من وحي أرض الطفوف / 5
بقلم : عبود مزهر الكرخي

ملحمة الطف تخطيط إلهي ، وليس بشري
هناك عدة أحاديث وردت عن الرسول الأعظم محمد(صل الله عليه وآله)تشير إلى واقعة كربلاء وما يجري فيه وان من قام بنقل تلك الأخبار جبرائيل الأمين وليخبرها إلى للنبي الأكرم(صلوات الله عليه وآله) ، وسوف نورد تلك الروايات والأحاديث ومن مصادر الفريقين لنثبت أن واقعة عاشوراء وما جرى في كربلاء هي تخطيط إلهي وليس بشري ، كما يدعون بعض الكتاب والعلماء ومن أهل الجماعة والسنة ، وحتى من قبل القليل من الشيعة.
حدثنا محمد بن عبيد، ثنا شرحبيل بن مدرك عن عبد الله بن نجي عن أبيه: أنه سار مع علي (رضي الله عنه)، فما جاءوا نينوى وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: إصبر أبا عبد الله! إصبر أبا عبد الله! بشط الفرات، قلت: وماذا؟ قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم وعيناه تفيضان. قلت: يا نبي الله! أغضبك أحد؟
ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني: أن الحسين يقتل بشط الفرات، قال فقال: هل لك إلى أن أشهدك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا (1).
ومن هنا كان التخطيط إلهي لواقعة عاشوراء ، وأن الله سبحانه وتعالى قد عهد للإمام الحسين(عليه السلام)وكان مأموراً بتنفيذ هذا المشروع ينتهي باستشهاده واستشهاد من معه
معه وجميع ما حدث من مآس وفجائع. كل ذلك لمصالـح عظمى تناسب حجم التضحية وأهميتها قد علم الله تعالى
بها. وربما ظهر لنا بعضها. وقد نجح صلوات الله عليه في مشروعه وحقق ما أراد.
وكل من اشار اليه بعدم الخروج قد غاب عنهم وجه الحكمة في خروج الإمام الحسين(عليه السلام)وأنه كان تكليف شرعي يقوم به أمام زمانه وهو الحسين(عليه السلام)في اصلاح أمة جده ، وهؤلاء هم انفسهم قد خفي عن أباءهم ما جرى ومن الحكمة في عقد صلح الحديبية من الصحابة ، فاستنكروه من قبل الصحابة تجاه ما قام به من هذا الصلح وأولهم الخليفة الثاني عمر ، ونفس الشيء خفى هذا الأمر على أصحاب الإمام الحسن(عليه السلام) وغيرهم ـ وجه الحكمة في صلحه لمعاوية، فأنكروا عليه… إلى غير ذلك من الأمور الغيبية التي قد يخفى وجهها، والناس أعداء ما جهلوا. بل قد يكونوا معذورين لجهلهم.
إثبات أن التخطيط للنهضة إلهي
نحن الشيعة نؤمن بعصمة الإمام الحسين(عليه السلام) بل وسائر الأئمة(صلوات الله عليهم) ، ومن هنا كان لابد من أن نتبنى التفسير الثاني من النهضة الحسينية المباركة في الطف ، وحتى كل ما صدر عن ائمتنا المعصومين(سلام الله عليهم) وهناك نصوص مستفيضة عن النبي والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) بما يؤكد التفسير المذكور. نكتفي منها بحديث العمري عن الإمام الصادق (صلوات الله عليه): ” (قال: إن الله عز وجل أنزل على نبيه (صل الله عليه واله وسلم) كتاباً قبل وفاته، فقال: يا محمد هذه وصيتك إلى النُجَبَة من أهلك… فدفعه النبي (صل الله عليه واله وسلم) إلى أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وأمره أن يفك خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففك أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) خاتماً وعمل بما فيه، ثم دفعه إلى ابنه الحسن (صلوات الله عليه)، ففك خاتماً منه وعمل بما فيه، ثم دفعه إلى الحسين (صلوات الله عليه)، ففك خاتماً فوجد فيه: أن اخرج بقوم إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلا معك، واشتر نفسك لله عز وجل، ففعل، ثم دفعه إلى علي بن الحسين (صلوات الله عليه) ” (2).
