من د. رعد مقبل العبيدي
يا أيها المرائين ! كفاكم إساءة للحسين !
إنتشر في مواقع التواصل الإجتماعي ، فديو يظهر ثلة من الأشخاص بملابس عسكرية، مثل التي يرتديها الحرس الجمهوري أو الملكي حين مراسم الإستقبال للرؤساء أو الملوك ، حيث يعزف السلام الوطني و يتقدم ضابط بيده السيف ليؤدي التحية العسكرية بحركات خاصة للشخص الذي يجري إستقباله ، و المفاجأة انهم أظهروا شخصاً على وجهه برقع أبيض بدعوى أنه الإمام الحسين ، وقد أدى له الضابط التحية العسكرية و إستلم منه راية سوداء ثم إختفى صاحب البرقع ليذهب الضابط بالراية و يسلمها الى شخص تقدم صفوف عشرات الاشخاص الواقفين ، فأخذ الراية هذا الشخص و هو يبكي و سلمها الى آخر ، و هكذا إدعوا أنها مراسم إستقبال الإمام الحسين العائد الى كربلاء . و قد إستفزتني هذه المسرحية البائسة ، التي أجدها مهزلة صادمة لكل مسلم ينظر بعين التقدير و الإحترام للحسين الإمام ، و ها أنا أسمح لنفسي أن أكتب ، عندما نقرأ التأريخ العربي الإسلامي تستوقفنا بعض الوقائع ، التي تجتمع فيها النقائض في أوان واحد ، و أذكر قولاً مأثوراً لأحدهم ( أينما تكون أضوية قوية فهناك ظلال قوية )، هذا ما أظنه ينطبق على واقعة مقتل الإمام الحسين ، الذي استشهد في واحدة من هذه الوقائع الـتأريخية ، التي لا يمكن أن يلفها النسيان أو يطويها الزمان ، فهي قديمة جديدة ، و أرى أنها قد جمعت النقيضين ، ففيها ظلال قاتمة كما اشتملت على إضاءات غاية في السطوع و القوة، فالجريمة بحد ذاتها من أبشع ما عرف التأريخ الإسلامي ، إذ امتدت يد الغدر لتقتل حفيد النبي الكريم بإسلوب خسيس لئيم ، و لم يكتف القتلة بذلك ، بل إمتدت أيديهم المجرمة الى تقطيع أوصال الأطفال الأبرياء ، و سبي الثكالى و الأرامل من النساء، و ما من بطولة و لا رجولة و لا انتصار ، بل هو عار و شنار ، أن يجتمع عدة آلاف على الإمام الحسين ، و هو مع عائلته و أولاده و أخوانه لم يصل عددهم الى ثمانين بين طفل و إمرأة و شيخ كبير السن، و في المقابل فإن الإمام الحسين و أخوته ، و الذين معه قدموا صور بطولة و فداء نادرة في التضحية و العطاء ، و الثبات على القيم الإيمانية الصحيحة ، و المباديء الإسلامية القويمة، و قد توهم مرتكبو الجريمة أن معركة الطف هزيمة للإمام الحسين و انتصار لهم ، وإذا صح هذا التوصيف على الجانب المادي ، فهذا هو الجانب المظلم و المؤلم، و لكن في المقابل و على الصعيد المعنوي ، كان إستشهاد الإمام الحسين بداية الهزيمة و السقوط للدولة الأموية ، و هكذا قيل ان معركة كربلاء انتصر فيها الدم على السيف ! فقد تحولت هذه الواقعة محركاً للضمائر ، و دافعاً للثورة حتى نجحت بإسقاط الأمويين .
