الوطن بين المقدس والمدنس

علي الكاش

‏(عندما يدس المعمم أنفه في السياسة يكون كالغراب ضيع المشيتين الدين والسياسة معا).‏
ـ قال الأفوَه الأوْدِيّ:‏
لا يصلح الناسُ فوضى لا سراةَ لهمْ … ولا سَرَاةَ إذا جهالهُم سادوا
‏ (قواعد الشعر/76).‏
الا تعلم يا رجل الدين: أن الغمد لا يستوعب سيفين، رجل دين وسياسة، وسياسي ورجل دين، و ‏الفرق واضح ومبين. ان معرفة أهداف مراجع الدين من الاسرار، فلا لحاياهم ولا عماماتهم ولا ‏خواتمهم تجسد الوقار، لأن الدين مكارم اخلاق وتعامل أخيار، البعض منهم تظنه زاهدا متعبدا وهو ‏من ألد الأشرار، فسرعان ما تتكشفت عورته ويرتفع عنها الستار، الشر من سماتهم، والجشع من ‏طباعهم، والضحك على الذقون منهاجهم، فهل المطلوب منها إحترامهم وتتويجهم بهالة القداسة؟ لا ‏وأيم الحق، اسمع الفارق، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.‏
لا تأخذ الدجال في الله لومة لائم، يأخذ بالأحوط والطلاسم والنمائم والعزائم، يتجاهل الفقراء ‏والأرامل والأيتام، شديد الحرص على خدمة أعداء الإسلام. اشبوعنا خنوع وإذلال، من حيث لم ‏يخطر على بال. وبقاء الحال من المحال، ولكم سوء المآل..‏
يكاد القلب أن يتصدع، مصير مدقع، وتفكك مجتمع، عيش بذل وخوف وجزع، وصبر طويل ما ‏عاد ينفع، وصوت جاهر ما عاد يُسمع، نصرخ بقوة وصداه يرجع، من يأسنا يكاد القلب يفجع ‏والعقل يتوجع، والشر يتوسع، معممنا ما عاد بالحق يتشيع، ألهته الدنيا وملذاتها والطمع، يخدرنا ‏بخطب كالأفيون بلا نفع، لو كان زاهدا حقا ما خضع لمارد الجشع، وما اخفى مؤسساته وامواله ‏ببرقع، معمم بخطط الشيطان مضطلع، قريب من القبر ومن الأخماس لا يشبع.‏
الشرع منتهك مما يجعلنا بموقف حائر، كيف معممنا بالدين يتاجر. سألنا أهل التقوى عن أمره؟ ‏فقالوا هو في الدجل محترف شاطر. يحول الزمن الغابر الى حاضر، واختلفت الرؤى عند الناس ‏فصار السارق والعاهر جيد الصنعة خبير وماهر، والعدل هو السكوت عن المظالم، ورغم انفك ‏قبول المصائر، ما أنت الا عبد ذليل فاياك فأياك ان تجاهر، صار الحق مطلبا صعبا مهما علت ‏بصوتها المحاجر، بالخفي يرتكبون الصغائر والكبائر وتراهم يزهدون بكذبهم على المنابر. الا ‏ترعوي يا معمم بنار الوعيد فتجعل من اتباعك كالعبيد؟ تخفي في أعماق نفسك ما فضحه تعالى ‏على وجهك. سودت يا معمم الصحائف البيضاء، وبيضت الصفائح السوداء، انت علة في جسد ‏العراق أنت داء، بل أنت وباء. ‏
لقد أفسد الحكام كل ما هو صالح، وموقفك منهم مبهم غير واضح، فلا أنت صمام أمان ولا أنت ‏ناصح، دوختنا بالنفاس والرضاع والمنكوحة والناكح، حتى فتاويك مبهمة وعلى الأرجح يا راشد، ‏أفسدت ديننا ودنيانا يا جاحد. حاشا الله ان تلتزم بالعهد المتين، اقسم بربٌ العالمين والذكر المبين، لا ‏أنت حصن ولا أنت حصين، ولا أنت صمام الشعب الأمين، لا نعلل النفس بالأماني، فأنت عميل ‏فارسي أناني. ‏
لقد حيرت الألباب بإغلاقك عن أتباعك الباب، فلا أنت حي يرزق، ولا ميت وطواك التراب، ‏وصرت شهيد المحراب، فقد أختلف الناس حول الغياب، فأخرج ووضح الأسباب، كي لا تغتاب أو ‏تعاب، أخرج وأزل عنهم الدهشة والإرتياب، لعل في ظهورك يزول السراب، بأن غياب مرجعهم ‏حجة أو عقاب قد كفتنا فكرة الغياب وبتنا منها في إرتياب، قد تحول اليقين الى سراب، في ضوء ‏إنتفاء الأسباب. صارت الغيبه خدعة وعيبه.‏
أقسم ورب الأرباب ما حن يوما الأعاجم على الأعراب، أينما حل الأعاجم، حل الدمار والخراب، ‏ان قلت كلمة بالفصحى، تلعثمت وسال من فمك اللعاب. العيش بوجودك ما طاب، بل تعاظم عندنا ‏المصاب، الأمل فيك قد خاب، تهنا اين الخطأ وأين الصواب، ما ينفع معك الإسهاب، طالما حل ‏الظلم والعذاب، مهما طال الدهر سيحين وقت الحساب، فدعاء المظلوم على الأحوط مستجاب. ‏سبحان من جمع فيك مثالب بعلو السحاب. تراوغ كالثعالب وتفترس كالذئاب. ‏