وحتى هناك روايات تؤكد ان اسماء انصار الحسين(عليه السلام) مكتوبة في اللوح المحفوظ ، وتشير الروايات أنه نقل ابن شهر آشوب مسألة عن محمّد بن الحنفيّة وقد نقل الآخرون أيضاً هذه المسألة عنه حيث يقول: قال محمّد عن عدم مرافقته الإمام في كربلاء: “إنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ” (3). وكتب المامقانيّ ” بأنّ الجواب الصحيح عن ذلك أنّ أصحاب الإمام الحسين عليه السلام الشهداء هم أشخاص محدودون عددهم(72)شخصاً ، أوصلهم التقدير الإلهيّ إلى هذه المفخرة العظيمة وهذا ما نقل عن محمّد بن الحنفيّة ” (4).
وأن كل من يقول أن نهضة الحسين وما جرى في عرصات كربلاء هو تخطيط بشري هو ظلم إلى سيد الشهداء(عليه السلام)بل هو من أكبر الافتراءات التي تقال عن ملحمة الطف الخالدة ،
وهو استهوان بنهضته المقدسة، لا من أجل اعتقادنا بعصمته، ولا من أجل الأحاديث التي أشرت اليها ، بل أن ملحمة الطف حققت النصر المادي وعلى المدى البعيد وليس القريب المنظور ومن ناحية العملية العسكرية.
ولذلك من كتب في زوايا التاريخ بعض النكات التي تشهد بأن الحسين (صلوات الله عليه) كان مصمماً على التضحية، ولا يريد التشبث بأسباب العافية والسلامة. ولا يسعنا تفصيل الكلام في ذلك في هذه العجالة.
ونكتفي بما أشار إليه (صلوات الله عليه) وأجمله في كتابه من مكة المكرمة إلى من بقي من بني هاشم في المدينة، حيث قال فيه: ( بسم الله الرحمن الرحيم، مِنَ الحُسين بن علي إلى بني هاشم، أمّا بَعد، فإنّه مَنْ لَحِقَ بي مِنكم إستُشهِد, وَمَن تَخَلّفَ عَنّي لَمْ يَبلغ الفَتْح، والسّلام ) (5).
وبذلك تتجلى عظمة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وروح التضحية التي يتحلى بها وقوة العزيمة والتصميم التي يحملها.
فاين الذين قاتلوا الحسين عليه السلام واين الحسين الان عليه السلام فالفرق واضح جدا وفي الحقيقة الكلام في الامام الحسين عليه السلام لا تنتهي ابدا مهما كتبت ومهما سطر قلمك لأنه الحسين ابن علي ابن ابي طالب (عليهما السلام).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ سيرتنا وسنتنا – الشيخ الأميني – الصفحة ١٢٩. منشورات المكتبة الشيعية. إمام الحنابلة أحمد في المسند 2: 60، 61 ط 2. وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ج 12 عن محمد بن عبيد بالإسناد واللفظ وفيه: صبرا أبا عبد الله، صبرا أبا عبد الله.
2 ـ كمال الدين وتمام النعمة – للشيخ الجليل الأقدم الصدوق – ج ١ – الصفحة ٦٩٧. منشورات المكتبة الشيعية. الأمالي – الشيخ الصدوق – الصفحة ٤٨٦. منشورات المكتبة الشيعية..
3 ـ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 211/ المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 44، ص 185.
4 ـ رضوي، ماهيّة ثورة المختار، ص 165 نقلا ًعن المامقانيّ، ج 3، ص 112.
5 ـ بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج ٤٤ – الصفحة ٣٣٠. منشورات المكتبة الشيعية. راجع النجاشي ص 292. وفي كامل الزيارات، ابن قولويه: 75، بـاب 24، حـديث 15 ، وفي اللهوف في قتلى الطفوف – السيد ابن طاووس – الصفحة 25.