زرت عدة مرات مقر الشرطة هذا الأسبوع ، للحصول على ترخيص أبوي لإبني وليد الذي تحصل على ممتاز في البكالوريا، قصد السفر إلى إسبانيا، وتلك هدية الجزائر لأبنائها المتفوقين.
وقد أبديت كعادتي ملاحظات للقائمين على القطاع، ورحبوا بها كثيرا في إنتظار أن ترفع للأعلى.
وأنا جالس في قاعة الانتظار أنتظر دوري، إذ بي أقف على حالات إسترعت الانتباه، فاستوجب إعادة نقلها للقارىء بأمانة وصدق، ليقف على نعم الله التي بين يديه، ومنها..
أب يشكو هروب إبنته المراهقة. زوجة تقدم شكوى ضد زوجها. جار يسرق جاره. أم تبكي إبنها المفقود. أخ يطعن أخاه. إبن يضرب أباه. وأب يقدم شكوى ضد إبنه. وقضايا كثيرة أخرى، تشبهها أو تفوقها في الجرح والألم.
هذه الحالات تجعل المرء يحمد ربه طيلة حياته على نعم الله التي يتنعم فيها منذ ولادته ولا يشعر بها. وهذه الحالات تذكره بفضل الله عليه، ورحمته به. فينظر من حوله، فيرى ..
عائلته متماسكة فيما بينها، مازال أصغر الإخوة وهو في الخمسين من عمره وأب لأربعة، يطيع إخوته ويقدمهم في الكبيرة والصغيرة. وما زال للكبير قدره ومنزلته. لايتعدى كبير على صغير، ويصغي الصغير للكبير. وانتقل هذا الحب والود إلى الأبناء والأحفاد فيما بينهم، ومع الأقارب كبيرا كان أو صغيرا. لم يحدث أن قدم أحدهم شكوى بالآخر، ولم يحدث أن رفع أحدهم يده على الآخر رجلا كان أو إمراة، ولم يتعدى أحد على حق أحد، ولا يخطر ذلك على البال. وإن حدث خلاف، فهو خلاف بسيط كشأن الخلافات التي تحدث مذ خلقت الأسرة، لايؤثر على بنيانها، ولا ينتشر بين أبنائها، وتطوى صفحته في أول مناسبة.
يمكن القول الآن أن اللحظات التي قضاها المرء في قاعة استقبال الشرطة، ورأى تلك الحالات المؤلمة، ثم قارنها بما تتمتع بها أسرته من استقرار وحسن أخلاق، ومودة بين الجميع، حمد الله على ما بين يديه من نعم لا تقدر بثمن، ولا يمكن إستبدال أدناها بكنوز الدنيا.
علّموني في الصغر، أن زيارة القبور تذكّر بالنعم التي يتنعم بها المرء، فليغتنم فرصة الحياة للإعتناء بها والاستقادة منها قبل رحيله.
وحين كنت أجوب بأمي رحمة الله عليها، المستشفيات العامة والخاصة منذ عامين، كتبت عبر مقالات عدة، ومنشورات كثيرة عبر صفحتي..
من أراد أن يعرف نعم الله عليه، فليزر الاستعجالات ولو لساعة واحدة من الزمن، فإن فيها ما يذكر بفضل الله على عبده.
وهذا الأسبوع، وأنا أزور مقر الشرطة وأنتظر دوري، وأقف على الحالات المؤلمة المرسومة أعلاه، أقول وأنا واثق جدا مما أقول..
زوروا مراكز الشرطة لبعض الوقت لتروا رأي العين، وتقفوا موقف الشاهد الصادق، على مشاهد تدمي القلوب، ومناظر تجعل الحليم حيران..
كذاك الذي ضرب أباه، وطعن أخاه، وسرق جاره، وانتهك عرض شريف، وتعدى على برىء، وأذل عزيز، واحتقر إمرأة.
فيعرف من خلالها أن الله فضّله بنعمه على كثير من خلقه، وأن الاستقرار والأمن والأمان داخل بيته وبين أفراد ، والمودة والمحبة الدائمة، نعم يجب أن يحافظ عليها بما رزق من نعم.