لم تفتِ بجهاد ضد الإحتلال، وأفتيت بجهاد ضد الدواعش الأنذال، هل النصارى أقرب اليك من ‏المسلمين؟ هيهات أن تجيب على السؤال المبين. لأن مبدأ المتخاذل الجبان، أما الهروب او اللف ‏والدوران.‏
آخر الحياة فناء، وآخر الدجل إنتهاء، وآخر الفراق لقاء، ان لم يكن في الأرض ففي السماء. اذا ‏سمحت الدنيا لك بالظلم، فإبشر بعدم الرجاء، لا شيء يدوم غير رب السماء. إسمع يا مرجع وتأمل، ‏الشعب يصرخ بوجه الظالم المعتل، خاب ظنه فيك وما عاد ويأمل، عجبي إن باب الله مفتوح، في ‏حين بابك مقفل، سبحان الله كم من اتباعك مستحمر ومغفل.‏
تتكدس أموال المراجع في الغرب الكافر، والفقراءيأكون من المزابل ويسكنون المقابر. وما ان ‏تستفسر عنهم عن مصير الخمس، تجدهم ما بين متعجرف ومتكابر، متهما بالعمالة والكفر، وتصبح ‏وفق شرعهم مرتدا وفاجر.قد توضحت المعالم، وألف لعنة على الظالم. ‏
صارت العمامة والعقال خزي وسفالة وعار، فلا ترتجي صفو الجو من الغبار. ستتحول الأحوال ‏من سيء الى اسوأ حال، ما لم يتحول الشعب الى ثائر، يسعى لحقوقه ويكون بحرا هادر، ينفجر ‏كبركان ثائر، ويحرق كل دجال وفاسد وعاهر. ‏
تركت دموع العين تنسكب، متفرجا على ناس من حزنها تنتحب، أهذا هو الإسلام يا رجل، وانت ‏على مقربة من الأجل؟ ماذا ستقول للرب يوم القيامة، بعد ظهور شياطينك من تحت العمامة؟ هل ‏في سيرتك ما يشفع، وقد خنت الأمانة؟ حذاري يا صمام الأمان، ففي رحيلك السلام والأمان.‏
معممنا لم يدع من فنون الدجل صنفا‎ ‎إلا إرتقاه، ولا نوعاً السحر إلا إختاره وإنتقاه، ولا وجها من ‏الخزعبلات‎ ‎إلا بان في محياه. حسبنا الله فيما نقول، عسى ان نجد عند الأتباع القبول. نحن نطالب ‏بحقوق وليس شفقة ورفق، لسنا عبيدا لأحد فنسترق. من استكبر في نفسه أميرا، وعتا بنفسه عتواً ‏كبيراً، وكان محللا للدماء، فهو ينتهك شرع السماء، كفرعون يفعل ما يشاء. مجد وهمي يدعوه ‏للتنقي على أوج رتب الترقي، إذا حلٌ بمستحمرين تهلل بالبشرى والسرور، وتحلى‎ ‎سيماه بالحبور، ‏وترنمت بوسيم شمائله أطياره، وتفتحت بنسيم خلقه‎ ‎أنواره. يعلن الخير، ويضمر الشر، لا يعرف ‏الخير والبر، خاتمته سقر.‏
نصب له الشيطان فخا فوقع في الشباك، ومن حاد عن الحق مصيره الهلاك. لا نأسف عليك ولكننا ‏نأسف على من خدعته بفتواك،‎ ‎بئس من اضلك وأعماك. يا معمم ماذا لربك ستقول، أليس الآخرة ‏خالدة والدنيا تزول؟ فهل فكرت في آخرتك متأملا، وانك ستلقى ضحيتك عاجلا ام آجلا. تدعم نعرة ‏جاهلية عاطلة، ونزعة عصبية باطلة، تزرعها في زمرة جاهلة. ويحك من الخاتمة، ومن شر ‏نفسك الآثمة.‏
كنا نظن بالمعممين خيرا، وان بعض الظن إثم، لكنهم خدعونا وزادونا هما على همٌ، فالظلم حلٌ فلا ‏أمن ولا سلم، والحق غادرنا ناقما ولم يقم، فعذرنا على الرحيل ولا تلم، من وطن ليس فيه ثقافة ‏وعلم، حرمونا الدجاجيل حتى من الحلم. مما يزيدنا لوعة وألم، في بلدي يقتل الفرد على الكلم. ‏معممون فاسدون مذ كانوا أجنة في الرحم، لعن الله نطفة جرعتنا الحزن والألم، نعيش ظلم وفساد ‏يعجز عن وصفهما القلم. ‏
قسما برب العالمين، جميع حكامنا فاسدين. احلف بالله الواحد الصمد، واحدهم يفسد أمة وليس بلد، ‏حجتهم بلا برهان ولا سند، شوهوا الشرع وإدعوا الزهد، فاسدون وابليس لهم عضد، ستلعنهم ‏الأجيال للأبد، لا هنأهم الله بمال او ولد. قد خربوا العراق عن سبق اصرار وعمد، يقتلون كل حر ‏فضح دجلهم أو نقد، منهم من اغتيل وأعتقل وخُطف او فُقد. ‏