وهنا لا يهمنا ما الذي حدث في زمن العباسيين ، فهذا خارج على موضوعنا ، و إنما يهمنا أن الإمام الحسين أصبح رمز الثورة على الظلم و السلطان المستبد ، و الحكم الفاسد ، نتيجة من الثبات على المباديء و القيم الإسلامية الى حد الشهادة ، و مواجهة المجرمين بشجاعة و إن كثر عددهم ، و التصدي لهم ببطولة و بلا خوف منهم ، و لم يضعف الإمام أمام ترغيبهم و لا إرهابهم ، و هكذا بلغ الإمام الحسين السمو و الرفعة ، و صار رمزاً يقتدى ، و علماً خالداً للدين و الثورة و الهدى ، و هذا هو رأي الشخصي و تصوري و موقفي الفكري ، لا خوفاً و لا ضعفاً و لا تزلفاً و لا تملقاً أو أملاً بمطمح ما ، و إنما هي حقيقة مشاعري و ما استقر في ضميري ، لذلك يؤلمني أشد الألم ، و يؤسفني أشد الأسف أن أجد أن هناك من بكل قبح و صلف يحاول أن يشوه صورة الإمام الحسين ، فيهبط بها من علوها الى المكان الأسفل ، و أن يجعل الأمام الحسين برقعاً يتستر به على جرائم يرتكبها بنفسه علناً أو سراً، و هي جرائم ألعن من جريمة مقتل الحسين نفسه ، ترتكب بحق شعب العراق كله ، و لا يقف الأمر عند هذا الحد ، بل يبتدعون ممارسات منكرة لا يستسيغها عاقل ، و لا يقبلها الدين ، و لا يرتضيها أحد من المنصفين ، و بكل خبث و وقاحة يكذبون على البسطاء ، و يزعمون انهم حسينيون ! و أنهم بهذه الممارسات الفجة و المستنكرة يعبرون عن انتمائهم الى شيعة الأئمة الطاهرين علي و الحسين ! و لا يقف الأمر عند هذا الحد فهم يكفرون المسلمين ، الذين لا يرتضون هذا الدجل و الكذب ، و يعربدون و يهددون و يتوعدون من دعا الى الحفاظ على الصورة المشرقة ذات الظلال الساطعة لثورة الإمام الحسين و استشهاده ، و هم لا يكفون عن بدع سخيفة و سقيمة ، يطلعون بها على الناس من وقت لآخر ، و الويل لمن يرفض بدعهم ، و الموت لمن لا يقبل ممارسة شعائرهم ، و في هذا الفديو نموذج من هذه البدع الجديدة التي لا يراد لها أن تنتهي ، و التي تأتينا دوماً من إيران ، و هؤلاء الإيرانيون ، و من دون وجه حق ، قد أوكلوا لأنفسهم إدعاء انهم حسينيون ، و أنهم ورثة الإمام الحسين ، و الناطقين بإسمه ، و المؤتمنين على إرثه ، بحجة أنهم من شيعته ، و كأنه لا يوجد أحد من المسلمين غيرهم ، ممن يتذكر الإمام الحسين و يعرف نسبه و قدره، و ما حل به على أيدي قتلته المجرمين ، و هكذا جعل الإيرانيون إدعاء التشيع تأشيرة صالحة لمهمة تسخيف الدين ، و ثورة الإمام الحسين بذريعة حب الإمام الحسين ! و لذكرى المقتل إذا كانت هناك حاجة لإستعادة وقائع ما جرى في كربلاء ، فلا بأس من ذلك على أن تذكر الحقيقة و يحترم عقل الناس ، و لا تمارس بدع سخيفة ، أقل ما توصف به أنها تنزل الإمام الحسين من مكانه السامي في العقول و الضمائر ، و تجعله مجرد شخص لا يذكر إلا مرتبطاً بالنواح و اللطم و إسالة الدم و نتف الشعر و جلد الظهر ! و أخيراً ببدعة إستقبال الإمام و وصوله كربلاء ، و عند قيام هؤلاء المرائين بممارسات من مثل ما ظهر في هذا الفديو السقيم المنكر ، لا يمكن للمشاهد أن يتقبل بعين الرضا هذه البدعة الإيرانية ، و المثير للدهشة أن البدع إذا تعلقت بالحسين و آل البيت الطاهرين فهي إيرانية دوماً ! و السؤال : ما علاقة الإمام الحسين بمثل هذه الشعائر العسكرية التي استجدت بعد تأسيس الجيوش الحديثة ، ربما في القرن التاسع عشر و ما بعده ؟ و الإمام الحسين رجل عربي مسلم عاش قبل أكثر من ألف عام ، جاء العراق ثائراً ضد الظلم ، و استبداد السلطة ، و ابتعادها عن الدين الإسلامي و مبادئه القويمة ؟ فكان أن غدر به بتلك الواقعة في كربلاء ، ثم ما الذي تقدمه هذه البدعة المستهجنة من قيمة أو شرف للإمام الحسين ، فهل يا ترى هو بحاجة لها ؟ و لهذه المناسبة أتساءل ألم يشاهد الإيرانيون فلم الرسالة أو فلم عمر المختار ؟ فما بالهم لا يفكرون بأن يمولوا فلماً يقص تلك الحادثة التأريخية ، و لكن بصدق و أمانة و حيادية ، و يكون له صدى و تأثير مثل فلم الرسالة أو عمر المختار ؟ أليس هذا بأفضل مئة مرة من هذه البدع السخيفة المستنكرة ؟ التي يصر الإيرانيون على ابتكارها ، و محاولة تسويقها الى العالم ، و كل ما ينتج منها أنها تحول ذكرى الإمام الحسين الى مناسبة للإنتقاد و لا أقول أكثر من ذلك ، و منذ إحتلال العراق ، تقصد الإمريكان و الصهاينة و إيران إستهداف العراقيين في كل شيء ، و ذلك عن سابق تصور و إصرار ، و خاصة إستهدافهم في دينهم و تشويه مذاهبهم ، و هكذا جاءوا بالطائفية ، و مزقوا الشعب العراقي شر ممزق ، فما عاد العراقيون مسلمون ، و إنما صاروا نواصب و روافض يتقاتلون ، بينما الأمريكان و الصهاينة و إيران ، يعيثون فساداً و ينهبون ثروات العراق و لم يسلم شيء منهم ، وقد تميز الإيرانيون من النهج الطائفي المقيت و الملعون ، حتى تمكنوا من جعل كثير من العراقيين تابعين لهم ، و لا أقول كما وصف الحال أحدهم بعبارة: صار العراقيون يرقصون على أنغام الأمريكان و الصهاينة و إيران ، بوعي و إرادة أم بغباء و بلادة ، و أعتذر للقراء الكرام ،

فما نقلت الجملة بنصها إلا لأن المسلمين يقولون : ناقل الكفر ليس بكافر ! و الملاحظ اليوم ، أنه عندما يقول
عراقي مؤمن بأن العراق وطنه ، و هو واحد بإرضه و متعايش بناسه ، بغض النظر عن عقيدة الواحد منهم أو دينه ، ففي كثير من الأحيان تنهال عليه الإنتقادات بعبارات سوقية و كلمات بذيئة ، و يتعرض للتهديد ، و ربما للخطف و القتل أو التشريد ، إلا أن من كان مخلصاً لوطنه ، و صادقاً مع نفسه، و من كان إسلامه صحيحاً ، و إيمانه قوياً يظل ثابتاً في موقفه ، و يبقى متمسكاً بما يؤمن به ، و يرفض التبعية للمحتلين ، و لا يقبل تقليد المبتدعين من المرائين الكاذبين ، و ما الإيمان السليم الصحيح القويم ، إلا بإن العراق وطن واحد ، و إن أهله شعب واحد ، و إن المسلم إن إعتقد بأي مذهب فليتذكر أن الإسلام قبل المذهب ، و لولا الإسلام لما كان هناك مذهب أياً كان ، و هكذا إذا نصحت أنا أو نصح غيري ، و لم نلق من يتفهم أو من لا يريد أن يستفيد و يتعلم ، فليس لنا إلا أن نذكره بما جاء في القرآن الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ
وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ
أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) صدق الله العظيم …ألا هل بلغت أللهم فإشهد !!

الإمام الحسين وصل كربلاء هذه السنة بالصوت والصورة .. سبحان الله