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (8)} [فاطر: 8].
وقد شبه لنا الحبيب عليه الصلاة والسلام حاله مع الناس في مثال جميل يبين فيه كيف أنه يجهد نفسه في منع الناس في السقوط والوقوع بالنار لكنهم يبتعدون عنه معتقدين أنهم على خير فيسقطون في النار ولات حين مندم، ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (ج4/ ص 1789/ برقم: 2284)؛ عن أَبُي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا، قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا».
ثم تجدني أتوقف عند قوله تعالى في سورة النساء وكأنه جل وعلا وهو ملك الملوك العزيز الجبار يتقرب لعباده عندما يتودد إليهم بنصحهم وحثهم على فعل الأوامر الشرعية ومنها الحجاب وعدم الاختلاط محذراً إياهم أن يسقطوا في حبال الشيطان وجنوده من أهل الشهوات فيقول سبحانه : { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (27)}، او قوله تعالى في سورة البقرة: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } من الآية [ 185].
هؤلاء وغيرهم من الفريق المعارض والمشكك والمتهكم ممن ذكرتم أو سواهم:
ترى لماذا يكرهون الإسلام يا ترى؟! هل لأنهم لا يستوعبون أمره وتعاليمه؟! أم لأمر آخر؟!
لأنه يذكرهم بحقيقة الوجود التي يكرهون سماعها، فهم يريدون حياة مطلقة الحرية يفعلون فيها ما يشاؤون دون رقيب أو حسيب. ولأن لما في تلك الحقيقة التي ينكرونها من اعتراف بالخالق جل وعلا وأن ثمة يوم تحاكم فيه البشرية فردا فردا على افعالها فمن ظلم نفسه بالكفر أو الشرك أو ظلم غيره بالتعدي على حدود الله تعالى التي شرعها فسيكون له عذاب يخزيه، وما يترتب على ذلك من التزامات وواجبات دنيوية لا يريدون الالتزام بها تكبراً واستعلاء
اللهم هل بلغنا ؟ اللهم فاشهد..