دخل على الناس من الهم والكدر، ما فيه عبرة لمن اعتبر، نعوذ به من شر الفساد والطغيان، لعله ‏يقينا من حيف الزمان. الميزان هو رمز العدالة، لذلك تلاحظ كفة الاشرار تعلو لخفتهم، وتنزل كفة ‏الأخيار لثقلهم. نكثوا بيمينهم والنكث باليمين كفر، وفساد المعممين عهر ما بعده عهر. معممنا ‏بموافقه المريبة كمن باع كل شيء بلا شيء، واشترى لا شيء بكل شيء. فاسد حتى النخاع، لكن ‏في ميدان الباطل جسورا وشجاع.‏
معمم يبارك مجرما سافلا وجزار، عليه ما يستحقه من المنتقم الجبار، قاتله الله مجبولاً على ‏الفظاظة، والقسوة والغلاظة، إرهابي ميليشياوي ولائي، مصدر المحن والبلاوي، لا يستحق صفعة ‏من نعالي، لقد سبوا الحريم ونهبوا الأموال، وأحرقوا البلاد وساءت بنا الأحوال، أذاقوا الناس ‏كؤوس الإهانة فسكروا بالمهانة، لم تعظم عليه القضية، وأترعت له كؤوس المنية. ضجوا الناس ‏بالعويل والنحيب، مبتهلين الله تعالى من شر يوم وصيب، كل هذه المصائب ومعممنا متفرج، لا ‏أفهم، هل هو مرجع أم مهرج؟

الخاتمة
معممنا ظالم لا ضمير يوجعه، ولا شرع الله يردعه، ولا منطق سليم يتبعه، لقد أساء الأدب، وخاتمته ‏حطبا للهب، فتَبَّت يداه كأبي لهب، عما فعل وكسب. ان شيطانه عربيد مريد، يعلمه الشر فيتقنه ‏ويزيد،
لكن مهما تجاوز الظلم المدى، سنشرق يوما شمس الهدى، والسلام على من تاب وإهتدى. ‏

علي الكاش