شكل اتفاق بروكسل بين الاتحاد الأوربي وتركيا حول إعادة اللاجئين من أوربا إلى تركيا، مسارا خطيرا لمبادئ لحقوق الإنسان بشكل عام، وخرقا غير مسبق لحقوق المهاجرين واللاجئين بشكل خاص؛ ووصفته منظمات إنسانية بأنه “اتفاق غير قانوني وغير أخلاقي”.
ذلك لان قضية “المهاجرين غير الشرعيين” هي قضية إنسانية بامتياز، إلا أن الاتفاق الأوربي التركي كان “اتفاق مصالح” لا “اتفاق حقوق”. فأوروبا تريد من وراء الاتفاق المبدئي مع تركيا ابعاد اللاجئين عن أراضيها لأسباب حضارية وأمنية، فيما تركيا تريد تحقيق جملة من المصالح، وهي مصالح تتراوح بين الحصول على مساعدات مالية للحد من الأعباء المالية التي تتحملها بهذا الخصوص، وفتح أبواب جديدة أمام تطلعها إلى نيل العضوية الأوروبية، وجلب ضغط أوروبي على الحكومة السورية..
فما هي جذور المشكلة؟ ما هي بنود هذا الاتفاق؟ وكيف نظرت المنظمات الإنسانية إلى تلك البنود؟ وما هي الآثار السلبية التي نتجت عنه؟
أشار تقرير الاتحاد الأوربي لعام 2016 إلى “وصول أعداد كبيرة من المُهاجرين وطالبي اللجوء إلى أوروبا، وصل أغلبهم بحرا عبر أكثر من 850000 شخص البحر إلى أوروبا خلال هذا العام، حتى وقت كتابة هذا التقرير. الغالبية العظمى من هؤلاء الأشخاص تُقدر بنحو 82% عبروا بحر إيجه من تركيا إلى اليونان، و17% فقط عبروا المتوسط من شمال أفريقيا إلى إيطاليا؛ أشهر ممر بحري تاريخيا. جاء 84% من الذين وصلوا بحرا من الدول المُصدرة للاجئين مثل سوريا، وأفغانستان، وإريتريا، والعراق، والصومال، بحسب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، شكّل النيجيريون والغامبيون، والسودانيون، والباكستانيون، والماليون 7% من الواصلين الجُدد.”
ولمعالجة تدفق اللاجئين، ومكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر إلى أوربا، توصل الاتحاد الأوربي وتركيا في 18 مارس/ آذار 2016 في العاصمة البلجيكية بروكسل إلى اتفاق يقضي بإعادة جميع اللاجئين الذين يصلون من تركيا إلى الجزر اليونانية إلى تركيا، وتطبيق مبدأ “واحد مقابل واحد” ففي مقابل كل سوري يعاد من الجزر اليونانية إلى تركيا سيتم استقبال سوري آخر من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على أن تحصل تركيا على إعفاء مواطنيها من تأشيرات الدخول إلى أوروبا، ومبلغ 3 مليارات يورو من أجل تحسين ظروف معيشة اللاجئين، مضافا إلى موافقة الاتحاد الأوروبي وتركيا على فتح الفصل 33 (المسائل المالية) ذات العلاقة بانضمام تركيا للاتحاد الأوربي.
عدت المنظمات الإنسانية هذا الاتفاق خرقا لمبادئ حقوق الإنسان وتجاوزا على الاتفاقات الدولية بشأن اللاجئين؛ لأنه أعطى الدول الأوروبية الحق في “إرجاع” اللاجئين ورفض بقائهم على أراضيها، وهو ما يخالف القوانين الدولية الناظمة لملف اللجوء، ولاسيما اتفاقية جنيف للاجئين؛ ومنحها الحق في تصنيف المهاجرين إلى “شرعي” و”غير شرعي “وهو ما يذكر بمعايير كانت قد وضعتها بعض الدول الغربية التي استعدت لاستقبال لاجئين من أديان أو مذاهب محددة، أو فقط من الأقليات الدينية والعرقية، أو حتى “الشواذ” جنسيا.
ولهذا، أعربت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الأوروبية عن خشيتها من أن يتحول الاتفاق إلى عملية نقل جماعي لا تتطابق مع معايير حقوق الإنسان والمعايير الدولية للجوء، خصوصا أن جزءا كبيرا من المهاجرين هم من سوريا والعراق، وهما بلدان بحسب القانون الدولي غير آمنين، ومواطنوهما يستحقون اللجوء. وأبدى مفوض حقوق الإنسان في الأمم المتحدة زيد بن رعد الحسين “قلقه الكبير” حيال مشروع الاتفاق الذي يلحظ إعادة جميع المهاجرين إلى تركيا، بمن فيهم طالبو اللجوء السوريون الذين يفرون من الحرب في بلادهم. وأضاف الحسين “اليوم، وفي انتهاك للمبادئ الأساسية للتضامن والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، فإن السباق الهادف إلى طرد هؤلاء الأشخاص يتسارع”.
