وتسألني ياصديقي ساهرَ الليل عن زيارتي الاخيرة الى بغداد وأعلمك في البدء انها ليست الاولى منذ عقود كما ظَننتَ.. فقد سبقتها قبل عامين ونصف زيارة اولى حقاً لـبغــدادنــا بعد أكثر من واحد وثلاثين عاماً … وإذ انتَ دائم السؤال عن الجديد ولا سّيما عن الجواهري الرمز ولأن داء التوثيق عنه وله ما زال يدبّ بنا وقلْ يستفحلُ ولا تخفْ فها هي بعض وقفات منتخبة من عشرات أخصكَ بها وكذلك لمن يقرأ ويكتب مثلك وما خفيّ أعظم …
•ونبدأ يا ساهرَ الليل بما يلفت كل الانتباه في بغداد دارة المجد كما ينبغي لأنها ما برحت حتى اليوم خالية من اي نصب يليق بشاعـــرالامتيّن وان تعددت التبجحات والوعود والتصريحات وما من شكّ انــك تدري ما أعنــي بـ ألأمتينإإ .. ولا اعرف كيف طفح الى الذاكرة الان وبكل عفوية ما قاله الجواهري الخالد في الستينات الماضية تعبيراً مكثفاً عن هضيمة كانت تتزايد عنده:
يا نديمي: لم يبقَ لي ما أُرجّي غيرُ (ليتٍ) و(ليتُ) زرعٌ بصخرِ
ليتَ أني لبربرٍ أو لزَنجِ أتغنّى شجونَهم طولَ عمري
نِصفَ قَرنٍ ما بينَ دُفّ وصَنجٍ أتُراني كنتُ انتُبِذتُ بقفرِ؟
و تُجوهلتُ مثلَ واوٍ لعَمرِو؟ لستُ أدري ولا المنجمُ يدري!

•… واذ تسألني يا صديقي: كيف رأيتُ الاوضاع هناك حيث يضطرب المنى والسعي والفشل ؟؟ وعن المسؤول في ما آلت اليه الامور؟؟ فها أنذا أختصر لك واردد ماقالـــه الجواهري عام 1946 اي قبل أزيد من خمسة وستين عاما:
ذُعِرَ الجنوبُ فقيلَ: كيدُ خوارجٍ! وشكا الشّمالُ فقيلَ: صُنْعُ جِوار!
وتنابَزَ الوسَطُ المُدِلّ فلم يَدَعْ بعـضٌ لبعـضٍ ظِـنّـةً لفَـخـار
ودعا فريقٌ أنْ تسودَ عَدالةٌ فرُموا بكلّ شنيعةٍ وشَنار! …
و تساءلَ المُتَعَجّبونَ لحالةٍ نكراءَ: مَنْ هُم أهلُ هذي الدارِ؟
* أما عن تصوراتي يا صديقي الساهر عن زعماء البلاد السياسيين وأيهم الافضل؟ نسبياً بالطبع … فقد أُحير جوابـاً لا لصعـوبة في التقييم وســواها ولكن لأمر في نفـس يعقوب إإإ لذلكَ دعني الجأ من جديد ودائماً للجواهري وهذه المرة لمـا نشره في الستينات خاصةً وأن الحال هي ذاتها اليوم :
وتجـمّـع (الأقطاب) يـأكلُ بعضُهم بالحقدِ بعضا
يتفحصون مشاكلَ الدنيـا سماواتٍ وأرضـا
أيُعـالِـج المرضى أطــباءٌ بذاتِ الجنبِ مرضى؟؟
يشـكو المحبّـةَ واحدٌ لـ ثلاثةٍ يشكون بُغضا!
