تنضوي أرض الزعفران تحت فن الرواية القصيرة ذلك العمل النثري الفني الذي يحقق التوازن الواعي بين الإيجاز الدقيق والتوسًع المطلق ويظلً هذا الشكل من أشكال الكتابة الإبداعية في ارتباط وثيق بنزعة تجريبيًة .ففي مقدمة لرواية قصيرة رائدة للروائي العراقي اسماعيل فهد اسماعيل تحت عنوان كانت السماء زرقاء وكان أول صدور لها سنة (1965)كتب الكاتب والشاعر صلاح عبد الصبور مؤكدا على هذه النزعة التجريبية وقد تجلًت بجنس الرواية القصيرة( إنًنا في أدبنا العربي لا نستطيع
أن نقول إنً لنا طموحا إلى آفاق جديدة فمازال معظم أدبنا الروائي ينبع من منطق الحتوتة)

إذن فالرواية القصيرة نوع من الكتابة المكثًفة المفارقة لمسارات تقليدية للتخييل السردي .
ولنا أنً نتساءل إلى أيً مدى كانت رواية أرض الزعفران تنحى هذا المنحى التجريبي مبنى ودلالة لتعًبر عن توجه في الكتابة بقدر ما يحقق المتعة الفنية يستجيب لحرص على الإضافة النوعيًة ؟
يستوقفنا العنوان الرئيس أرض الزعفران باعتباره شكلا فنيًا هو أوًل عتبة يجتازها القارئ فكيف يكون العنوان محطة تنوير تضيء جوانب مهمًة من عتبات النص ؟ العنوان في تركيبته الاسمية المضافة يحيل على النبات العطري طيب الرائحة وقد حفت به هالة من نور القداسة لارتباطه بطقوس عرفانية ماورائية وليس هذا سوى إشارة إلى نهل من موروث حكائي ومن مخيال شعبي يذكر بألف ليلة وليلة وحكايات شهرزاد ذات الطابع العجائبي الأسر إلى جانب ما يوحي به الزعفران من خصب ونماء .هذا بالنسبة إلى العنوان الرئيس أمًا العناوين الداخلية فخمسة وهي على التوالي الولادة والصندوق والغريب والزفاف والازدهار وتشكًل مجتمعة مشهد الحلم والمنشود فكأنها المدينة الفاضلة كما ارتسمت لدى الفارابي ولدى كل حكيم كان يبشًر بأرض الحب والحكمة والخير والسلام إنها الأرض الموعودة أرض النماء والخصب والجمال لذا قدً السارد فضاءه الموعود بلغة ذات طابع غرائبي عجائبي من ناحية وذات دفق شعري متوهج من ناحية أخرى وأضفت المجانسة الصوتية والسجع وموسيقى الكلمات على هذا المشهد الفردوسي نغما يظل يتردًد صداه ليرتدً بنا إلى منابع صافية منسابة بلا نصب ولا منغصات تشوب هذا الصفاء وهذا الفضاء الموغل في الحسن والانسجام أماً الفصل الخامس والأخير فصل الاندثار فكان أكثر الفصول تكثيفا وتلميحا لذا استعان السارد بلفة رمزية ذات إيحاءات عدة فالعث ونخره الصندوق وانطفاء نار الموقد وتشظًي الفناجين ودلال القهوة وقد تقيًأت ما فيها وتدحرجت كلًها تشي بالتشتت والتهاوي وتدعو القارئ بهذا التكثيف الدلالي إلى مشاركة الروائي التفكير والتساؤل ويترك بذلك الكثير لعقلية المتلقي الاستشفافية حتى ينفتح السرد على أكثر من دلالة وان كانت الدلالة الطاغية هي التهاوي والتشظًي إذ مدينة الأقفال قد عصفت بأرض الزعفران أرض الحكمة والمعرفة وقد عانق فيها الإنسان إنسانيته ليغترب مجددا عن ذاته وقد انحسر الحب والسلام والحكمة وعتا القبح شامخا مكتسحا كل ما يعترض سبيله .
وهكذا ليس مكمن الإثارة في هذه الرواية القصيرة في تسمية المكان بأرض الزعفران وإيحاءاته الجمًة فحسب بل كلً ما فيها مستفز للمتلقي ولكلً مداركه من تصميم للمعمار الفني المترابط و المتشابك ومن لغة ذات إيقاع وجرس موسيقي وشخوص خارقة للعادة ولاسيما الشخصية المركزية ضويًة الفتاة المعحزة والغريب إدريس الذي كان كل ما يأتيه مفارق للعادي فكان الفارس صاحب الخوارق والمعجزات بدءا ومنتهى إلى جانب صندوق الحكمة العجيب ولكن هذا الاستلهام للمحكيات الشعبيًة ليس له من غاية امتاعية بالدرجة الأولى إذ لم يطرح الكاتب نفسه كحكواتي بل اجترح لنفسه طريقا خاصة في معالجة قضايا الإنسان المعاصر وقد تبدًى مرتجً الكيان في بحث متواصل عمًا به يحقق توازنه ويرسي دعائم أرض الحكمة والحب والجمال وقد أصبحت أثرا بعد عين بل تهاوت أعمدتها وعمً الخراب واليباب والأشدً منه وطأة خراب روحي يحيط بالمتطلًع إلى مدينة السلام ويأخذ بخناقه .
وصفوة القول كانت رواية أرض الزعفران على درجة كبيرة من التكثيف على ما يقتضيه هذا الجنس السردي من تركيز وقد تأتًى هذا التوهج الدلالي من لغة رمزيًة لتضع القارئ في مواجهة أسئلة جمًة وتساؤلات محيًرة شغلت الكاتب في بحثه المتواصل عمًا به يواجه قبحا يزحف ليبيد كل ما يعترض سبيله وهكذا تكون للروائي نظرة خاصة للواقع ترفض التشرذم والتباعد وتدعو بصفة ضمنية إلى واقع بديل حكيمه مسموع الرأي والحب والجمال عنوانه