وقال جون دالهويسن، مدير شؤون أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة العفو الدولية المنظمة، إن الوعود التي أطلقها الاتحاد الأوروبي باحترام القوانين الدولية والأوروبية والتقيد بها “تبدو كغلاف من السكر على حبة سم السيانيد الذي اجبر مبدأ حماية اللاجئين في أوروبا على اجتراعه.” وأضاف “أن الضمانات بالاحترام الكامل للقانون الدولي لا تتماشى مع إعادة كل المهاجرين غير النظاميين الذين يصلون إلى الجزر اليونانية إلى تركيا.” وقال دالهويسن إن “تركيا ليست بلدا آمنا للمهاجرين واللاجئين وأن أي اتفاق من شأنه إعادة المهاجرين مبني على هذه الفرضية يكون “معيبا وغير قانوني ولا أخلاقي.”
صحيح أن الاتفاق الأوربي التركي كان اتفاقا غير إنساني وغير أخلاقي ولا ينسجم مع القوانين الناظمة لحقوق المهاجرين من حيث المبدأ، إلا أن هذا الاتفاق وبمجرد المباشرة بتطبيقه خلف وراءه جملة من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان غير المتوقعة.
ومن جملة تلك الآثار والنتائج التي ترتبت على تطبيق ذلك الاتفاق، هي:
– إن هذا الاتفاق افقد أغلبية اللاجئين فرصة الهجرة إلى الدول الأوربية، باعتبار أن المؤهلين وأصحاب الكفاءات -ومن تحتاجهم الدول الأوروبية- سيحظون بالأولوية.
– إن هذا الاتفاق بعث رسائل تثبيط من الدول الأوروبية لمن يفكر بالقدوم إليها، عبر الحديث العلني عن تدني ظروف الإيواء المتاحة، أو صعوبة قبول طلبات القادمين الجدد، مع الإعلان عن تحضيرات لترحيل أعداد غفيرة من الذين تم رفض طلباتهم بالفعل، أو استحداث شروط جديدة مثل الإقامة المؤقتة أو منع لم الشمل العائلي.
– إن هذا الاتفاق شرع بشكل رسمي لظاهرة “الترحيل الجماعي” القسري لإعداد كبيرة من المهاجرين من أوربا إلى تركيا؛ وهو ما يحرمه وتجرمه القوانين الدولية لحقوق الإنسان جملة وتفصيلا.
– إن هذا الاتفاق دفع المهاجرين إلى الهروب من مخيماتهم خوفا من ترحيلهم إلى تركيا، وأن كثيرا منهم قدموا طلبات لجوء سياسي إلى اليونان حتى لا يعادوا إلى تركيا التي يرونها بلدا غير آمن.
– جميع الذين تم إعادتهم من اليونان إلى تركيا محرومون من إمكانية تقديم طلب لجوء إلى أوروبا، الأمر الذي يشكل انتهاكاً لحقوق المهاجرين.
– يعيش معظم اللاجئين بالخصوص السوريين الذين لا يمكن مبدئياً إعادتهم إلى بلدهم حالة مزرية خارج المخيمات ولا يمتلكون ابسط مقومات الحياة.
– عودة المهاجرين السوريين إلى تركيا جعل منهم فريسة سهلة للتنظيمات الإرهابية حيث اضطر الكثير منهم إلى الانضمام إلى صفوف التنظيمات المتشددة، وقتل بعضهم في المعارك ضد القوات الحكومية.
– إن تركيا أعادت بصورة غير قانونية في الأشهر القليلة الماضية آلاف السوريين إلى بلدهم الذي تمزقه الحرب. وذلك بحسب منظمة العفو الدولية.
– إن السلطات التركية قلصت تسجيل اللاجئين السوريين في الأقاليم الحدودية الجنوبية وإن أولئك الذين لا يجري تسجيلهم لا تتاح لهم خدمات أساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم. وذلك بحسب منظمة العفو الدولية.
ندعو الاتحاد الأوربي إلى إعادة النظر بملف المهاجرين، وبذل المزيد من الجهد لحصول الاستقرار السياسي والأمني في البلاد التي هاجر منها المهاجرون. أما الأتراك فهم مدعون إلى النظر من زاوية أخرى هي زاوية حقوق الجيرة وأخوة الدم والدين؛ وقد يكون أفضل ما تفعله تركيا هو فك الارتباط بين ملف اللاجئين الإنساني وملف عضويتها في الاتحاد الأوروبي لتخرج من شبهات الاستثمار والاستغلال والمتاجرة.. فهذا الاتفاق بحق هو “وصمة عار” لحقت بالأوربيين والأتراك على حد سواء.