لأسماء الله الحسنى قدسية كبيرة ولأسماء الأنبياء والرسل والأئمة كرامتها وجلالتها واحترامها , ولها مكانتها التاريخية والدينية في قلوب الناس جميعاً , لكننا وللأسف الشديد نشاهدها اليوم معلقة على واجهات المحال التجارية وشركات النفع الخاص والعام حتى صار معظمها تحمل لفظ الجلالة أو تحمل أسماء الأنبياء والصحابة والأئمة والقادة العظام , لا للتَبَرّك بها ولا لإظهار شأنها ومكانتها الرفيعة وإنما لإضفاء الصفات الحميدة على أداء الشركات والمحال التجارية ولاكتساب ثقة الناس أو لإضفاء هالة من العفة والنزاهة على شخص رئيس الشركة وشركائه , حتى صار من المألوف مشاهدة هذه الواجهات المزينة بلفظ الجلالة في تناقض صريح بين الشكل والمضمون ، فنرى محلات لبيع الملابس الداخلية تحمل اسم (أزياء الرحمن) و (إكسسوارات الهادي) و (بوتيك الأوحد) و (حقائب المهيمن) ، ونرى أفران لبيع الخبز والمعجنات ومشتقات الحليب والألبان تحمل أسماء (حلويات الأمين) و (أفران الفاروق) و (معجنات المجتبى) و (مخابز الصادق) و (ألبان الحوراء) , ونقرأ أحيانا صالونات للحلاقة تحمل أسماء (حلاقة الرسول) و (صالون الحافظ) و (مقهى الجلالين) .
ثم ظهرت علينا سلسلة من الشركات تشترك بالاسم الأول مع إدخال بعض التغييرات الطفيفة على الاسم الثاني , مثل (أرض السهلة) و (أرض الميعاد) و (أرض طيبة) و (أرض المدينة) و (أرض مكة) و (أرض الحرمين) و (أرض المعراج) , وشركات أخرى تبدأ أسماؤها بكلمة (نور) أو (أنوار) مثل شركة (نور الرحمن) و (نور الحسين) و (نور الزهراء) و (نور الأئمة) و (نور الروضة) و (نور الكوثر) , ونرى ماركات تجارية أخرى للدجاج المجمد, من مثل (دجاج الفقيه) و (دجاج الشريعة) و (دجاج مكة) و (دجاج الطائف) و (دجاج الطيبات والحسنات) و (دجاج النورين) و (دجاج الكفيل) و (دجاج النعمان) .
لم يخطر على بال الناس إن أسماء الأبطال والمجاهدين والشهداء والصديقين من الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله الواحد الأحد الفرد , وسجلوا بمواقفهم الشريفة أرفع درجات التضحيات في الجود والفداء والعطاء تصبح أسماؤهم اليوم رمزا للدجاج ، وتصبح كنيتهم ماركة مسجلة للأسماك واللحوم المجمدة , ويُخلّد ذكرهم في المطاعم والولائم حتى وصل الأمر إلى إطلاق أسماء الأنبياء والرسل على ورش إصلاح الإطارات والسيارات, مثل  (بنـجـرجـي المصطفى) و (ورشة الخليل) و (بطاريات آدم) و (كراج سفينة نوح) .
ان مثل هذه المسميات التجارية التي يراد منها اكتساب ثقة الناس وتحقيق الربح عن طريق استغلال عواطفهم , تسيء للقيم الدينية وتسيء للرموز النبيلة الشامخة وتعكس صورة بائسة للمستوى الذي وصلت إليه المؤسسات التجارية في تطبيقات الجهل والتخلف في هذا الزمن الذي لا يَعرف فيه التاجر كوعه من بوعه .
إن الأعراف الأخلاقية السائدة لا تحبذ إطلاق الأسماء الجليلة والرموز العظيمة على أماكن البيع والشراء ولا تحبذ إطلاقها على أماكن المتعة والسهر واللهو وأماكن الخدمات العامة , ويتعين على الجميع احترامها والإشادة بها وتعظيم شأنها .
نقرأ دائما رائعة أمير الشعراء أحمد شوقي التي يمتدح فيها خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) فنراه يعتذر في خاتمتها ويصور نفسه اصغر من أن ينال شرف الوقوف بين يدي الرسول العظيم ليمتدحه ببضعة أبيات قد لا تفي بالغرض ولا تحقق المراد فيقول :
أبا الزهراءِ قد جاوزتُ قدري بمدحكَ بيد أنَّ لي انتسابا
مَدحتُ المالِكينَ فَزدتُ قَدراً فحينَ مَدَحتُكَ اقتَدتُ السَحابا .
انظر إلى هذه الصياغة الجميلة وهذا الأدب الجم والخلق الرفيع الذي يحمله (شوقي) , وانظر إلى تواضعه وحسن بيانه في التعبير عن ضعفه وصغر منزلته وهو أمير الشعراء , وانظر إلى خشوعه ورقته عندما يخاطب سيد الكائنات .
تعمّد النظام الصدّامي البائد بالعراق أطلاق أسماء بعض الشعراء والأدباء والفلاسفة على بعض الشوارع والأماكن التي تُمارس فيها الرذيلة (أعزكم الله منها) , فقد كان ملهى (الفارابي) من أكبر الملاهي الليلية في البصرة في محاولة متعمدة للإساءة إلى الفيلسوف الكبير أبو نصر محمد الفارابي (المعلم الثاني) بعد أرسطو .
وصار شارع (أبو نؤاس) من أكبر الشوارع المزدحمة بالملاهي الليلية المكتظة بحانات بيع الخمور في محاولة لإلصاق صفة المجون والتهتك بهذا الشاعر البليغ الذي نسجت حوله الأقاويل والحكايات الفاضحة لأسباب يراها المتبحّر في سيرته عنصرية وطائفية بحتة , ولم يسلم الشاعر (بشار بن برد) من حملات التشويه , فصار اسمه عنوانا مقززاً لأقذر الشوارع في البصرة وتحولت عبارة (شارع بشار) بمرور الزمن إلى عبارة معيبة يتجنبها الناس .
أحيانا يكون الجهل والتخلف هو العامل الأساس في انتشار هذه الظاهرة ، وأحياناً يكون القصد السيئ هو ورائها .
ولكل ماكتبناه وكل ماهو سلبي بهذا الخصوص نرى أننا في العراق في أمس الحاجة لإصدار تشريع وقانون يحمي رموزنا الدينية والعلمية والأدبية والتاريخية ويمنع التداول التجاري الرخيص بأسمائها ويحفظ مكانتها الرفيعة ويصون منزلتها العالية .
والله من وراء القصد .