… أما من هو ذلكم الـ واحـد ؟ ومن اولئكم الثلاثة ؟ فهذا ما نتركه لكل واحد بحسب ذوقه ومشتهاه إإإ
* ولكي نعيش سويعات نهار إستثنائية – يا ساهرَ الليل- زرنا شارع المتنبي الثقافي الاشهر في بغداد كما يُسمى وكأن ثمة شارع ثقافي آخر غيره… وهناك دارت حوارات سريعة ومنها عن الجواهري بالتأكيد وأهمها عن المقترح الذي تقدمنا به منذ ثلاثة اعوام ونيف نشيداً وطنياً وطنياً للعراق الجديد من شعر الشاعر العظيم ومطلعه كما أظنكَ تتذكر:
سلامٌ على هضبات العراق … وشطـّـيه والجُرف والمنحنى
سلامٌ على باسقاتِ النخيل … وشُمِّ الجبال تُشيعُ السَـنا
سلامٌ على نيّرات العصور ِ… ودارِ السلامِ مدارِ الدُنا
…. ونسمع بهذا الشأن من أدباء ومتابعين: ان لجنة الثقافة البرلمانية حريصة هذه المرة علـى ملاحقة متطلبات إقرار النشيد والعلم العراقيين الجديدين برغم امتلاء جداول أعمال المجلس النيابي بكل ما لذّ وطاب من برامج وأهتمامات ومشاريع قوانين.
* وتسألني ياصديقيالساهر عن جديد المشروع الرائد والذي نتباهى- أيضاً- بأننا كنا وراء انطلاقته ونعني تحويل بيت الجواهري العظيم في بغداد الى متحف لآثاره وتراثه فأجيبك: ان التفاؤل يملؤنا وحتى اللحظة على الاقل بأن الخطى تتسارع عجولــةً لاستكمال المتطلبات ذات الصلـــة وأن كان هنــك مارقون حاولوا بل ويحاولون الى اليوم عرقلة المشروع وحتى بوسائل دنيئة ولن أفصل اكثر وأكتفي بأستعـــارة اخرى من حكـــم ومقولات وإحترازات الشاعـــر الخالـــد لعلهـــا تشــي وتعبر:
كمْ هزّ دوحكَ من قزمٍ يطاولهُ فلم ينلهُ ولم تقصرْ ولم يَطلِ
وكم سعتْ إمعاتٌ ان يكون لها ما ثارَ حولك من لغوٍ ومن جدلِ

* ولأن الشئ بالشئ يذكر دعني أنبئكَ ياصديقي ساهرَ الليل ان فكرة بل توجهات ذات صلة بالشأن اعلاه: روحية وثقافية واجتماعية قد طرحناها شفاهاً ثم برسالة تحريرية أمام معنيين عسى أن يُعنوا بها تساهم – وإن بحدود- في إيفاء الجواهري الاعظم بعض ديّنه على الجميع … ولكن ولأن هناك بعض متعلقات مالية برغم ضآلتها فقد تماهلعــدد من ذوي الامر متوهميــن ان مـــرور الايـــام كفيـــل بـ دحــر الفكرة- المشروع والعزوف عنها .. ناسين أو متناسين أنها انطلقت وأن التاريخ شاهد شامخ يأبى الرياء وسيسجل الوقائع ويعطي لكل حق حقه … ولنؤجل التفاصيل أيها الساهر برهة وقت ولننتظر عسى ان تتحفـــز الضمائر؟؟ وذلك ما نراهنُ عليه وكم نتمنى ان نكسب الرهان إإ
هل تُراني أوفيت لك يا صديقي يا ساهر الليل ببعض ما أردتَ؟ أم أنك ترغبُ بالمزيد من ذلك الذي خفيَّ وهو أعظم ؟؟.. ولكنه قد يثير مضاعفات من الشجون والشؤون وما نحن بأنداد لها اليوم على ألاقل … فدعنا إذن من خوض غمار الاحتراب ولتتقبل بديلاً عنه سلامي الدائم ايها الساهر السامر وعلا شأنك برغم أنوف المَلا إإإإ.